في مشهد على مسرح القتل اللعين في اليمن، هيكل «علي» يرقد على فراش الموت، في ما تبقى من هيكل مستشفى يئِنُ جوعا ووجعا، وهيكل أُمه «عائشة «تجلس بجانبه تراقب حاله ونحوله، تستجمع ما تبقى من قوتها لتطبطب على جبينه العظمي بأصابع هيكلها ثم ما تلبث أن تستكين إلى مكانها وتفارق الحياة.
تتسارع نظرات علي مع نبضات قلبه ينظر لأُمه خائفا تائها فلا هو قادر على الصراخ ولا هو قادر على البكاء لقد جف الدمع من هيكله واستكثر عليه دمعة الوداع. أمام قسوة المشهد في اليمن بأي ذنب يُقتل اليمنيون سنة وشيعة بهذه الطريقة الوحشية؟
وبماذا يختلف التحالف العربي عن الروس والإيرانيين الذين يستخدمون كافة فنون القتل اللعين لتصفية الشعب السوري؟ وهل الإنسان السعودي أغلى بكثير من الإنسان اليمني ليُباد الثاني حفظا لأمن الأول ؟ وما هي عقيدة الطيار السعودي والإماراتي وهو يقصف ويقتل اليمنيين؟
يحتل اليمن موقعا جيوسياسيا هاما بالنسبة للسعودية والدول الخليجية، فهو دولة محورية ضمن موقعها الجغرافي ومن المهم خليجيا من يسيطر على اليمن ويتدبر أموره، وهذا ما يجعلنا نفهم سعي السعودية تاريخيا لجعل اليمن أحد مناطق نفوذها السياسية.
ومن أجل الحفاظ على هذا النفوذ تخوض السعودية حربا ضروسا لِلجم إيران وحلفائها اليمنيين على الأرض اليمنية. لكن بات من المؤكد أن الحرب التي تخوضها السعودية عبر التحالف العربي حربٌ عبثية غير محددة الأهداف، عمليات القصف تُوجه صوب المدنيين والبنى التحتية والمستشفيات وسط إستهتار كامل بالحياة البشرية وتدمير ومعاناة غير قابلة للوصف.
يخطئ كثيرا من يعتقد أن طهران والرياض تخوضان حربا مذهبية والحقيقة أن السعودية «السنية» وإيران «الشيعية» تخوضان حرب زعامة ونفوذ بوحش مذهبي. الرياض وطهران نجحتا في تقسيم القوى السياسية الفاعلة في العديد من دول المنطقة بين سنة وشيعة ونجحت الدولتان أيضا في تقسيم المنطقة لمذهبين يخوضان حربا طاحنة ليس من أجل المذهب وإنما من أجل التنافس الجيوسياسي بين الدولتين.
ولعل الجانب الأكثر ظلمة في هذه الحرب غير الأخلاقية أن الدولتين قررتا أن تكون حربهما بالوكالة وتدو رحاها على أرض دولة ثالثة. فالحرب بالوكالة موجودة بين الدولتين منذ سنوات في لبنان والبحرين وسوريا وأشرسها اليوم في اليمن. ويبدو جليا أن الدولتين تفضلان حربا بالوكالة كحل أفضل لصراعهما وحربا عن طريق الوكلاء وليست حربا مباشرة.
لم تكتف الدولتان عبر هذه الحرب غير الأخلاقية بتوظيف المذهب كأساس للصراع بل وسعتا العداء والهوه بين المسلمين السنة والشيعة وحولت أبناء الوطن الواحد لأعداء بينما ينعم مواطنوهم بالأمان والإستقرار. إنها حرب غير أخلاقية تخوضها الرياض وطهران على حساب الشعوب العربية من السنة والشيعة، فلماذا لا تخوض هاتان الدولتان حربا مباشرة عبر حدودهما وتتحملان ثمن صراعهما مهما كانت أسبابه؟
ليس ذنب اليمنيين أواللبنانيين أو السوريين أن يدفعوا كل هذه الدماء والدمار ثمنا لصراع هاتين الدولتين وعارٌ على القوى السياسية والعسكرية أن تبقى رهينة لشِيعِيّة إيران وسُنِيّة السعودية من أجل الحفاظ على إستمرارها وعدم إيجاد بديل لها. لقد إرتكتب هذه القوى المأجورة من السعودية وإيران جريمة كبرى وتشترك مع الرياض وطهران في قتل الشعوب العربية وإستغلالها تحت جناح المذهب.
الآن إذا أردنا أن نتحدث بواقعية فإن السعودية لن تستطيع منافسة إيران على نفوذها في المنطقة ولن تستطيع إعادة الوضع الإقليمي كما كان سابقا لأن إيران نجحت بملء الفراغ الأيديولوجي والسياسي والعسكري، عندما كانت السعودية والدول الخليجية حالمة وتعتمد على قوة الردع الأمريكي لمواجهة إيران بدلا عنها. السعودية قررت أن تدخل حرب النفوذ الواهمة مع إيران متأخرة جدا وعليها أن تعي أنها لن تقدر على إحداث أي تغير إستراتيجي لصالحها وعليها أن تعي أيضا أن القوى الدولية تثق بإيران كقوة إقليمية وشريك على الأرض وهذه الثقة غير ممنوحة للسعودية.
لقد وسعت هذه الحرب عداء الشعوب العربية لإيران والسعودية في كافة ساحات الصراع بين الدولتين. وإن كانت طهران والرياض لا تريدان الخوض في تسوية سياسية تنهي قتل اليمنيين من سنة وشيعة في اليمن، فلتنقل هاتان الدولتان الصراع لحدودهما ولتخوضا حربا مباشرة بعيدا عن الشعوب العربية التي جردوها من بشريتها واستهانوا بآدميتها وتلذذوا بتجويع أطفالها، ليت الشعوب العربية المنكوبة تنتفض على هاتين الدولتين وتلفظ بمخالبها وصيحاتها هذين الشؤمين وكل مرتزقتهم بسنتهم وشيعتهم لأنها حتما ستكون بداية النهوض وعندها فقط ستعود عائشة بثوبها الأبيض تحتضن علياً وتجوب سماء اليمن مُتَبسمةً ناسية لعذاباتها.
إعلامية أردنية تقيم في لندن