يوم الجمعة الثالث من أغسطس للعام الثامن عشر بعد الألفين الموافق 21 من ذي القعدة للعام 1439 للهجرة ، استيقظت مدينة مأرب التاريخ والعراقة فزِعةَ مصعوقة على خبر وفاة شيخها ومفتي ديارها الشيخ العلامة / سعيد بن عبدالرحمن بن سهيل مفتي المحافظة وأحد كبار دعائمها الفقهية والتربوية ، عالم ٌعُرف بالوسطية والاعتدال ، ورجل البٍر والإحسان ، أحبه كل من يعرفه ومن لا يعرفه ، صاحب ابتسامة لا تفارق محياه.
عالم جليل يغادر دنيانا الى جوار ربه ، مات بن سهيل إنسان البِر والإحسان الى الفقراء ، مات رجل الخير من عاش حياته في خدمة الناس وتفقد أحوالهم مربيا وواعظاً وسطيا معتدلا ، تفانى في إصلاح ذات البين وحل الخصومات والنزاعات ، كان أكثر الناس خُلقا وعلماً ونزاهة وتقوى بشهادة كل من عرفوه ، عرف الإسلام الحق بأوامره ونواهيه وطبق قواعده الحقة على الأرض ، حمد الله فحُمدت سجاياه.
توافد الناس افواجاً الى المدينة لتشييعه والصلاة عليه من كل حدب وصوب ، خرجنا بعد صلاة الجمعة الى شوارع المدينة ، اصابنا الذهول تكاد لا تجد موطئ قدم نظرا لازدحامها بالناس واختناق شوارعها بالسيارات ، ولا ابالغ ان قلت لم أشاهد مارب بهذا الزحام والاختناق مذ وطات قدمي تراب أرض سبأ قبل عامين.
ملأت الجموع ساحة المصلى و المقبرة حضروا من كل مديريات مارب وضواحيها وجبالها ووديانها ، من أبناء مأرب وقبائلها والنازحين إليها ، تم تشييعه في حضور جماهيري كبير ومهيب هو الأول من نوعه بالمحافظة حد توصيف معظم ابنائها ومشائخها. ووري جثمانه الثرى وسط حزن عميق جثم على صدر المدينة ، بكاه الجميع حتى الاطفال مأرب كلها حزينة مكتئبة كيف لا ؟! إنه سعيد بن سهيل مفتي المحافظة وكبير علمائها .. نادر الحدوث ان يجتمع كل هذا الحشد والحضور ، الا في جنازة رجل أحبه الله ووزع كل هذا الحب له في قلوب العباد ، لم يحض بمثل هذا التشييع الا من يصطفيهم الله من خلاصة خلقه وأقربهم إليه وأكثرهم منفعة لعباده مثل هذا هم اصحاب المكارم ممن كان لهم شرف خدمة أمتهم.
تستمع لخطبته يوم الجمعة من على منبر الجامع الكبير بالمدينة يجبرك للإنصات حلاوة قوله وذكره تمتلئ روحك روحانية وسكينة ووقار ، ، لا تشعر بالوقت بين يدي خطبته ولا يعتريك ملل ، تتمنى أن يستمر بلا توقف ، بعكس معظم الخطباء التقليدين ذوي الخُطب المتداولة تشعرك بالنعاس وتعيش جل وقت الخُطبة تراقب عقارب الساعة .
أتذكر رمضان قبل الماضي دُعينا لمائدة إفطار جماعية وطلب منا الحضور مبكرين قيل ان هناك محاضرة مختصرة أو ربما خاطرة لم نكن نعلم من المحاضر وماذا عنوانها ، انتظرنا في شجون نتساءل من سيكون ؟! لتطل علينا هامة شامخة ذا ابتسامة مشرقة ، إنه الشيخ سعيد بن سهيل يرحب بنا اجمل ترحيب ممازحاً بقوله : اعلم انكم إعلاميون وصحفيون ولا ادري ما ساقول امامكم، وبتواضعه الجم المعهود أراد عكس المعادلة كأننا نحن العلماء وهو التلميذ ؛.ضحكنا جميعاً وبدأ يسترسل في الحديث استمرت محاضرته لساعةٍ وأزيد ، ونحن في صمت شاخصين بأبصارنا نحوه كأن فوق رؤوسنا الطير ، مضى الوقت كانه لحظات تمنينا لم ينته حديثه ، منهال علوم عذب يتدفق يروي ضمأ القلوب والعقول في آن .. شعرت بإمتلاء عقلي وقلبي معاً كأني لم أتلق علوما قبلها.
هذه مأرب وهؤلاء هم ابناؤها الحقيقيون ، عزاؤنا لكل أبناء مأرب كبيرهم وصغيرهم بهذا المصاب وكافة أسرة الفقيد ،، إنا لله وإنا اليه راجعون.
رحمك الله شيخنا سعيد بن سهيل وجعل مثواك الجنة ومقيلك في عليين مع الذين انعم الله عليهم من النبيين والصديقين والشهداء والصالحين وحسُن أولئك رفيقا.