في الثاني من أكتوبر 2018، دخل صديقي، الكاتب والصحفي في واشنطن بوست جمال خاشقجي إلى القنصلية السعودية في اسطنبول ولم يرى مجدداً بعد ذلك.
في الأسابيع القليلة التي أعقبت ذلك، تغيرت الرواية الرسمية للمملكة العربية السعودية بشكل كبير، من الإنكار التام لأي تورط في مقتل خاشقجي، إلى إعتراف المدعي العام السعودي سعود المجيب بأن مقتل خاشقجي داخل مبنى القنصلية في اسطنبول كان مع سبق الإصرار.
ليس هناك شك في ما إذا كان المسؤولون السعوديون قد تآمروا لقتل جمال خاشقجي بوحشية.
إن اغتياله البارد، في قنصلية على أرض أجنبية، يكشف بوضوح عن جرأة السعودية في استغلال سلطتها بعيداً عن حدودها، لكن لا شيء جديد في تجاهل السعودية الصارخ لحقوق الإنسان والمعايير الدولية الأساسية.
منذ مايو / أيار من هذا العام، احتجزت السلطات السعودية أكثر من 12 ناشطة في مجال حقوق المرأة، من بينهم ناشطون بارزون مثل سمر بدوي ولجين الهثلول وهتون الفاسي، وقد تم اعتقال معظم هؤلاء النساء بشكل تعسفي بسبب حملتهن في المطالبة بحقهن في القيادة، وهو ما تم منحه في يونيو، وهن ما زالوا محتجزات بمعزل عن العالم الخارجي. ومن المقرر أن تمثل إحداهن، وهي إسراء الغمام، أمام محكمة مكافحة الإرهاب السرية في البلاد في 28 أكتوبر / تشرين الأول وتواجه حالياً عقوبة محتملة بالإعدام بسبب الإحتجاج السلمي. يواجه عدد آخر من الصحفيين والمدونين والنشطاء الرقميين والمثقفين والاقتصاديين ورجال الدين المعتدلين مصيراً مماثلاً.
إذا كان هذا يدل على شيء، فإن مقتل خاشقجي هو مجرد قمة جبل جليدي هائل وتذكير صارخ بأن العالم قد غض الطرف عن جرائم المملكة العربية السعودية على حساب ملايين الأرواح البريئة.
يعرف شعب اليمن هذا جيداً. حيث يواجه 13 مليون شخص تجويعاً في اليمن اليوم فيما يمكن أن يصبح "أسوأ مجاعة في العالم منذ 100 عام" وفقاً للأمم المتحدة، ويعيش ملايين اليمنيين في حرب يقودها التحالف السعودي، ويقدر أن 22 مليون شخص، بينهم 11.3 طفل، في حاجة لمساعدات إنسانية طارئة.
ويشير تقرير خبراء الأمم المتحدة الصادر في 28 أغسطس 2018 إلى جرائم حرب محتملة من قبل السعودية والإمارات العربية المتحدة في اليمن. لقد تسببت الغارات الجوية للتحالف في وقوع أكبر عدد من الضحايا المدنيين، حيث أصابت منازل الناس والأسواق وحفلات الزفاف والزوارق المدنية وحتى المرافق الطبية.
يتم تزويد الأسلحة المستخدمة لقصف العائلات اليمنية مباشرة من قبل الولايات المتحدة والمملكة المتحدة وفرنسا وكندا وحلفاء دوليين آخرين، الذين يقدمون الدعم اللوجستي إلى التحالف السعودي. في 9 آب / أغسطس 2018، قُتل 40 صبياً، تتراوح أعمارهم بين 6 و 11 سنة، بسبب قنبلة بيعت إلى الرياض من قبل الولايات المتحدة ، ولا تزال المملكة العربية السعودية أكبر عميل لصناعة الأسلحة في الولايات المتحدة والمملكة المتحدة.
إن غضب المجتمع الدولي من جريمة قتل خاشقجي جدير بالثناء، غير أنه لا ينسجم بشدة مع سياسة مبيعات الأسلحة التي تمكّن المملكة العربية السعودية من مذبحة في جميع أنحاء المنطقة.
ألمانيا هي الدولة الغربية الوحيدة التي أوقفت مؤقتاً مبيعات الأسلحة إلى الرياض، في أعقاب مقتل خاشقجي. وعلى الرغم من أن العديد من الدول تحدثت عن إمكانية وقف هذه المبيعات، إلا أنه لم يتم اتخاذ إجراء يذكر حتى الآن.
خلال الأسبوع الماضي، دعت الولايات المتحدة وكندا والمملكة المتحدة لإنهاء الحرب في اليمن. لكن يأتي السلام لليمن إلا إذا قادت هذه الدول الطريق وذلك من خلال التوقف عن توفير الأسلحة التي تغذي هذا الصراع.
وباعتبار أن مزودي الأسلحة الرئيسيين في الرياض، هم الولايات المتحدة والمملكة المتحدة وفرنسا وكندا وغيرها من الدول الغربية الرائدة في موقع فريد لمنع المزيد من الهجمات على الملايين من المدنيين الأبرياء في اليمن، والدعوة إلى إطلاق سراح الناشطين المسجونين ظلماً في المملكة العربية السعودية بما في ذلك نشطاء حقوق المرأة.
ويعني عدم التحرك الآن فشل الشعب اليمني الذي يعيش يومياً تحت تهديد اضطهاد المملكة العربية السعودية، وسيكون أيضاً إشارة واضحة إلى قيادة المملكة العربية السعودية، وكذلك العديد من الأنظمة القمعية الأخرى، بأنها تستطيع مواصلة إسكات الأصوات المعارضة بلا هوادة دون أي عواقب.
إن الغضب من مقتل خاشقجي يجب أن يقابله إجراء سريع وحاسم: تحقيق مستقل وموثوق في مقتل خاشقجي ومحاسبة مرتكبي الجريمة، وكذلك وقف جميع مبيعات الأسلحة إلى المملكة العربية السعودية.
وأفضل طريقة للإشادة بالتزام جمال خاشقجي بالحرية والعدالة هو ضمان عدم إرتكاب العنف الذي تعرض له مرة أخرى.
العمل هو الطريقة الوحيدة التي يريدنا أن نكرمه بها.
------------------------------------
*نشر المقال في مجلة نيوزيوك الأمريكية.
*ترجمة خاصة بالموقع بوست.