تحدث عن بداية مشواره في الرسم ..
رشاد السامعي في حوار مع "الموقع بوست": كنت أهتم بالكاريكاتير الاجتماعي والحرب فرضت السياسي
- حاوره: صلاح الواسعي السبت, 13 فبراير, 2021 - 05:14 مساءً
رشاد السامعي في حوار مع

[ رشاد السامعي جعل الكاريكاتير أداة سياسية للتعبير ونقد الشأن العام ]

دعا الفنان الكاريكاتيري رشاد السامعي وزارة الثقافة اليمنية إلى حسم الجدل الذي لا يزال قائما حول قصيدته "تذكري يا غصون" والتي لا يزال الكثير ينسبها للشاعر الراحل عبد الله سلام ناجي.

 

في الحوار الذي أجراه معه "الموقع بوست" يتحدث السامعي عن تجربته مع فن الكاريكاتير وقضاياه كنافذة على واقع الرسم الكاريكاتيري في اليمن ويقول إن "الفنان في اليمن يعاني بشكل عام تقريبا وفنان الكاريكاتير على وجه التحديد".

 

وبخصوص الجدل الذي لا يزال قائما حول قصيدته "تذكري يا غصون" يذكر السامعي أن البعض لا يزال ينشرها مذيلة باسم الشاعر الراحل "عبدالله سلام ناجي" بالرغم أنه كتب القصيدة في العام 2003 ونشرت في مجلة الثقافية وتفاجأ في العام 2014 أنها نسبت للشاعر سلام.

 

إلى نص الحوار:

 

* بداية ممكن أن نتكلم عن بداياتك في فن الكاريكاتير؟ أي لحظة تلك التي قررت فيها أن تصبح رسام كاريكاتير؟

 

** بدايتي كانت كأي طفل يحب الرسم، كتب المدرسة ومأساة الفصول وجدرانها هي كراستي، كانت هذه مرحلة الابتدائية، وفي المرحلة الثانوية بدأت في رسم الأشكال المضحكة والطريفة، فأرسم زملائي بأشكال كاريكاتورية مثلاً.. وكان هذا النوع من الرسوم يلقى استحسانهم ويخلق جوا من المرح, وفي حرب العراق لم أكن أفهم وقتها في السياسة، كنت أرى اهتمام الناس وتفاعلهم وتضامنهم مع العراق ومع الرئيس الراحل صدام حسين، فكنت أحب أن أشاركهم وأبلور آراءهم وكلامهم الذي أسمعه وأحوله إلى شيء يشبه الكاريكاتير لكنه ليس كاريكاتير، هو يشبه فن الكولاج.

 

كنت أعتمد على قص الصور من المجلات على ورقة، ثم إضافة تعليق يعبر عن الموضوع، كانت هذه الرسوم تلقى رواجا عند الأقرباء والأصدقاء.

 

 

وفي الجامعة وتحديداً في العام الأول من دخولي إليها، أقيم معرض للفن التشكيلي وطلبوا مني المشاركة بأعمال تشكيلية لكنني فضلت المشاركة برسوم كاريكاتورية، وكانت هي المرة الأولى التي أشارك فيها في معرض، أتذكر جيداً أنني شاركت بخمسة رسوم تحكي عن وضع الطالب في الجامعة والرسوم الجامعية ووضعه بعد التخرج، وكان الزوار من طلاب ودكاترة يقفون في كل مرة أمام الرسوم الكاريكاتورية أكثر من اللوحات التشكيلية، شعرت وقتها بأهمية فن الكاريكاتير.

 

* هل تفرض المواقع والصحف اليمنية قيودا على حريتك في الرسم؟ أم أنها تمنحك مساحة واسعة لتعبر عن وجهة نظرك بكل حرية؟

 

** بالنسبة للصحف كما تعلم لم يعد لدينا صحف في الوقت الحالي، فقد توقفت بسبب الحرب وقبل الحرب كانت هناك قيود بالتأكيد.

 

كنت أعمل أنا في صحيفة رسمية تديرها الدولة هي صحيفة الجمهورية، وكانت رسوماتي تحت المجهر دائماً.

 

بالنسبة للمواقع التي أعمل بها لا يوجد قيود بمعنى قيود، إنما هناك وجهات نظر مختلفة أتعامل معها، فهم لا يفرضون أفكارا أو توجهات.

 

* عادة الفنون لا تعود على الفنان بما تعود عليه به تخصصات أخرى، كيف تتعايش مع هذه المعضلة؟

 

** في اليمن يعاني الفنان بشكل عام تقريبا وفنان الكاريكاتير على وجه التحديد، فالفنان في دول العالم يعيش من فنه ويتفرغ لعمله ويحصل على كل الامتيازات خاصة فنان الكاريكاتير، لأن هذا الفن فن نادر، وأصحابه قليلون جداً، لذا يهتمون برسام الكاركاتير بشكل كبير ويفرغونه للإبداع فقط، فلا ينشغل بأي شيء آخر.

 

أما هنا في اليمن لا بد أن يكون لك مصدر دخل آخر تعيش منه، وهذا ما جعل الكثير من رسامي الكاريكاتير في اليمن يتوقفون، إضافة لأسباب أخرى تتعلق بالحرب.

 

* هل تعتقد أن حرية التواصل الاجتماعي تتيح اليوم حرية أكبر لاتساع مساحة السخرية والرسم الكاريكاتوري خصوصا وأنك جربت الصحيفة والسوشال ميديا؟

 

** مواقع التواصل الاجتماعي أتاحت فضاءً واسعا لحرية الرأي، لكن أيضاً لا تخلو هذه المواقع من القيود، فليس كل الفنانين بإمكانهم التعبير عن آرائهم في هذا الفضاء الواسع.

 

 

بالنسبة لي وجدت في هذه المواقع ضالتي وتحررت من كل القيود التي كانت تواجهني في السابق، لأنها أعطتني فرصة التواصل بالجمهور واستقبال آرائهم وانتقاداتهم حول المواضيع وسمحت لي بنشر الأعمال بشكل أوسع لكن أيضا يحتاج هذا الأمر للتعامل الحذر بحيث لا بد من إنتاج أعمال تحترم الجمهور و تتعامل بذكاء مع التقاليد المجتمعية الحساسة.

 

* هل الفنان الكاريكاتوري ينطلق من ذاته وفكرته ويفرضها على المتلقي أم أنه مضطر لاتباع مزاج الجمهور؟

 

** رأيي واحترام جمهوري وعند تناول مواضيع حساسة مرتبطة بموروثات أو ثقافات سائدة فينبغي أن أطرح رأيي بدون استفزاز أو تجريح، فهذه الطريقة التي تجعلك مؤثرا وتجعل الناس يثقون في السياسة، فالمكاشفة مطلوبة.

 

* هل يمكننا الحديث عن وجود مدرسة للفن الكاريكاتوري في اليمن حاليا؟

 

** المدارس العالمية معروفة وكل فنان ربما يميل لمدرسة معينة وأحيانا قد يجمع الفنان بين أكثر من مدرسة.

 

* ما هو اللون الكاريكاتوري المفضل لديك هل السياسي أم الاجتماعي أم الترفيهي ولماذا؟

 

** قبل الحرب كنت منهمكا برسم الكاريكاتور الاجتماعي ومناقشة أوضاع الناس ولم أكن أرسم الكاريكاتير السياسي إلا فيما ندر، أولاً لأني كنت لا أحب السياسة ولأني كنت أعمل في صحيفة رسمية، صحيح كانت لدي مواقف وقراءات حول ما يدور في البلد وإن لم تكن رؤى ناضجة لكن كنت مؤمن بها، ومع بداية ثورات الربيع العربي في اليمن ومشاركتي بها كان لا بد من التعبير عنها والحشد لها وهو ما يتطلب إقناع الناس، ولكي تكون مقنعاً لا بد أن تكون ملما بالقضية التي تود طرحها ونقاشها لتحقق أهداف الكاريكاتير وتنجح في التأثير على الناس، لهذا تحتم الأمر أن أقرا وأطلع أكثر وأكثر وأتصفح آراء الناس والسياسيين تحديداً وأمورا أخرى وأعمل على فلترة وتقييم كل ما أسمع وأرى، فرسام الكاريكاتير لا بد أن يكون فنانا شاملاً ومثقفاً في كل الجوانب السياسية والاقتصادية والاجتماعية والرياضية وغيرها، وكثير من رسوماتي سياسية مرتبطة الوضع الإنساني وهو ما يعطيني دافعا ومساحة للتعامل مع القضايا السياسية بدون تحيز أو تحزب أو خطوط حمراء فقط من أجل الإنسانية.

 

 

* برأيك لماذا تخاف التنظيمات الاستبدادية والشمولية من السخرية؟

 

** الأنظمة الاستبدادية أكثر ما تخافه هي السخرية، لأنها تعيش على التزييف وتتغلف نفسها وتصنع هالة من التقديس حول نفسها بحيث تقنع الآخرين من عامة الناس أن كل ما تقوله صحيحا، وهذه الهالة يصعب مع الوقت كسرها وتعجز أي كيانات معارضة عن مواجهتها، فهذه الأنظمة استطاعت إيصال كل المعارضين تقريبا إلى أن يفقد الكثير ثقتهم بهم إما بتخوينهم أو ابتزازهم أو شراء ولاءاتهم أو مطاردتهم واغتيالهم، أو مشاركتهم السلطة.

 

 لكن النكتة لا تأتي من هذه الأوساط التي فشلت في كسب رأي الناس ولفت انتباههم والتعبير عنهم، لكن أتت من أوساط الناس، لهذا تنتشر دون قدرة الأنظمة على التحكم بها، فهي أي النكتة مشتعلة في المقايل وفي البوافي وفي المساجد وفي الشوارع وفي كل مكان، إنها تحطم هيبة ورهبة الديكتاتور وتكسر حاجز الخوف في نفوس الناس.

 

* ثمة مقولة إن السخرية سواء في المسرح أو الكاريكاتير أو غيره تزدهر في أوساط الشعوب المقهورة، هل ترى أن السخرية ازدهرت في الفضاء اليمني، سواء في الكتابة الساخرة أو المسرح أو الكاريكاتير أو المونولوج الغنائي والشعبي؟

 

** السخرية موجودة ليس بكل الفنون، فالفنون معظمها  مغيبة أو موجهة، والموجهة جمهورها محدود في المسرح والغناء والشعر، وفي كل هذه الإنتاجات لا تلبث أن تنتهي في وقت قصير، إذا لم يكن الإنسان هو محور اهتمام الفنان في كل وقت وليس في أوقات معينة ففنه يتآكل بسرعة لأنه يفتقر للأساس القوي وتقيده توجهات تجعل منه فنانا متحيزا وناقص المصداقية.

 

* كيف تتولد فكرة الكاريكاتير لديك؟

 

** تتولد الفكرة أولاً من وجود القضية ثم القراءة والمتابعة حولها ومعرفة كل تفاصيلها، وهل هي حقيقية أم شائعة، أنا أتأني في الرسم وأقف أمام الكثير من المواضيع التي تحتاج لفحص وتدقيق حتى لا نقع في شراك التضليل، ثم أستجمع قواي وحواسي الخمس للغوص قدر الممكن وأنتشل أفضل ما يمكن التعبير عنه حول هذه القضية، وأنا في الحقيقة لا أصل إلى ما أريد في كثير من الرسوم، بسبب ضغط العمل وكثرة القضايا، لكني أحاول الخروج بنتيجة إلى حدٍ ما مرضية، وأحياناً تأتي الفكرة بنفس اللحظة وأحيانا تأخذ مني ساعة أو ساعتين أو يوما أو أكثر، وأحيانا أعجز عن التعبير عنها فأتركها إلى وقت لاحق.

 

* إلى أي مدى يمكنك أن تلاحظ تأثير ما تقوم به على الواقع؟

 

 ** في كثير من الأحيان أتوقع تفاعل الجمهور في بعض الرسوم، وأقول في نفسي قبل نشر رسم معين إنه سيحظى باهتمام المتابعين ومشاركتهم له، لكن يحصل العكس وأحياناً أكون متردد كثيراً برسم لدرجة أني بعد رسمه أفكر في أرشفته أو حذفه، أسأل كثيراً زوجتي عن الرسم وألح في سؤالها فتنصحني بنشره، وعندما أنشره على مضض وخوف أتفاجأ بحجم التفاعل والمشاركات والإعجابات.

 

* عرفت أنك كنت من فترة معينة تكتب شعرا شعبيا، واشتهرت قصيدة نسبت إليك، هل هي لك أم لعبد الله سلام ناجي، نريد أن نحسم الجدل هنا؟

 

** أنا أكتب الشعر من الثانوية تقريباً، لكن كنت أكتبه لنفسي فقط، أو للمقربين من الأهل والأصدقاء، وعندما توظفت في مؤسسة الجمهورية تحديداً في صحيفة الثقافية وجدت فيها متسعا وحافزا للنشر ولم أكن أتوقع حجم الإعجاب بما أكتب وأنشر، هي حالة كتبت فيها قصائد قليلة.

 

* لماذا توقفت عن كتابة الشعر الشعبي؟

 

** بسبب ضغط الكاركتير توقفت ولم أستطع التوفيق بين القصيدة والرسم، فكلاهما يحتاج لجو خاص واندماج كامل ووجدت صعوبة في الخروج من أحدهما أو تخصيص وقت أستجمع فيه مشاعري.

 

 

بذلت جهدا كبيرا خلال إنتاج القصائد السابقة، فهناك قوتان تتنازعاني والكاركاتير كان أقواها، أنام وأصحو وأنا أدور في فلكه.

 

* ماذا عن قصيدتك "تذكري يا غصون" التي ينسبها البعض للشاعر الكبير عبد الله سلام ناجي؟

 

** بالنسبة لقصيدة يوم كنا صغارا أو تذكري يا غصون، هي نسبت للشاعر المرحوم عبد الله سلام ناجي ولم تنسب لي، أنا كتبتها عام 2003 تقريبا ونشرتها في صحيفة الثقافية، وفي عام 2014 تقريبا بدؤوا ينسبونها للشاعر سلام.

 

وعندما بدأت الشائعات كنت مشدوها ولم أصدق أن قصيدتي نسبت للشاعر العملاق "عبد الله سلام" فهذا نجاح كبير لي، كنت وقتها مستمتع بالآراء والردود وبالشائعة نفسها، لكن عندما بدأت أشعر أن الأمور تطورت أكثر وزادت حدة الخلافات حول القصيدة وأصبحت تذيل في كل مرة باسم المرحوم وتترجم أيضا إلى لغات أخرى، بدأت أدافع وأوضح وأنشر وطالبت عدة مرات بأي إثبات يؤكد أن القصيدة نشرت للشاعر سلام بأي مجلة أو مطبوعة تحتوي قصيدته قبل 2013، وهو العام الذي نشرت فيه أنا القصيدة لكن لم يستطع أحد إثبات هذا الأمر وعرضت القصيدة على أولاد الشاعر المرحوم الذين أنكروا وجود هذه القصيدة في أرشيف والدهم، وقالوا إن أسلوب القصيدة ليس أسلوب والدهم، لكن للأسف ما زال الجدل قائماً حتى اليوم، أتمنى من وزارة الثقافة حسم هذا الجدل وهو مطروح أمامهم ومن مسؤولياتهم.

 

* أحيانا الحوار في الرسم يأخذ مساحة كبيرة وهذا قد يجعله باعتقادي أقرب للكومكس منه للكاريكاتير، ألا تخشى أن يفقد هذا الأمر رسمك بعض قيمته؟

 

** الرسم بتعليق هو أحد مدارس فن الكاريكاتير المعروفة وأحتاج للتعليق في أحيان كثيرة وله ميزة في إيصال قضية ما قد يعجز عنها الفن الصامت، ويعتمد التعليق على الفنان نفسه ومهارته في الاختزال وانتقاء الكلمات وكثير من الناس للأسف يفتقر لثقافة الكاريكاتور، فيرى أن وجود نص في الرسم معيب ويقلل من جودة الرسم، لكن في الحقيقة كبار الفنانين حول العالم يستخدمون التعليق والتعليق الطويل أيضا، ولو أراد كاتب أن يأخذ تعليق برسم معين مثلاً مكون من سطرين وأراد أن يكتب حول القضية نفسها التي تناولها الكاركتير قد يحتاج إلى صفحة أو صفحتين لإيصال فكرته، بينما الكاركتير أختصرها بتعليق من سطر واحد أو سطرين، ما يهم في الأخير هو مدى التأثير الذي أحدثه الكاريكاتير في الناس سواء كان بتعليق أو بدون تعليق، هنا فقط معيار نجاح الرسوم الكاريكاتيرية.


التعليقات