السؤال الذي طالما واجهنا من قبل بعض المتابعين لأحداث اليمن، كيف سيطرت جماعة الحوثي على الدولة وهزمت الجميع؟ ما هي مقدرات هذه الجماعة؟ ومن أين انبعثت ؟ وهل لها حاضنة شعبية تمكنها من السيطرة على نصف محافظات اليمن؟ وما هي أسرار بقائها حتى الآن رغم قتلها لحليفها صالح زعيم حزب المؤتمر؟
قبل مقتل صالح كان من السهل القول بأن صالح ودولته العميقة خلف هذه المسرحيات وهو من مكنهم من مؤسسات الدولة " وهذا صحيح " وهو من منحهم غطاء سياسي للسيطرة على محافظات سنية شافعية مثل " تعز والبيضاء والحديدة وإب ...إلخ تحت مظلة حزب المؤتمر وهذا صحيح أيضاً.
لكن الآن وبعد مقتل صالح الذي دعا أتباعه قبيل مقتله لضرورة قتال جماعة الحوثي السلالية، البعض منهم استجاب والبعض لم يفعل بل أتهمه بالخيانه، ذهب هذا المبرر وجاء سؤال أكثر الحاحاً؛ لماذا لم تهزم جماعة الحوثي في المناطق الشافعية على الأقل ؟ والتي لا توجد فيها حاضنة شعبية كافية تمكنها من البقاء فيها.
وبالرغم من توسع دائرة الخصوم للجماعة وفقدانها لمضلة سياسية وشعبية " حزب المؤتمر " فضلا عن كونها جماعة مسحلة فاقدة للشرعية السياسية والقانونية ويتم التعامل معها دولياً ومحلياً كجماعة " متمردة " على الدولة، إلا أنها لم تخسر محافظة واحدة منذو مقتل صالح قبل أكثر من عام، وبصرف النظر عن الإمكانات الذاتية لجماعة الحوثي والترسانة العسكرية للحرس الجمهورية وقوات مكافحة الإرهاب وغيرها والتي سيطرت عليها إبان الإنقلاب على السلطة الشرعية في نهاية العام 2014، فإن هناك أسباب ساعدت بشكل مباشر على بقاء نصف محافظات اليمن تحت سيطرت الحوثيين ومن تلك الأسباب:
الأول: ذهب صالح وبقيت استراتيجية تمكين الأقليات: لم يكن علي صالح وحده من سلم الدولة للحوثيين، بل هناك أطراف محلية وإقليمية ودولية ساهمت في ذلك، وبعض تلك القوى لاتزال ترى في جماعة الحوثي أداة فاعلة لتنفيذ أهدافها في اليمن والمنطقة ككل، وعلى رأس تلك القوى الولايات المتحدة الأمريكية، وبالتالي ذهب صالح وبقيت استراتيجية تمكين الأقليات لحكم الأكثرية ( سياسة أمريكية غربية ثابتة ) العلويين في سوريا نموذجاً.
الثاني: القاتل الحوثي والدية على الشرعية: على عكس التوقعات استطاع الحوثي بدعم التنظيم الهاشمي في اليمن السيطرة على تداعيات مقتل الرئيس صالح، واحتوى من بقي من رموز حزبه في مناطق سيطرت الحوثيين، بل وصل الأمر ببعض قيادات المؤتمر للنيل من صالح لتبرير موقفه ( خوفاً من العقاب أو طمعاً في منصب)، وبهذا يكون الحوثي قد تخلص من ازدواجية القرار والتوجس الداخلي بعد مقتل صالح، في المقابل تحولت معضلة ازدواجية النفوذ إلى صف الشرعية عندما أعلن طارق صالح وبدعم إماراتي عن تشكيل قوات عسكرية لا تخضع لسطلة الحكومة الشرعية التي لم يعترف بها حتى الآن، وبدلاً من مسمى الجيش الوطني تحت قيدة موحدة بتنا نسمع عن ما يسمى بــ " القوات المشتركة " تهرباً من أي صفة رسمية أو هيكلية قيادية.
وبالتالي فإن طارق صالح يمثل فرصةً للحوثيين أكثر منه خطراً عليهم طالما بقي خارج شرعية الدولة ومؤسساتها والعكس صحيح.
الثالث: خطاب الحوثي يقتات على أخطاء الشرعية والتحالف: قبل عودة الرئيس هادي إلى عدن نتيجة خلافه مع أبوظبي حاول الحوثي في خطابة تشويه صورة السلطة الشرعية مستفيداً من بقاء الرئيس وحكومته خارج البلاد، كما حاول الحوثي ومعه صالح قبل مقتله إقناع الشعب بأن قيادة الشرعية غير قادرة على العودة وغير مكترثة بمعاناة الشعب، وكان لذلك أثر كبير على صرورة المعارك في الفترة السابقة. يستميت خطاب الحوثي في صرف نظر أسباب الكارثة اليمنية والمتمثلة في الانقلاب على الإرادة الشعبية نحو ضرورة مواجهة التدخل العسكري لدول التحالف العربي مستغلاً الضربات الخاطئة لطيران التحالف من جهة، وتهجير ما يقرب من 700 الف مغترب يمني من المملكة العربية السعودية من جهة ثانية.
كما يحاول الحوثي أيضا التغطية على فساده المالي المتمثل في نهب مرتبات الموظفين وفرض ضرائب إضافية على السلع التجارية الأمر الذي أدى إلى رفع أسعار البضائع وانهيار العملة اليمنية إلى مستويات قياسية خلفت أزمة إنسانية كارثية لاسيما في المناطق الخاضعة لسيطرته، بتذكير الشعب أنه في حالة حرب وحصار وهو مدخل أيضاً لإجبار الشركات التجارية بدفع إتاوات مالية تحت مسمى " المجهود الحربي "، وهذا البند لا يستند إلى أي معيار يحدده سوى رأي المشرف الحوثي.
وعلى الرغم من ذلك عجزت وسائل الإعلام التابعة أو المؤيدة للشرعية عن كشف كل هذه الممارسات وخاصة للرأي العام العالمي.
الرابع: حالة مناطق سيطرت الشرعية تشفع للحوثي: بصرف النظر عن أسباب التعثر فقد فشلت الحكومة اليمنية ومعها التحالف العربي خلال السنوات الماضية في تقديم نموذجاً جاذباً يمكنه محاكاة المواطنيين في مناطق سيطرة الحوثي، وتأجيج الوضع ضد جماعة الحوثي في تلك المناطق، حيث تشهد العاصمة المؤقتة " عدن " اضطرابات واغتيالات أمنية مستمرة وخطابات وممارسات جهوية ومناطقية قدمت الحكومة الشرعية في صورة الضعيف العاجز، فضلا عن عجز الحكومة في تنشيط مؤسسات الدولة المالية والتنموية في المناطق المحررة.
وبالرغم من ذلك فإن عودة الحكومة اليمنية مؤخراً وإدراة شؤون البلاد من العاصمة المؤقتة عدن قد فوت على الحوثي أحد ركائز خطابه الإعلامي إذا ما استمرت الحكومة والرئيس على أرض اليمن.
الخامس: حسابات ما بعد الحوثي تبقيه قوياً: نعم ما تبذله السعودية والامارات في اليمن أكثر مما تبذله إيران وحلفائها في اليمن، لكن الأمر هنا لا يقاس بحجم الدعم الذي يذهب الكثير منه في مجالات لاتتعلق باستعادة الدولة وهزيمة الحوثي، بل في وضوح الرؤية والشفافية في التعامل، إذ أن انتقائية دول التحالف في التعامل مع مكونات الشرعية يشكل تحدي قد يفقد التحالف والشرعية هدف هزيمة الحوثي ومن ورائه إيران.
تحمل أبوظبي مشروعا يتجاوز محاربة الحوثي إلى محاربة من يحارب الحوثي " الإصلاح مثلاً" وهذا قد اعاق معركة استعادة الدولة وربما يؤثر على المعركة مع إيران.
وبالتالي فإن هذا التوجس سواء بين دول التحالف ( السعودية والامارات ومصر) أو بينها وبين الحكومة اليمنية أدى إلى استمرار سيطرة الحوثي على مناطق واسعة من اليمن.
الخلاصة :
بالنظر إلى مكامن قوة الحوثيين وعوامل استمرار سيطرتهم على ما يقارب 11 محافظة يمنية فإنه يمكن تقسيمها إلى ثلاثة اقسام؛ الأول - وهو الأهم - حسابات القوى الدولية بما في ذلك التحالف العربي إذ أنه من غير المعقول أن تعجز أكثر من 6 دول عن هزيمة جماعة مسلحة منبوذة شعبياً، القسم الثاني يتعلق بضعف السلطة الشرعية وعجزها في فرض الدولة في مناطق سيطرتها وتحديداً العاصمة المؤقته عدن.
أما الثالث فيتعلق بالقدرات الذاتية للحوثيين والتي هي ليست محل نقاش في هذا المقال بعتبار المقال يناقش الفرص الموهوبة للحوثيين من خصومهم فقط، لكن المعروف أن تنظيم الهاشمية السياسية في اليمن والذي أشار اليه الرئيس علي صالح في آخر خطاب له هي الركن الحصين والعامل الأهم لبقاء جماعة الحوثي بعتباره تنظيم يضم كوادر دولة لها خبرة في الحكم ومعرفة عميقة بخصائص المجتمع فضلاً عن انتشار التنظيم في السفارات والمنظمات الدولية، ورغم كل هذه العوامل فإن فكرة الحوثي لاتتواكب مع المفاهيم العصرية بعتبارها تقوم على تقسيم البشر إلى شريفٍ ووضيع، وهو ما لم يقبل به اليمنيون.