القمة الخليجية التاسعة والثلاثون التي عقدت أمس في الرياض تعد ثاني أهم قمة خليجية منذ التأسيس بعد التصدع الكبير الذي أصاب مجلس التعاون الخليجي.
على مدى أربعة عقود، ظلت القمم الخليجية تأتي في ظل تحولات فارقة وتحديات عظيمة تجابه المجلس من خارجه.
لكن منذ منتصف العام الماضي، حدث مالم يكن متوقعا على الإطلاق بسبب تصعيد الأزمة الداخلية وإعلان السعودية والإمارات والبحرين قطع العلاقات الدبلوماسية مع قطر وفرض عدة إجراءات لحصارها.
صحيح ان مواطني دول المجلس لم يكونوا راضين يوما عن مستوى علاقات التعاون خلال الفترة الماضية ولا حتى عن مجابهة التحديات الخارجية التي مثلته دولة إيران، إلا ان المنظومة الخليجية، كانت في مأمن من الانهيارات التي أصابت تجارب عربية أخرى، واستحالت إلى حروب مدمرة وأزمات متلاحقة.
كل محطة خليجية، كانت تحتم على مواطني دول المجلس النظر إلى ما لدى الآخرين من مصائب وكوارث، وليس إلى أهداف وطموحات تأسيس النادي الخليجي الغني بثروة النفط.
قمة الرياض وقبلها قمة الكويت التي عقدت نهاية العام الماضي، أتت ودول الخليج تعيش في أسوأ حالاتها.
في الحقيقة لقد تعاملت السعودية والإمارات والبحرين بإستخفاف كبير مع قمة الكويت، حيث شاركت بأدنى تمثيل لها ردا على الموقف المحايد للدولة المستضيفة في الأزمة الخليجية.
كانت الدول الثلاث تعيش عنفوان جموحها الغير قابل للفرملة.
وفي قمة الرياض، جرت متغيرات كثيرة، فرغم تلقي أمير قطر تميم بن حمد آل ثاني دعوة للحضور والمشاركة في القمة من العاهل السعودي، إلا أنه تجاهل الدعوة وشارك بدلا عنه وزير الدولة للشؤون الخارجية سلطان المريخي.
بحسب وسائل إعلام قطرية، فإن هذه المشاركة هي أدنى تمثيل لقطر في القمم الخليجية، إذ بدا واضحا أنه رد على حالة الاستعلاء والتجاهل التي واجهت حضور أمير قطر للقمة، وجهوده للمصالحة وإحتواء الأزمة.
كل محاولات المصالحة، بائت بالفشل، ويمكن القول أيضا ان جميع محاولات فرض الحصار والعزلة الدولية على قطر فشلت أيضا.
الأهم ان قمة الرياض، جاءت عقب حادثة القتل المرعبة للصحفي جمال خاشقجي في قنصلية السعودية بمدينة اسطنبول التركية.
تحولت الجريمة والأزمة إلى داخل بيت الحكم السعودي، وبات العالم ينظر لولي العهد وهو الحاكم الفعلي للمملكة، محمد بن سلمان، كشاب طائش ومتهور.
كان واضحا ان المملكة بعد الحادثة لن تكون كما قبلها، فقد سلطت الأضواء العالمية عليها بشكل أكبر، وكل يوم تتكشف حقائق مثيرة عن الجريمة المروعة.
آخر ما كشفته شبكة سي ان ان الأمريكية هو ان نص التسجيلات الصوتية دلت على ان حادثة القتل لم تكن عملية خرقاء بل معدة مسبقا، كما أشارت نص التسجيلات الصوتية إلى "صوت تقطيع جثة خاشقجي بمنشار"، فيما نصح المعتدون بالاستماع إلى الموسيقى للتغطية على صوت التقطيع.
إنها "مملكة داعش".. هكذا أضحى بعض المعلقين في الغرب يصفون السعودية بعد الحادثة.
ليس للأمر علاقة بالتحريض على المملكة. ثمة استحضار لتجارب مماثلة.
خمسة عشر سعوديا كانوا من بين المنفذين لعملية تفجير برجي مركز التجارة العالمي في نيويورك في سبتمبر 2001، وتمويل داعش هو نتاج تمويل الوهابية على مستوى العالم.
إذا، تبدو السعودية في حاجة ماسة للمصالحة وترتيب البيت الخليجي ، لكنها ماضية في حالة الاستعلاء المدفوع بأموال النفط ، فكم ستستمر؟.