كالعادة يسود في الانشاء الصحافي والثقافي والسياسي اليمني عدم القدرة على التفريق بين الطريقة التي تنشأ بها الأشياء وبين الطريقة التي بها تشتغل ...الأمر هذا واضح مثلا في تناول الديمقراطية فبأستثناء الدوران حول الأفكار العامة لا يقدم ابدا حديثا ملموسا عن طبيعة هذه الديمقراطية وعن كيفية تأسيسها في اليمن ..البعض يختصر الحديث فيها عن بعض أدواتها وأقلها قيمة مع عداء واضح لكل مبادئها وقيمها - الإسلاميين عموما- والبعض يكتفي بترديد بعض المبادئ دون ربطها بشكل ملموس بالتركيبة الاجتماعية وطبيعتها ومضمونها في مجتمع مثل اليمن ..والاهم دون توضيح كيف يمكن تأسيسها وبنائها و(كأن) الحديث عنها يكفي لأنجازها وكأن اللغة تملك قدرة سحرية تكرارها يؤدي الى تحقيقها !!
تاريخيا نشأت الديمقراطية بحدودها المعروفة بأشكال مختلفة هي غالبا الثورة او الحرب الأهلية او تسوية نتيجة قرأة النظام القديم لعدم أمكانية الأستمرار واضطراره لعمل تسوية مع القوى الجديدة وفي كل الحالات فأن مستوى التطور الاجتماعي والتقاليد الثقافية والسياسية لعبت دورا مهما في ذلك ...طبعا لا احد يعتقد ان تأسيس الديمقراطية تم بالديمقراطية او الانتخابات سوى ناشطي التنمية البشرية !!
لو أتينا الى الحديث الان عن الوظيفة العامة في زمن الحرب في اليمن سنلاحظ نفس الامر الذي كنا قد وجدناه في المرحلة التي تلت ثورة فبراير من خلال ماعرف بثورة المؤسسات والمشاركة في حكومة الوفاق التعيسة فسيادة الفساد والاستنساب في تطبيق القوانين ومحاولة الاستئثار بالقدر الاكبر من المناصب دفعت قطاعات من المجتمع ومن الموظفين الى تفضيل بقاء نفس المسؤولين السابقين واللذين قدم اغلبهم من دوائر الفساد المؤتمرية او جهاز الامن السياسي !!
اليوم وازاء ضرورة تغيير واستبدال في مواقع الادارة العليا اضافة الى استيعاب القوى السياسية والاجتماعية المؤثرة وقطاعات المقاومة الشعبية الفاعلة فأن أسلوب الفساد والاستنساب والاستئثار بالمال العام والمناصب العليا يدفع نحو تكوين مزاج شعبي معادي للتغيير الوظيفي اصلا!!
جهاز الدولة - والخارجية والامن على رأسها - مليء بالفساد والعجز واغلبه يدين بالولاء لعلي صالح وجهاز امنه..والتغيير فيه ضروري ولا بد منه ..لكننا في الاغلبية الساحقة من القرارات لا نرى سوى تقديم المحسوبين وتنفيع المقربين والازلام ..لا أحد قال بعدم التغيير او التعيين ..ولا أحد سيرفض أستيعاب شخصيات سياسية تمثيلية او شخصيات اجتماعية مؤثرة في الصراع والحرب وتملك تمثيل محلي او سياسي او استقطابها من معسكر صالح الحوثي..ولا أحد يطالب بترك كوادر او شخصيات سياسية فرت من تحالف صالح والحوثي لتواجه مصيرها او اهمال كادر حزبي وتركه للتشرد .. ولا معنى حتى للحديث عن التطبيق الصارم لقانون الوظيفة العامة - الذي في الاخير لن يخدم سوى جهاز دولة صالح - وطبعا لا معنى للكوتا التي جاءت في مخرجات الحوار والمولع بها الناشطات والشباب !! لتقدم الاحزاب افضل كوادرها وليخضعوا للمحاسبة الشعبية بدلا من أزلام القيادات !!
المطلوب تقديم المعايير السياسية والوطنية والتي تساعد على الانتصار على التحالف الرجعي الحوثي الصالحي..الهدف الاساس تأسيس جهاز دولة جديد بمعايير الخدمة العامة وبعلاقات مختلفة بين الدولة والمواطن ..المطلوب توسيع قاعدة الدولة واستيعاب قطاعات بقت خارجها !!
وطبعا هذا الحديث للرأي العام ..اما الدولة والاحزاب فنحن نعرفها ونعرف حدودها وبؤسها !!
*من صفحة الكاتب على فيسبوك