للحروب ثمن باهظ، وضريبة يجب على الجميع أن يدفعها، ففي أوائل شهر أغسطس/آب 2018 زرت مخيم النازحين بمديرية عبس بمحافظة حجة، كانت زيارة خاطفة لمشاهدة معاناة النازحين عن قرب، لقد كان وجعًا كبيرًا إنه وجع بحجم السماء.
القلوب هناك مليئة بالحزن، الكدر يعكر مزاجهم، حرارة الشمس مرتفعة، الجو حار حد كتم الأنفاس، المخيمات على مد البصر ؛ يخال لك من أول وهلة أنها أطلال مشتتة لكثير من البشر، يحيط بهم واقع مشتت كواقع هذه الخيام المرصوصة في منحنيات الأرض تميل مع ميلانها. إنها حالة من الصبر العجيبة لهؤلاء البشر.
رأيت الفتيات والفتيان يذهبون في اتجاهات عديدة ،النساء يذهبن لجلب الماء والحطب من مسافات بعيدة ؛بعد أن عملوا على تحطيب كل ما حولهم من أشجار وعيدان يابسة وغيرها مما يستخدم في إشعال النار من أجل إنضاج الطعام، رأيت الكثير من الأطفال ممن فقدوا مدارسهم وأحلامهم و العابهم ،يلعبون بمجموعة من الأكياس البلاستيكية بعد أن تم لفها بحبل لتصير بشكلٍ دائري يشبه كره القدم؛ إنهم يعلبون بها ويلهون، وصارت هي المتنفس الوحيد لهم. يفتقرون للتعليم وأساسيات القراءة والكتابة في مخيمات مثقلة بالهموم والبحث عن حاجياتهم الضرورية.
إن أكثر من نصف النازحين هم من الأطفال، ومن بينهم الذين في سن المدرسة ولا يحصلون على التعليم ولو بأقل الطرق المتاحة ولا يحصلون على ملامح الطفولة التي هي حقٌ مشروع لهم والتي تجعلهم مؤهلين لتحقيق أحلامهم في المستقبل، إنهم حالة من الوجع الذي سيلاحقنا عبر السنين.
إن لهذه الحرب الكثير من الضحايا الذين دفعتهم إلى النزوح عن منازلهم، وإلى جرف الحياة المستقرة لهم، وجعلتهم مجبرون على العيش في حالة الفقر، تضررت حياتهم النفسية والجسدية، إننا ندفع ثمن هذه الحرب ومخلفاتها، ندفعها ولكن لا يستطيع أحدًا أن يساعدنا، منظمات المجتمع المدني تحاول هناك أن تقوم بواجبها تجاه المجتمع بكل ما أوتيت من جهد، منها المنظمات المجتمعية الكبيرة ومنها منظمات مجتمعية على المستوى المحلي عملت لسد الحد الأدنى من معاناة هؤلاء النازحين، لكنها نسيت أو تناست الأمر المهم إنه حالة التوعية والبناء المجتمعي لهؤلاء الناس الذين يعيشون حالة نفسية غير مستقرة بعد فقدانهم لكل أغراضهم ومساكنهم وأماكن عملهم، نسيت تلك المنظمات دورها الإنساني المناط ببناء المجتمع وجعله قادرًا على مواجهة الظروف المتغيرة هناك.
يتحدث سكان المخيم عن حالة من الضياع يعيشونها بسبب ما حل بهم، إنهم يتحدثون عن مستقبل أبناءهم الذي يوشك على الضياع في هذا البلد.
لقد عمل التحالف على تجريف الحياة بشكل زمني مدروس، جعل أبناء تهامة واليمن جميعهم يعيشون حالة الضياع هذه بشكلها المدروس والممنهج.
إن تهامة تمر بحالة إنسانية لم تمر بها من قبل؛ والسبب أن الحرب تقترب من أكثر الأماكن اِحتِواءً للنازحين، في محافظة حجة "بني حسن،" وفي الحديدة تقترب الحرب من أكبر مدينة على الشريط الساحلي يسكنها أصحاب الطبقة الكادحة وغيرهم ممن يسكنون فيها من بقية المحافظات اليمنية.
تهامة مظلومية كبرى ناهيك عن كونها وحدها في مواجهة هذه الأزمة التي تمر بها وتحاصرها من كل الجهات .الأمر تجاوز النزاع الحاصل بين الطرفين ووصل إلى حد الوجع الذي يطال تهامة مع سكانها وأرضها.
يجب أن يصل هذا النداء إلى منظمات المجتمع المدني وكل الجهات ذات العلاقة، تهامة تعاني وتئن وتدفع ثمن غاليًا لحربٍ لا ناقة لها فيها ولا جمل؛ فلا تتركوا تهامة لوحدها.