فيصل علي

فيصل علي

إعلامي وأكاديمي يمني.

كل الكتابات
الأحزاب والقضية اليمنية
الجمعة, 30 مارس, 2018 - 11:42 مساءً

النظر اليوم للقضية اليمنية من منظور الأحزاب السياسية في اليمن تسطيح لهذه القضية و عدم فهم للمرحلة البائسة التي يمر بها هذا البلد المنهك من الحرب، ربما في حالة السلم يكون هذا النظر أو التشخيص ذو قيمة، لكن في مثل هذا الوضع يعد (كارثة) ، البلد في حالة حرب محلية إقليمية و دولية، و البعض غير مستشعرين للكارثة بالمرة، فقط يرون أن تصالح و تحالف أحزابهم سيكون بمثابة التعويذة التي تبطل السحر و تنهي الحرب.

إن الحديث عن توحيد صفوف المؤتمر أخذ أكثر من حجم المؤتمر ذاته، اليمن تعيش حرب، و شعبها يعيش أقسى الظروف، و مع ذلك يرى البعض أن الحل يكمن في جمع كلمة المؤتمر، و أنه لابد من المصالحة بين الرئيس هادي و قيادات المؤتمر الأخرى.

و البعض يقحم أحمد علي صالح في الأمر، وكأن أحمد علي قيادي في المؤتمر، الرجل عسكري النشأة ( لا حزبي) بحسب القانون، و لم يتدرج في السلم الحزبي كما تدرج في السلم العسكري، مع العلم أن المؤتمر كحزب لم يكن يولي التدرج الحزبي أهمية، لم يكن حزبا إيديولوجياً تبدأ العضوية فيه من عضو نصير ثم يحصل على العضوية العاملة، ليصل إلى عضو شعبة و عضو فرقة كما في حزب البعث مثلا، حزب المؤتمر درجاته التنظيمية تبدأ من شيخ و عاقل حارة و مدير عام، و هو أقرب إلى عشوائية المجتمع و قبيلته و بدائيته.

و لذا نستغرب ممن يَنظُرون و يُنظِرون اليوم أن حل المشكلة اليمنية يبدأ من تصالح الرئيس هادي مع " أولاد المرحوم"، لا المرحوم كان حزبي و لا أولاده تدرجوا في العمل التنظيمي الحزبي، و لا المؤتمر كان حزباًً سياسياً قائماً.. لا على الأيديولوجيا و لا على البرامج، و لذا التفكير بأن لمَّ شمل الحزب سيُعطي نتائجاً أكثر إيجابية على المستوى الوطني هو تفكير غير مبني على معرفة و عاطفي يعتمد على الأمنيات المجردة عن الحقيقية.

لمّ شمل المؤتمر سيكون مفيداً في تقاسم السلطة، بينما السلطة اليوم غائبة و مسلوبة من قبل الحوثيين من جهة ومن قبل الإمارات من جهة أخرى، و ليس بأيدي اليمنيين أي سلطة فعلية.. و بالتالي فإن الجري وراء هذه الأمنيات ليس إلا وهماً يُقدم للخليج على أنه الحل الأمثل، هذا الخليج البدوي الذي لا يفقه في العمل السياسي و لا الحزبي التعددي الديمقراطي يتدخل في الشؤون الداخلية اليمنية و الحزبية بلا بصيرة بناء على تقارير المخبرين الذين انتقلوا من صفوف استخبارات المرحوم إلى مجندين في استخبارات دول التحالف، و ربط مصير الشعوب بتقارير المخبرين الرخيصة يعد كارثة في فهم العلاقات الدولية و الإقليمية.

كما ينظر البعض إلى أن المشكلة اليوم تكمن في عدم توحد فصيلين سياسيين هما المؤتمر و الإصلاح، و أن توحدهما في مواجهة الحوثي سيغير المعادلة على الأرض، و هذا الرأي  لا يخلو من العاطفة، في الواقع المؤتمر لم يخض هذه الحرب منذ بدايتها، و كان مجرد ديكور لتجميل صورة صالح و الحوثي في انقلابهما المشؤوم و حربهما ضد الشعب اليمني و ضد العدوان، كما يسمون أنفسهم، وبالانقلاب تم تجريف و تدمير الحياة السياسية الهشة التي كانت موجودة من قبل، و لا يوجد انتخابات ليتم السطو فيها على الصناديق بمساعدة أجهزة الأمن و الجيش كما فعل المؤتمر منذ عام 1990، فلم يعد في الميدان سوى صناديق الذخيرة.

و الإصلاح الذي أيّد العاصفة ببيان حزبي وبإنخراط عناصره في الدفاع عن الجمهورية  في جبهات القتال صار معزولاً و لا يمارس السياسة، فكيف إذا وحدنا موقف الحزبين ستتغير النتائج على الأرض و لا يوجد مقاتلين بإسم المؤتمر كما يوجد مقاتلين من الإصلاح منخرطين في الجيش الوطني؟!

المؤتمر لم يقدم إلى اليوم سوى قيادات تريد تقاسم المكاسب و الدعم و المناصب دون المساهمة في دفع الكلفة ميدانياً، بينما الإصلاح يدفع الفاتورة منذ 2014. هناك خلل في التصور وخلل في المفاهيم عند من يقدمون وجهة النظر الداعية لتوحد الإصلاح و المؤتمر، كيف نوحد جبهة بهذا الميزان المختل أساساً؟!

ليست المشكلة في اليمن اليوم سياسية وليس هناك صراع سياسي بالمفهوم الديمقراطي، هناك صراع عسكري تخوضه اليمن لأجل إستعادة الدولة، و يخوضه الخليج للسيطرة على منافذ اليمن و شل حركته و فاعليته السياسية و الاقتصادية، هذه الحرب القائمة في اليمن لها أبعادها الجيوسياسية الواضحة، فدول الحلف تريد أن تكون في الواجهة بناء على ما لديها من وفرة في الطاقة و (الكاش موني) ، و هذه مجرد أطماع مكشوفة، و قد دفعت بصالح و الحوثي للانقلاب في اليمن لتتدخل عسكرياً بناء على رغبة من يديرون هذه الأنظمة من الخلف.

اليمن اليوم أصبحت مسرحاً لعمليات عسكرية زادت من الفرقة و فرضت الإنفصال بالقوة لتضمن يمناً هشا ضعيفاً و ممزقاً، و تتداعى الأحزاب على البحث عن مكاسب بينما اليمن تغرق في الوحل ويدفع شعبها الثمن، اليمن اليوم محاصرة من التحالف و من الانقلاب و الشعب مغلوب على أمره، و الأحزاب التي كانت منذ نشأتها التنظيمية عالة على الدولة و ليست خلّاقة و لم تأت قبل الدولة تمثل اليوم مشكلة في عدم الفهم لمتطلبات المرحلة..

المرحلة تتطلب تقاسم الجهد والتضحيات لا تقاسم في المناصب و البحث عن توكيلات من الخليج القادم لبسط نفوذه على البلد، المرحلة صعبة و ستتبعها  مرحلة أصعب تتمثل في التخلص من الإنقلاب و التحالف معاً، اليمن صارت محط أطماع الداخل و الخارج بينما الأحزاب تبحث عن دور إما في تجميل الانقلاب كما يفعل مؤتمر بيت أبو راس في صنعاء و فروع أحزاب اليسار هناك ، أو أحزاب تجمل وجه التحالف القبيح كما يفعل مؤتمر هادي و بن دغر و فرع إصلاح اليدومي في الرياض.

اليمن لا تعاني من مشكلة سياسية يا أحزاب اللاسياسة، اليمن تعاني من ضياع الدولة و الأرض و السيادة و المصالح، اليمن تتعرض لإغتصاب جماعي تزداد وطأته مع إقتراب طريق الحرير من السواحل اليمنية، فدبي تريد عدن و أبو ظبي تريد باب المندب و المخأ و الرياض تريد الحديدة و ميدي، و صنعاء لا يريدها أحد، القراصنة في سواحلنا من حضرموت إلى سقطرى و شبوة و ميدي و نحن نموت في جبال صنعاء و أخلينا لهم السواحل.

القراصنة يمولون الحرب في تعز و صنعاء و صعدة و لذا لا ينتصر أحد و لا يُهزم أحد، لتظل اللعبة تمثل استنزافاً للقوى البشرية في الجبال بينما هم يسيطرون على السواحل، و في السواحل يلقون ترحيباً من قبل المرتزقة الذين قبلوا العمل بالأجر اليومي مع المحتل نتيجة لتغذيتهم بالعنصرية منذ تسعينات القرن الماضي ممن دفعوا فاتورة الإنفصال الفاشل في 94.

هذه الأحزاب لابد أن تفيق وتستيقظ من سباتها، عليها أن تتحالف للدفاع عن اليمن ضد أي تهديدات، و أن لا تترك الناس للجهل و لا لتقديم التضحيات في غير محلها.

*المقال خاص بالموقع بوست.

التعليقات