عبدالوهاب العمراني

عبدالوهاب العمراني

كاتب يمني سفير في وزارة الخارجية اليمنية

كل الكتابات
خليفة لحفتر بليبيا.. وزعيم بدلاً عن صالح لليمن
الاربعاء, 18 أبريل, 2018 - 08:03 مساءً

على خلفية الحالة الصحية المفاجئة لحفتر " وهو القائد العسكري الليبي المتقاعد" حدث ارتباك في غرف عمليات دول الإقليم التي دأبت لرسم ملامح مستقبل النظام في ليبيا وهي نفسها التي وأدت الربيع العربي .  في حال تواري هذا العسكري البارز عن المشهد فيمكن القول أن جهد نحو أربع سنوات في تهيئته والذي كان يعتبر في مرحلة معينة احد أقطاب ألقذافي في حروب تشاد قبل ان يتمرد عليه هناك أيضاً نحو ثلاثة مرشحين لخلافة حفتر على رأسهم اللواء عون الفرجاني، وهو من أبناء عمومة حفتر وأحد أهم مساعديه. وكذلك ابنه الرائد خالد خليفة حفتر الذي يقود إحدى أكبر الكتائب العسكرية في قوات والده، والثالث هو اللواء عبد السلام الحاسي الذي يشغل منصب قائد غرفة العمليات العسكرية لعملية الكرامة.
 
من ضمن مفارقات الربيع العربي في نسخته اليمنية بأن النظام السابق أستمر في لعب دوراً تخريبيا لإفساد الفترة الانتقالية في حين أختلف الأمر في ومصر وليبيا على سبيل المثال ففي الأولى حسم العسكر الوضع لصالحهم بسيناريو معروف ولا مجال هنا لتفصيله.
 
وبينما توارت عن المشهد أنظمة برموزها وأشخاصها في كل من العراق وسوريا ومصر وليبيا وتونس استمرت الدولة العميقة في اليمن إفساد الفترة الانتقالية من اجل رئيس من بعدي اسمه احمد ضل هذا السيناريو حتى مقتل زعيم الفساد على يد حليفه الحوثي لتبدأ مرحلة جديدة لترسيخ واقع جديد وتأسيس دولة عميقة طائفية وسلالية هذه المرة ، فمنذ سقوط صنعاء في 21 سبتمبر كان طرفي الانقلاب يحاولان رسم ملامح المستقبل ، بينما يتجه سيناريو عبث الإقليم اليوم ووفق مستجدات ما بعد صالح واستفراد الحوثي بسلطة الأمر الواقع لسيناريو آخر بعد مقتل صالح بتهيئة طارق محمد عبدالله صالح كحصان خاسر في محاولات الإقليم فرض واقع معين متزامنا مع فرض حالة البؤس واليأس للقبول به وكان رد محافظة تعز صارما بالخروج لمظاهرات رفض ما يخطط لها ، لان هذه المحافظة لا تريد تحرير على شاكلة عدن ، بينما المشهد في صنعاء يحاول رسم ملامح المستقبل ، تحت لافتة (السيادة) و(مقارعة العدوان)
 
نقاط تشابه واختلاف بين مسببات ومألات ثورات العربية التي وأدت في مهدها وأجهضت من قوى داخلية وإقليمية ، وليس هذا من قبيل الإقرار بنظرية المؤامرات التي دأب العرب على تعليق قضايا هم على هذه الشماعة وكما يقال (الاسطوانة المشروخة ) ، ومن هنا فأي مراقب ومحلل سياسي لاشك سيرى بالفعل أموراً متشابهات بين تلك المحطات ولاسيما في ما يتعلق الأمر بخاصيتين أفرزت لتكريس الاهتمام المحلي والدولي بها وهي مفردة (الإرهاب) وكذا (الطائفية) ، وهاتين العبارتين أتت عوضاً للخلاف بين الحاكم والمحكوم .
 
ما يجمع الحالة الليبية واليمنية هي ثنائية المؤسسات (جيشين) حكومتين) (بنكين) (برلمانين) (عاصمتين) الخ.
 
ناهيك على ان الحالة اليمنية  نتفوق على ليبيا في بعض التفاصيل فالنظام عمليا لم يسقط حسب ما عرف بالتسوية التي عرفت بالمبادرة الخليجية ، وقد يستغرب المتابع غير اللبيب بأن المشهد السياسي يغوص بالمتناقضات منها وجود رئيسين فعليين في اليمن في فترة ما قبل سقوط صنعاء ومن ثم دخول طرف ثالث استحوذ على كل مفاصل الدولة وهو مكون الحوثي.
 
وفي جزئية أخرى لمعالجات في غير محلها توجه هذه الدول لحلول فدرالية بعد تجارب مريرة للمركزية المطلقة فقد تحول مسار وهدف الربيع العربي من إشكال في العلاقة بين الحاكم والمحكوم إلى التوجه للفدراليات ، بني غازي في ليبيا ، والمحافظات الجنوبية في اليمن ، لم تكن شعوب هذه الدول التي ثارت من اجل الفساد والظلم والاستبداد ، للتحول إلى إشكال بين الشعب والأرض ، فما ذنب الوطن يُقسم بسكاكين السياسة !
 
مألات متشابهة لان المخرج واحد في بعض بلدان الربيع العربي سواء الإقليمي ( إيران والسعودية) مع خصوصيات لكل بلد فمثلا اليمن ليس سوريا لان الشرعية تحظى بدعم دولي ، وليس هناك طيران للانقلابيين كي يقصف شعبه بالبراميل المتفجرة كما حدث في الشام . ما يجمع الحالتين السورية واليمنية بأن إيران ودول الخليج عامل مشترك في حين يختلف الأمر في الحالة الليبية فهو عبث خليجي مع جارة ليبيا الشرقية القريبة من بني غازي لاعتبارات أمنية تحت مسمى " مكافحة الإرهاب" .
 
لقد زاد الأمر تعقيد في الحالة اليمنية وأضفى عليها خصوصية يمنية هو تحالف من كان يفترض أن الثورة قامت ضد وخرج بحصانة يحلم بها أي دكتاتور عربي مع ميليشيا الحوثي التًي بإسقاطها العاصمة صنعاء والإستقواء بمقدرات الدولة بسياسة الغلبة وفرض أمراً واقعاً كان ذلك خروجا عن الإجماع  وكانت كل تلك التراكمات منذ بداية الإطاحة بالرئيس السابق والتناقضات وهوس والصراع على السلطة الذي تداخل بداهة بتربص قوى إقليمية خارجية (إيران والسعودية ) كل ذلك كان مجرد تهيئة المشهد اليمني لجولة عنيفة من الصراع الداخلي مسنوداً بطموحات وإستراتيجية إقليمية ، كانت الظروف والمسوغات كفيلة لاندلاع حرب ضروس وبحاجة فقط لعود ثقاب يشعل كل تلك التناقضات والتداخلات وكانت ميليشيا الحوثي هو عود الكبريت التي فتحت أبواب جهنم على اليمنيين ، ومن هنا فالعدوان الحاصل على اليمن هو نتيجة وليس سبب ، أي تحصيل حاصل لكُل ما حدث خلال الخمس سنوات السابقة بدليل ان ضرب عدن وقصفها بالطيران كان قبل عاصفة العجز للتحالف العربي بقيادة السعودية .
 
من خلال رصد مالات الربيع العربي في أكثر من بؤرة يمكن القول بأنه لم يسلم من عاصفة الربيع العربي سواء تونس (رغم بعض المنغصات) واعتقد ليس ذلك فقط لأنها انطلاقة الربيع العربي بل ولان الشعب في تونس وبالنظر للموروث التاريخي والحضاري والموقع الجغرافي فقد تأثرت النخُب السياسية فيها بالقيم الغربية والرؤية (العلمانية) والتي تظل هذه القيم في بعض بلدان المشرق العربي كفر وزندقة ، ففي جمهوريات العسكر العربية لم نشهد سوى سلسلة من الانقلابات وهوس السلطة وإقصاء الآخر ترافق ذلك بنمو الأفكار والروي الإسلام السياسي بشقيه السني والشيعي وقد كان لبعض قيادات تلك الدول دورا في تفكيك البنية الاجتماعية وعدم تجانس تلك المجتمعات بسياسة فرق تسد كما حدث في اليمن .
 
* كاتب وسفير في الخارجية اليمنية
 

التعليقات