قصة صديقين
الاربعاء, 24 يناير, 2018 - 04:58 مساءً

عندي صديقان ظريفان، الأول يساري والثاني إسلامي ، شاءت لهما الأقدار أن يقضيا بقية عمرهما في الغرب.
 
الغرب الرأسمالي بالنسبة للأول
 
والغرب الصليبي بالنسبة للثاني!
 
لا زال صديقي اليساري يعيش في عالم الحرب البادرة ويستخدم مصطلحاتها: فلا شك عنده ان تناقضات الرأسمالية ستقود الى انهيار الغرب، وأن النجاحات الكبرى لليابان والصين والهند وسنغافورة ليست الا انحرافا في طريق الراسمالية التابعة.
 
يعيش صديقي بفضل شرعة حقوق الانسان التي اعطته حق اللجوء والجنسية لكنه لا زال يرى حقوق الانسان خدعة امبريالية وتخديرا للجماهير. ولا ينسى ان يلعن الديمقراطية كل وم لأنها تضليل برجوازي أجلت الثورة العالمية وانتفاضة العمال والجياع التي ستطيح بديمقراطيات الغرب التي اعطته حق التعبير والامان والمساواة مثل أي مواطن من المواطنين الأصليين لبلده الجديد.
 
مثله الاعلى هو الشيوعي العنيد سعدي يوسف الذي أفنى عمره في التبشير بالشيوعية ولعن الغرب والراسمالية والليبرالية ، ثم انهى عمره بطلب اللجوء في معقل الراسمالية الليبرالية البرجوازية العتيقة بريطانيا عام 1999.
 
درس صديقي في الغرب وحصل على وظيفة لائقة واشترى سيارة وبيتا لكنه هلل لسقوط برجي التجارة العالمية عام 2001 معتبرا ذلك سقوطا لابرز رمزين للجشع الراسمالي واستغلال عرق الكادحين، و لازال يتعاطف (سرا في اغلب الاحيان وجهرا احيانا) العمليات الارهابية التي تضرب اوروبا (بما فيها موطن الجديد بريطانيا) معتبرا اياها صرخة المظلومين ضد الامبريالية والهيمنة والمركزية الغربية.
 
صديقي العزيز الآخر اسلامي منذ نعومة أظافره. لا يحتج على التمييز ضد المسلمين بل على العكس من ذلك يحتج على مساواة المسلمني بغيره. فمن وجهة نظره المسلمون جماعة لا بد ان تظل مختلفة عن ااخرين وان تتمتع بامتيازات خاصة ى تنلها الجماعات الاخرى من ضنها ان يكون لها قوانينها الخاصة مدارسها الخاصة واستثناءاتها الخاصة في مجالات الحقوق والحريات.
 
صديقي ايضا ليس غاضبا من ضعف اندماج المسلمين في مجتمعاتهم الغربية، بل غاضب جدا من حاولات دمجهم داخل المجتمع وتحويلهم الى مواطنين على قدم المساواة مع الاخرين في الحقوق والواجبات والالتزامات.
 
يستمتع صديقي بأداء الصلوات في الأماكن العامة (المكتب، الشارع، الجامعة) لكنه لا يكل من الحديث عن الاسلاموفوبيا وعداء الغربيين للاسلام والتضييق على المسلمين. أما أخوف ما يخافه فهو الدعوات العلمانية التي بدأت تنتشر بين الشباب المسلم مطالبة بحرؤية العقيدة والضمير، وهي نفس العلمانية التي اتاحت له ممارسة دينه ومذهبة بكامل الحرية وبلا تمييز.
 
ومثله مثل صديقي اليساري تشفى كثيرا بسقوط برجي التجارة العالمية في 2001 ، وصرخ مهللا للجيل الايماني الجديد الذي سيرفع راية الاسلام في عمق الغرب. ولا زال يتعاطف علنا في اغلب الاحيان مع العمليات الارهابية التي تضرب اوروبا مبررا لها في اغلب الاحيان بصفتها رد فعل طبيعي للانتهاكات الغربية والتآمر الغربي "الدائم" على بلاد المسلمين.
 
لقد صرخ بأعلى صوته معارضا سياسات ترامب بمنع المسلمين من دخول اميركا لأنها تمييز على اساس الدين، مع انه يعتبر التمييز على اساس الدين اصلا من اصول العقيدة. ولا زال يخرج في المظاهرات المطالبة بتحكيم الشريعة الاسلامية مع ان المسلمين لا يشكلون اكثر من 1% من سكان بلده الجديد. انه يعيش القرن العشرين لكنه يتحدث بمصطلحات العصور الوسطى (ولاء وبراء، خلافه، جهاد، حدود).
 
صديقاي مواطنان مخلصان للقانون، متمسكان بحياتهما في وطنهما الجديد، لكنهما كارهان كبيران لكل القيم التي يعيشان في ظلها.
 
على الارض الغرب المكروه من كليهما التقى صديقاي قبل سنوات واتفق الاسلامي والشيوعي رغماكل الصعوبات.
 
جمعتهما كراهية الغرب وكل ما يمثله في بلدانهما الاصلية..
 
كراهية الراسمالية والليبرالية والديمقراطية والحرية الفردية وحرية الصحافة والعلمانية وحقوق الانسان والنجاح الفردي. اجتمعا بقناعة واحدة أن "الغرب غرب والشرق شرق ولن يلتقيا" وأن على العرب والمسلمين ان يقاتلوا بضراوة ضد اي محاولات لتبني قيم ومؤسسات الغرب. ذلك الغرب الذي ضحيا بحياتهما من اجل الووصول له قبل عقدين من الزمان ، ولا شك عندي انهما مستعدان للقتال حتى الموت ضد أي محاولة لإبعادهما عن هذا الغرب المكروه!

*نقلا عن حائط الكاتب من الفيسبوك
 

التعليقات