منذ ستين عاما من عمري وأنا أسمع كل حكامنا العرب الميامين الذين قضوا والذين هم ما برحوا يعيشون معنا ويتكاثرون كل عام يقولون لنا فلسطين قضية العرب الأولى، وأكثر من ذلك، يجمعون الأموال من الفقراء، لمساعدة الشعب الفلسطيني، وحكامنا أغنياء، وصل خيرهم، أي خير حكامنا، في الأشهر الأخيرة إلى أمريكا، فتحوا فرص عمل لأكثر من ثلاثة ملايين عاطل أمريكي، بمعنى أنقذوا حياة تسعة ملايين أمريكي من الجوع والبطالة، إذا اتفقنا أن الأسرة الواحدة تتكون من ثلاثة أفراد، قدم قادتنا العديد من المبادرات يعقبها تبنٍّ عربي جماعي لتلك المبادرات لحل قضية فلسطين، يعقبها مؤتمرات وتطول أحبال المايكروفونات ليتمكن الزعماء العرب من الحديث وهم على الأرائك متكئين. بعضهم تعرف ما يقول والبعض الآخر تختلط أحرف الكلمات في فمه فلا تعرف ما يقول. إسرائيل في كل مرة ترفض وتحتقر المبادرات العربية، قادة فلسطين" الأسيرة "وقعوا اتفاقيات ومعاهدات مع بني إسرائيل والتزم بها قادة فلسطين النشامى بما في ذلك المحافظة على امن المستوطنات وحماية قطعانها القادمين عبر البحار، ولم تلتزم إسرائيل بأي حرف من أحرف تلك الاتفاقيات.
(2)
سبعون عاما مضت وحال الفلسطينيين يزداد سوءا، تهجير وقتل على المعابر، واختطاف وحروب شعواء على أهلنا في غزة وليس آخرها مجزرة ثلاثاء غزة الماضي، وبعد مرور أسبوع من قتل وتفتيت مفاصل الشباب الفلسطيني بسلاح إسرائيل والسلطة الفلسطينية تتفرج وتنحى باللائمة على أهل غزة لماذا يتظاهرون سلميا ضد إسرائيل، بعد أسبوع، يدعون إلى عقد اجتماع طارئ لوزراء خارجية الدول العربية في القاهرة ( بدلا من قمة عربية لأمر جلل يحدث على غزة ) لبحث الأوضاع هناك، ويتمخض اجتماع الوزراء العظام ويصدرون بيانا باهتا لا روح فيه ولا تأثير لكلماته بدلا من اتخاذ قرارا ينهي حال الحصار الذي تفرضه مصر العربية وسلطة محمود عباس على قطاع غزة، يقول مسؤول مصري كبير في المخابرات المصرية لقيادي كبير في حركة حماس: "مصر تريد المساعدة، لكنها لا تستطيع تقديم كل شيء من دون موافقة وتفاهمات مع السلطة الفلسطينية وإسرائيل، وأن الطرفين لا يريدان تخفيف الحصار والمعاناة عن غزة "( العربي الجديد 19/5 ) يا للهول! سلطة محمود عباس لا تريد حتى تخفيف حصار غزة ومعاناة أهلها. ألم أؤكد لكم مرارا وتكرارا أن غزة محاصرة من إسرائيل والسلطة الفلسطينية التابعة للقرار الإسرائيلي ؟ ألم أؤكد لكم أن قيادة السلطة في رام الله سلطة حاقدة ثأرية تريد تدمير غزة عن بكرة أبيها أكثر مما تريد إسرائيل أن تفعل بغزة.
في الخميس الماضي انعقد المجلس الوزاري لجامعة الدول العربي بموجب دعوة سعودية للنظر في ما يجري في غزة، ونتج عن الاجتماع اتفاق الوزراء الميامين على دعوة الأمم المتحدة ومجلس الأمن ولجنة حقوق الإنسان لتشكيل لجنة دولة للتحقيق في أحداث غزة، وأعلنوا رفضهم لنقل السفارة الأمريكية إلى مدينة القدس واعتبارها عاصمة إسرائيل، ومطالبة المجتمع الدولي بتشكيل حماية دولية للشعب الفلسطيني. والحق أنه اجتماع لا نفع فيه فالمواضيع التي وردت في بيانهم المشار إليه أعلاه تتكرر في كل مناسبة فما هو الجديد الذي أتى به السادة الوزراء. كنت أتوقع أن يصدر قرار باستدعاء السفراء العرب من واشنطن للتشاور، والأحسن قطع العلاقات الدبلوماسية مع واشنطن، ليكون الرد العربي مساويا للحدث، باعتبار القدس عاصمة إسرائيل علما بأن قرارات الأمم المتحدة تعتبر القدس مدينة محتلة، وكذلك رفع الحصار عن غزة الذي تفرضه مصر والسلطة العباسية. والحق أننا لسنا في حاجة إلى تشكيل لجنة تحقيق فيما يجري على غزة، لأن الأحداث أمام أعيننا على شاشات التلفزة العالمية.
(3)
انعقد مؤتمر قمة منظمة التعاون الإسلامي في إسطنبول بموجب دعوة من الرئيس أردوغان رئيس الجمهورية التركية بصفته الرئيس الحالي للمنظمة وذلك للنظر في المجازر التي يتعرض لها الشعب الفلسطيني في قطاع غزة على يدي الجيش الإسرائيلي وكذلك دراسة القرار الأمريكي بنقل سفارة أمريكا إلى مدينة القدس واعتبار المدينة عاصمة إسرائيل.، وقبل انعقاد القمة الإسلامية الطارئة اتخذت الحكومة التركية إجراءات ضد إسرائيل ردا على جرائمها في غزة منها طرد السفير الإسرائيلي من أنقرة، واستدعاء سفيرها من تل أبيب، وقد شارك أمير دولة قطر الشيخ تميم بن حمد آل ثاني في القمة المشار إليها وألقى بيانا جاء فيه انه " لا سلام ولا حل عادلا بدون القدس " وقال إن الوضع الفلسطيني يحتاج إلى مواقف صادقة وإرادة سياسية لاتخاذ خطوات ذات معنى لإزالة الاحتلال، باعتبار ذلك هو مقدمة لأي حل عادل، وأكد أن قطاع غزة تحول بفعل الحصار إلى معسكر اعتقال كبير لملايين البشر المحرومين من أبسط حقوقهم بالسفر والتعليم والعمل والحصول على علاج طبي، وطالب سموه المجتمع الدولي والدول المحاصرة لقطاع غزة أن يعملوا على رفع الحصار" الذي تفرضه مصر وإسرائيل والسلطة الفلسطينية" دون إبطاء . لقد أشار سموه في خطابة المعني " بأنه عندما يحمل المواطنون الفلسطينيون السلاح دفاعا عن أنفسهم فإنهم يطلقون عليهم مصطلح إرهابيين، وحينما يخرجون في مظاهرات سلمية مطالبين بحقهم في العودة إلى وطنهم الذي هجروا منه بفعل القوة أطلق عليهم مصطلح " متطرفين " ويحصدون بالرصاص الحي، وأشاد سموه بالدول التي أدانت المجزرة بوضوح، وعبر عن احتجاجه باحتفال نقل السفارة الأمريكية إلى القدس في نفس الوقت الذي يحصد فيه الجيش الإسرائيلي بالرصاص الحي المتظاهرين سلميا في غزة مطالبين بعودتهم إلى أرضهم المحتلة والمهجرين منها قسرا.
آخر القول: تركيا دولة ليست عربية، استدعت سفيرها من تل أبيب، وطردت السفير الإسرائيلي من أنقرة، وقالت قولا لم يقله بعض القادة العرب أصحاب إسرائيل الجدد، ولم يستدعوا سفراءهم من تل أبيب، ولم يطردوا سفراء إسرائيل من عواصمهم العربية، فشتان بين مواقف تركيا ومواقف بعض القادة العرب من إسرائيل.
الشروق القطرية