أيتها الحياة، احترمينا! احترمي اقبالنا عليك، احترمي ثقتنا بك! أو إن شئت، ارحمينا.
كان بشير السيد صديق لنبيل زوجي، وبعد زواجنا تعرفت على بشير، كما تعرفت على كثير من الأصدقاء في الوسط الصحفي، هذا الوسط الذي يجلب الأحزان.
صرنا صديقين يجمعنا عمل مشترك، حلم بوضع التوعية الإلكترونية في مكان منافس للتوعية الورقية أو الصوتية أو المرئية، توعية إلكترونية تقول كل شيئ في خمس ثوان. أسس بشير لذلك خدمة "كليك" للاعلان والتسويق الإلكتروني العام 2012، المشروع كان عبقريا، وعلى الرغم من ذلك، لم يؤمن به سوى صاحبه بشير، وأنا.
كان بشير عنيد ومصمم على النجاح وعاكف على التوسع وإدخال الفكر الجديدة، وكنت أصدقه. كان يقول بعد الحرب سيكون المستقبل لنا يا وميض، وكان الأمر بالنسبة لي حتمي، بل كنت أرى المستقبل على راحة يدي وأرى بشير وأنا نجوب في شوارع المستقبل بسياراتنا اليكسز. لم يتحقق شيئ يستحق، ومضينا بحساب ثقيل من الاخفاقات والاحباطات المتتالية، ومضينا أيضا بضمار كبير من الأمل ببكرة والثقة بالحياة، وصاحبتنا الكثير من الضحكات والسخرية بالعراقيل. ولا للحظة فكرت إننا سنفشل، كيف سنفشل وأنا أرى في بشير اصرار ودأب كبيرين وروح منفتحة على الحياة بأربع رئات على الأقل.
لكن، شلك الباز يا بشير، شلك الباز من بين ابنائك وعائلتك وأهلك واصدقائك، شلك من بين قميصك الناصع البياض وجينزك الأزرق الماركة، وشلك من سيارتك البنز الأرنب موديل 92 النظيفة دوما، شلك من بين مسجلة السيارة التي لازالت تعمل بالكاسيت وتشغل حفلات عبدالحليم القديمة نفسها منذ خمس سنين، شلك الباز من ضحكتك الراقصة ومن علبة سجائرك ومنفضتك المعبأة بالاعقاب في كل وقت وحين، شلك الباز من الحياة التي وثقت بها وفتحت لها صدرك ورئتيك بسلامة خاطر.
قالولي إنك الآن، في هذا الوقت، جثة ترقد في مستشفى اليمن الألماني، فابتسمت! هيا صدقوا أن بشير الأنيق الضاحك الحيوي المتفائل جثة! خليكم من هذا الكلام، قلك جثة!
لازلت أثق بالحياة، وعندما يتعلق الأمر ببشير تزداد ثقتي بها، لازلت أتخيل دكتور ما يخرج بشير من مرقده ويصعقه في صدره فيعيده للحياة، لازلت أصدق حدوث المعجزات، لازلت أفاوض الحياة من أجل السلام، عيب عليك خليك القساوة أيتها الحياة، والله عيب، عاد الدنيا فيها مراجلة وعاد فيها خذ وهات، وإلا خلاص قفلتي بيبانك وقفيتي بوجهك للأبد!
ليش هكذا يا حياة؟! طيب قوليلي كيف سأحرج للشمس بكرة، هل تظنين أني سأخرج عليها كاشفة عن وجهي، وإني سأخبرها باسمي وعمري وجنسيتي ووضعي الاجتماعي? طبعا لا! سأخفي وجهي عنك وأهرب منك، معادبكش حلى ولاعاد فيك أمان.
أسفٌ أن أعلم عن طبعك هذا بعد كل هذه السنين، ألمٌ أن أمضي حياتي وأنا أرقب متى تحين خبطتك الثانية، أن أقضي العمر في التوجس والاحتراس من أي حركة منك تخطفين فيها يدٌ أو رجلٌ أو رأس مني كما فعلتي اليوم ببشير وخطفتي مني يدي!
غدارة أيتها الحياة، غدارة يا بنت الذين، غدارة صدق، غدارة ولن اسامحك!
*نقلا عن صفحة الكاتبة بالفيسبوك.