في القضايا الكبرى والمركزية للأمة العربية لا يصح أن تنفرد بوضع حلول لها جهة من الجهات، ولا مكان في مثل هذه القضايا للمثل السائد «أهل مكة أدرى بشعابها»، صحيح أنهم يعانون تحت قضية قومية ما كالقضية الفلسطينية مثلاً، وتحديداً هم أكثر احتراقاً وأكثر تضحية من أجلها، لكن ذلك لا يعني أن تكون الحلول التي يطرحها الطرف الواقع تحت ضغوطها الفاجعة خارج الرؤية القومية المشتركة.
والقضية الفلسطينية هي المثال الأهم والأكبر في قضايانا العربية، وقد سميت بالمركزية تمييزاً لها عن بقية القضايا الراهنة. وما يؤلم ويجرح أن قرناً كاملاً مضى على بدء الاهتمام بها وهي في تصاعد مثير وفاجع، ورغم أنها في قلب التوجه السياسي العربي وتتصدر النهج السياسي لكل الأنظمة العربية، على اختلاف تعاطيها للشأن السياسي، فإن التحولات التي تحدث داخل ما تبقى محرراً من الأرض الفلسطينية لم تجد أي اهتمام حقيقي من الأنظمة العربية، سواء في وضع حد للخلافات التي دارت وتدور بين فصائل الثورة في المشاركة بطرح الحلول ورسم الأهداف، وآخرها ما أقدمت عليه منظمة حماس من تغيير أهدافها، أو كما يقول البعض تطويرها.
وفي حين يرى كثير من المراقبين والمتابعين للشأن الفلسطيني أن الخطوة التي اتخذتها حماس قد تأخرت كثيراً، ولو أنها قد تمت منذ سنوات لكان الحال - حسب رؤيتهم - قد تغير كثيراً لمصلحة القضية.
بينما يرى آخرون أن التغيير جاء في الوقت المناسب، وأنه يحمل بذور وئام ووفاق مع منظمة التحرير الفلسطينية، ويساعد على إنهاء مرحلة الانشقاق التي عكست نفسها على الواقع الفلسطيني داخلياً وخارجياً، ولعبت دوراً سلبياً على مستوى الأجيال الجديدة التي تنظر إلى الخلافات الفلسطينية/ الفلسطينية بوصفها العقبة التي أخرت مسار الثورة، وفتحت الباب لبعض الأنظمة العربية لتقليص دورها، فضلاً عن التراجع الذي بدا واضحاً في مواقف جانب من الرأي العام العالمي، الذي كان ولايزال يعطي المأساة الفلسطينية ما تستحقه من دعم معنوي تجلى في كثير من المناسبات والمظاهرات والاحتجاجات، التي جعلت بعض الأنظمة المتعاونة مع الكيان الصهيوني تراجع مواقفها ولو في الحد الأدنى.
وإذا كان الهدف الرئيس لكل فصائل النضال الفلسطيني واحداً، ويشكل لها جميعاً قاسماً مشتركاً، فلماذا لم توحد نفسها في جبهة أو منظمة واحدة، ويكون لها في جبهة التحرير الجزائرية قدوة حسنة، فقد استطاعت هذه الجبهة المؤلفة من تيارات وانتماءات مختلفة أن تواجه الاستعمار الاستيطاني، وتتحدى كل قوات الاحتلال التي انتقلت من فرنسا إلى الجزائر بكل تشكيلاتها وأسلحتها الحديثة. إن وحدة أداة الثورة في مقدمة ما ينبغي أن يوليه الثوار في أي مكان اهتمامهم، ومن دون وحدة هذه الأداة تتبدد الطاقات وتتشعب الأفعال، وقد يجد الثوار أنفسهم في حالة تستدعي نسيان العدو والتوجه الخاطئ نحو رفاق المحنة وشركاء النضال في المعركة الدائرة مع العدو، الذي لا يسعده شيء مثل سعادته بانقسام المناضلين وتشظي إرادتهم، والعاقبة المعروفة أن ينفرد بكل فصيل على حدة، ويترك الفصيل الآخر لجولة ثانية، كما فعل الكيان الصهيوني ولايزال يفعل.
وتبقى الإشارة الأهم في هذا الحديث، وهي عن ردود أفعال الكيان الصهيوني تجاه التغيير الذي أدخلته حماس على ميثاقها الجديد، وقد ظهر رد الفعل هذا في الموقف الصلف والأبشع لرئيس وزراء الكيان نتنياهو الذي ما كاد يتصفحه، حتى ألقاه في سلة المهملات أمام الكاميرا، ليكون شهادة موثقة بالصوت والصورة لموقف ما كان ليصدر عن زعيم النازية في عنفوان انتصاراته، عندما كان يسخر من بعض تصريحات أعدائه.
وقد رأى كثيرون في هذا الموقف الصلف رسالة يستطيع من خلالها الرأي العام العالمي أن يدرك مدى الحقد الذي يتصف بها هذا النازي المتعصب، ومدى الكراهية التي يكنّها للشعب العربي الفلسطيني ولكل شعوب العالم. وفي هذا الموقف ما يؤكد بجلاء أن السلام الذي يتحدث عنه الآخرون في العالم هو من عاشر المستحيلات.