عبدالوهاب العمراني

عبدالوهاب العمراني

كاتب يمني سفير في وزارة الخارجية اليمنية

كل الكتابات
ما بعد معركة الساحل
الأحد, 17 يونيو, 2018 - 09:50 مساءً

لطالما ردد الحوثيون مقولة السلام يصنعه الميدان، وهذه رؤية حقيقة وواقعية وفي الغالب لا منطق يعلو عن هذا ، لكن تكون لها قيمة أخلاقية لمن يحارب من اغتصب السلطة وفتح أبواب جهنم على اليمن .. بالفعل ما أخذ بالقوة بداهة لا يعاد إلا بالقوة، فمنطق الحوثيين هو القوة والاستقواء بالخارج.
 
بعد ما يقارب الأربع سنوات من السقوط المدوي لصنعا بتواطئ الدولة العميقة ، وعجز التحالف عن الحسم ومحاولة إضعاف الشرعية التي يفترض انه تدخل تحت لافتة عودتها.
 
لذا فحيرة اليمنيين اليوم هو ان الحرب غدت نمطاً يومياً فلا يرون أملاً في حسم قريب او انفراج سلمي فثمة محاولة لتفخيخ اليمن بكل عناصر اللإستقرار، وجعل الأمل في عودة الحياة السياسية الطبيعية مستحيلاً ، بغرض تهيئة الملعب لنهاية المشهد بتدوير الدولة العميقة.
 
ومن هنا تأتي معركة تحرير الساحل ولو متأخرة فقد كسرت جليد وملل الانتظار ومهما كثر الجدل حول طبيعة المعركة من حيث الزمن وأدواتها ولكنها في الجملة في حال قُدر لها الاستمرار فقط بضعة أيام او اسابيع ستنهي حتما غطرسة الاستقوأ بالغلبة لهذه الميلشيا الإيرانية فقد كان اليمن بمنأى عن كل هذا لو لم تقفز ميلشيا الحوثي لاغتصاب السلطة بالغلبة والتأمر الخارجي ومن يومها انزلقت اليمن للمجهول فغدت اليمن ورقة مساومة إقليمية في عدة بؤر ساخنة ، لنتسائل كيف كان اليمن فيما لو حدث الشرخ الخليج .
 
ثمة ما يكفي من الأحقاد في اليمن لجعل الحسم على الأرض هو الخيار الوحيد ولكن هذا الحسم لا يأتي طالما الخندق المقابل لميلشيا الحوثي منقسم على نفسه ولعل معمعة وتباين التحالف هو انعكاس للقوى المتربصة خارج الشرعية وهي بقايا المؤتمر ورموز الحراك الجنوبي ففي مفردة الحراك فأن الشرعية تشترط حل ودمج قواته في الجيش والشرطة مقابل مناصب وزارية في الشرعية، فالانتقالي للأسف وبدعم الإقليم يريد مناصب وزارية في الشرعية مع الاحتفاظ بالمجلس كمكون جنوبي والاحتفاظ بالمليشيات التابعة له .
 
ولان لكل شئ نهاية فقد وصلت المفاوضات ووهم وسراب السلام مع الحوثي الى طريق مسدود وفي ظل هذا الانسداد السياسي فقد كانت معركة الحديدة حتما مهمة لكسر جليد الجمود.
 
ثمة ما يكفي من الأحقاد في اليمن لجعل الحسم على الأرض هو الخيار الوحيد.
 
لم يعد اليمنيين يثقون بميلشيا الحوثي التي استفادت من خلافات الصراع على السلطة ، فالحديث عن تفاوض ومشاركة لهذا الكيان المسخ غدا أمراً غير واقعي ، فإذا كان حوارا لعام كامل انتهى بسقوط صنعاء وسقوط حكومة (التوافق) فيكف يطالب الحوثيين اليوم وبعد ما يقارب الأربع سنوات لإسقاطهم صنعاء وقبلها عمران ، ومن ثم مدناً أخرى مرورا بحرب لما يقارب الثلاث سنوات من الدمار وشق الصف الوطن.
 
وعلى الحوثي أن يسلم بالأمر الواقع وكما صرح معالي وزير الخارجية خالد اليماني : " بأن التسليم للشرعية وللوطن ليس استسلاما. فخروج الحوثيين من الحديدة هو نصر للسلام والأمن في اليمن ومدخل لإنهاء مأساة اليمنيين التي بدأت بانقلاب 21 سبتمبر 2014. فان نجح المبعوث الخاص في تنفيذ مبادرة الحديدة ستتواصل الجهود لتنفيذ قرار مجلس الأمن 2216 وحينها سيتسع الوطن لنا جميعاً ، وتصريحه بعد اقل من أسبوع على بدأ المعارك يبدو انه في سياق التصريحات الدبلوماسية ولن تكن واقعا ما لم يتم إقراره باتفاق او في سياق أطروحات الوضع الأخير لهذه الحرب والتي لا يبدو أفقا واضحا لما تنتهي إليه .
 
من ضمن أخطاء التحالف بأنه يمني طرفي الانقلاب في كعكة مستقبلية، يتناغم ذلك مع تأكيدات حكومية بضرورة إشراك الحوثيين بدلاً من التلويح بمحاسبتهم على جرائمهم. ويكفي خطأ قيادة الرئيس هادي بالسماح لهم بالانخراط في الحوار الوطني الشامل وهم مجرد ميلشيا واليوم يُراد شرعنة الانقلاب بتسوية هشة وفي حال اتفاق مفترض لن يكون سوى نسخة محسنة ومهذبة لاتفاق السلم والشراكة فكلاهما يخرجان من فوهة البندقية. ومن هنا فهؤلاء لا يعيرون اهتماماً بقيم السلام الحقيقي طالما ضمنوا تلك الوعود (تقاسم السلطة) وبالتالي فجبهة التحالف تضعف الحلفاء في الحكومة الشرعية التي يزعمون بأنهم شنوا الحرب من اجل استعادتها.
 
تركيز التحالف والإمارات تحديدا على الساحل منذ يناير 2017م وحتى اليوم وجمود في عدد من الجبهات قوبل بداهة بحالة يأس وقنوط وعلى خلفية أخطاء التحالف في قصف مدنيين وترك الحوثيين يستعرضون قواتهم على الملا منذ بداية الحرب .
 
معركة الحديدة فاصلة لكلا المتصارعين ، لهذا تستميت ميلشيا الانقلاب لأنها تدرك بأن هزيمتهم في الساحل هي بداية النهاية .. وفي حال خرج الحوثي منها سليما دون تقديم تنازلات فأن ذلك يعني ان مأساة اليمنيين ستطول لان التحالف لن يقر بالهزيمة وسندخل مرحلة جديدة من الضياع بينما يستمر حوثنة الدولة في كل مفاصلها من جيش وأمن وتربية وقضاء وأوقاف وإعلام وتجذرها في المجتمع ومؤسسات الدولة .
 
وفي رصد الرأي العام اليمني إزاء ما يجري في الحديدة منذ أيام صحيح أن اغلب اليمنيين يجمعهم العداء للحوثي ويتمنون تحرير كل الساحل لكن  يختلفون فيما بعد تحرير الحديدة هل سيعود الساحل للشرعية والجيش الوطني وهو الأمر نفسه لبقية المناطق اليمنية فيما لو افترضنا ان التحالف جاد في التحرير الكامل ، وعلى اعتبار ان الحوثي سيتم هزيمته في الساحل ، وكلا الرؤىتين لها ما يبررها ، وسبب حنق الكثيرون وعزوفهم عن الأمل في التحرير المفترض يعود لأن عدن لم تصبح نموذج يقتدى بعد ثلاث سنين من التحرير ، ولغياب حكومة الشرعية والتي أتاحت للحراك بأن يكون دولة موازية في الجنوب مع ان الشرعية اغلبها قيادات جنوبية .
 
تميزت هذه المعركة بتهويل إعلامي مبالغ فيه مقارنة بحقيقة ما يجري على الأرض.
 
بغض النظر عن ملابسات معركة الحديدة فأن رؤية وضمير اليمني اللامنتمي لهذه الأحزاب التي تتصدر المشهد ولا يتماهى مع عبث الإقليم عربيا كان او أعجميا سيرحب حتما لهذه المعركة التي قد تكون فاصلة إذا قدر لها استمرار فالحسم حتما للشرعية .. وستنتهي حتما بانكسار الحوثي ، وستكون بداية النهاية لعنهجية الحوثي ، وبغض النظر عن التفاصيل من حيث الزمن الذي تأخر ثلاث سنوات . وبغض النظر عن أدواتها وأسلوبها .
 
ولسان حال الراصدين وفق هذه الرؤية هي :
 
نحن مع معركة الدفاع عن آل اليمن لامع معارك الصراع من اجل آل البيت و آل عفاش أو الحراك الذي لا يعبر عن الجنوب الذي اليوم يقود الدولة اليمنية، هذا الحراك الذي تدعمه إيران والإقليم في آن واحد.
 
يمن الغد يجب ان يتوارى منه كل من عبث باليمن ، فأما الشرعية فهي بعد استعادة الدولة مسألة وقت وستنتهي بعد الانتخابات المفترضة .
 
ما تروج له قناة الجزيرة بأن دول الإقليم تمهد لاستعادة الدولة العميقة بنظري هو لصالح اليمن فاليمن ليست أحدى جمهوريات الموز لينصب رئيس على مقاس هذا الطرف او ذاك ، ستضل الشرعية برئاسة الرئيس هادي لحين انتخاب رئيس جديد وهذه جوهر المبادرة الخليجية ومؤتمر الحوار الذي انقلبوا عليه وكذا لب والقرار الدولي 2216.
 
فأي تفاوض سيكون تحت هذه المرجعيات سوا بعد معركة الحديدة او أي معارك محتملة في الأخير لن يصح إلا الصحيح. .
 
* كاتب وسفير في الخارجية.

* المقال خاص بالموقع بوست
 

التعليقات