الربيع العربي إشكالية الثورة والانتفاضة
الثلاثاء, 31 يوليو, 2018 - 11:21 صباحاً

أود أن أتساءل في البداية هل من شروط الثورة  أن تتحول إلى نظام ؟!
 
وإذا ما فشلت في ذلك هل يسقط عنها مفهوم الثورة  وما هي شروط الثورة نظريا ؟
 
ربما المحتذون بنموذوج الثورة الفرنسية يرون  أن من شروط الثورة هو أن تتحول إلى نظام، يعتمدون في ذلك على نتيجة الثورة التي أحلت النظام الجمهوري الديمقراطي ،بدلا عن الملكية، وليس على مسارها المرتبط ارتباطا وثيقا ببيئة الثورة وما تفرضه من تغيرات وإشكالات وعقبات.
 
هؤلاء أو  من يمثلون هذا النموذج يتناسون أو لا يدركون أن الثورة الفرنسية أساسا لم تخرج ضد الملكية وأن الملكية، استمرت بعد الثورة كنظام حاكم لسنتين ملكية دستورية،  الى أن إنتهى الأمر بعد ذلك بإعدام الملك وكثير من الثوار أنفسم وذاك ما فرضه مسار الثورة وتحولاتها.
 
ما أعنيه هنا أن الإعتماد على النتيجة لإطلاق الأحكام بأن هذه ثورة وهذه ليست ثورة قد تكون انتفاضة وغيرها من التسميات والأحكام،  ليس معيارا  دقيقا، ولكن تلك هي طبيعة بعض المثقفين الذين يعتمدون النتائج فقط في بناء وإطلاق الأحكام متجاهلين، بأن الثورات هي في الأساس ظاهرة اجتماعية محكومة ببيئتها وما تكتنفه من تعقيدات.
 
ثم أن الشعب عندما يخرج هل يخرج لكي يزيح النظام ويتولى السلطة بديلا عنه، أم من أجل أن تأتي سلطة أو نظام يحقق أهداف ذلك الخروج وفق آلية تجترحها طبيعة المرحلة والبيئة الحاضنة لهذه الظاهرة.
 
وبالتالي إذا لم يكن ذلك الخروج الشعبي العربي الكبير الذي تم في بلدان الربيع العربي في العام 2011 ثوارات ما الذي يمكن أن نسميه.
 
ما أعتقده  أن ما حصل في بلدان الربيع العربي هو من أهم الثورات التي شهدها العالم والتاريخ  وأن الفهلوات التي يطلقها  البعض  في تسميتها بالانتفاضات هو نوع من   التجني الذي يمارسه أنصاف المثقفين أو بالأحرى  كتبة الأنظمة السلطوية البائدة وشيعة الثورات المضادة .
 
ثم من يحق له هنا  تقييم الثورات وإطلاق الأحكام عليها هل زبانية  الأنظمة المتسبدة أم  الشعب بإعتقادي لو سألت أي موطن بسيط في اليمن أو سوريا أو مصر أو غيرها من بلدان الربيع  عما حصل في العام 2011 سيقول لك ثورة قد  يتبع هذا التوصيف بالقول "ولكنها سرقت أو حورت" وهذا طبيعي لأن هذه هي طبيعة التحولات لكن هذا لا يعني أنها لم تكن ثورات اطلاقا.
 
وعموما الثورات قد تعاق  كما  هو حاصل في اليمن وبدرجة أكبر سوريا وقد ينقلب عليها كما حصل في مصر  وقد تمضي كما في تونس لكن لا يعني هذا أيضا أنها لم تكن ثورات إطلاقا.
 
وبالتالي فإن الثورات قد تنجح في تحقيق أهدافها مباشرة وقد تخوض عدة تحولات ومراحل تاريخية ثم تتبلور بشكل لم يكن في تصورات الثوار  كما حصل مع الثورة الفرنسية والتي سبق وأن  أشرنا لها في البداية وقد تقود احيانا الى الفوضى وحدث هذا كثيرا  وقد تتحول الى مذابح وهيلكوست  كما حصل في سوريا من يحدد مسار الثورة ونتائجها هي بيئتها  كل ظاهرة هي إبنة لبيئتها.
 
وبالتالي فإن المقارانات التي باتت تنتشر الآن بأن ما حصل مثلا في تونس ثورة وما حصل في سوريا مؤامرة وفي اليمن قبيلة أو مركز نفوذ أرادت التحول  أو السيطرة على النظام هو حديث خاطئ ومجانب للصواب تماما بل هو تجني بحق هذه الشعوب التي خرجت تنادي بالحرية والكرامة والعدالة الإجتماعية وحقها في العيش والخبز. 
 
لأن إفرزات الثورات في هذه البلاد هو عائد لطبيعة وبنية تلك الدول وتعاملها مع خروج الجماهير  فمثلا هل  من الصواب مساواة تعامل النظام في تونس ذات الإرث المؤسسي والكيان الدولتي التي رفض فيها الجيش إتباع النظام وقتل الثوار في الشوارع بالنظام الشمولي في سوريا الذي قتل الآلاف وشرد الملايين ودمر المدن السورية عن بكرة أبيها او بالنظام السلطوي في اليمن الذي تملك الدولة وسلمها للخراب والفوضى  هذا غير منطقي.
 
ومثلما أن المقارنة هنا ليست عادلة فإن اطلاق الأحكام اعتمادا على النتائج ليس عدلا ولا علميا بل هي مزاعم واهية تقودها الثورات المضادة، ثم إن الثورات هي سلسلة من التحولات التاريخية التي لا تتم بين عشية وضحاها ولنا في التاريخ شواهد كثيرة على هذا.

التعليقات