عبدالوهاب العمراني

عبدالوهاب العمراني

كاتب يمني سفير في وزارة الخارجية اليمنية

كل الكتابات
الدور الأممي في الحديدة
الإثنين, 17 ديسمبر, 2018 - 03:36 مساءً

يعتقد الطرف الانقلابي بأنه مثلما فرضوا "اتفاق السلام والشراكة" بحد السيف وطبقوا الجانب السياسي لتثبيت وضعهم بينما لم يطبقوا الجانب الأمني والعسكري ، ، بينما بعد ان تمكنوا من مقدرات الدولة بالغلبة يريدون الآن تقديم السياسي على الأمني !
 
الذاكرة اليمنية ليست مثقوبة بالمطلق ويرصد اليمنيين تكتيك ولؤم الحركة الحوثية سوا خلال الحروب الست او منذ المرحلة التي أعقبت خلع الرئيس السابق ، لقد توالت الفتوحات بعد عمران ، واللافت سمح لهم بالانخراط في الحوار الوطني لتسعة  أشهر وهم مجرد ميلشيا لم ترتقي الحركة الإرهابية لمسمى حزب ومع ذلك انقلبوا على كل شئ وفتحوا أبواب جهنم على الشعب اليمني
 
 شأت الأقدار ان يلج اليمن العام الجديد وهو في مرحلة "البرزخ" أي حالة اللاحرب واللاسلم او بمعنى الحرب البطيئة على أنغام سرب السلام إذا جاز لنا القول .. ما أحوجنا لسلام حقيقي مستدام يعكس آلآم الملايين وإيقاع الشارع اليمني ولا نهرول لسراب السلام الخادع  ، فحالة المنزلة بين المنزلتين لا تولد سوى حالة يأس وقنوط فالخوف من الحرب أسواء من الحرب نفسها !
 
فالحرب لا تحدد من هو صاحب الحق ، سواء محليا او نظرة الخارج له ، وإنما تحدد من تبقى ، والتاريخ في نهاية الأمر سيكتبه المنتصر سوا كان ظالما او مظلوماً .
 
بداهة فهذه الحرب ليست وليدة مرحلتها بل هي تراكمات أربعة عقود من الفساد جثم في معظمها شخص واحد يريد الإقليم تدوير الدولة العميقة بشخوص جديدة  ، فالحرب وأي حرب تدور في مجال السياسة ، وكواليسها ومشاهدها الأخيرة فقط هي التي تنتقل الى ميادين القتال فالسلام في رؤية الحركة الحوثية تعمل بشعار : إذا اردت السلام فاستعد للحرب .
 
الدبلوماسية تحقق في بعض الحالات ما تعجز عنه البندقية ، وهو الأمر نفسه للاعلام الذي يكون سيفا مسلطا لرفد الحرب وغسل دنسها لدى الاتباع .
 
الاعلام في الحروب سيف مسلط الآلة الإعلامية للطرف الانقلابي تنطلق من مقولة " كلا يغنى على ليلاه ، وليلى لا تقر لهم وصالاً "
وبين ديماغوجية وضبابية الجانب الانقلابي ووضوح وثقة نابعة من خبرة من قبل الجانب الحكومي.
 
وطرح الوزير اليماني في مقابلة بالتلفزيون اليمني كان نابعا بثقة في تصريحاته سوى الأخيرة او غداة توقيع الاتفاق بتوضيح رؤية الأمم المتحدة لتطلعات وكرامة الشعب اليمني المثخن بالجراح الذي لا يقبل أي وجود لقوات  أجنبية فكان تأكيد المنظمة الدولية بأن "اليمن وأفغانستان حالة خاصة" لا نهم يدركون خصوصية هذين الشعبين والذي يراد لبعض دول الإقليم بأن يكون اليمن أفغانستان الجزيرة العربية .
 
في حين ان الحوثي الذي يتشدق بالسيادة على استعداد ان يبيع كل شئ من اجل السلطة وإنقاذ نفسه من هذه الورطة في حال تلمس تلميحاً باعتراف إقليمي او دولي به كسلطة ومستعد ان يكون حامي حمى دول النفط وسواها في حال افترضنا وقع اتفاقية معها بتسليم صواريخه والطائرات المسيرة مقابل الاعتراف السعودي وإنهاء ( العدوان) مشيرا بأنه ومن خلال خبرته وتجربته في الأمم المتحدة كان قد وقع اتفاق مع المنظمة الدولية بهذا الخصوص وهذا يفسر ثقته بأن حضور "القبعات الزرق" لا يشكلون حضور دائم فهم سيتواجدون بموافقة الحكومة اليمنية .
 
وأوضح أن الأمين العام للأمم المتحدة أنطونيو غوتيريش أبدى تفهمه لطلب الرئيس هادي، عدم تواجد دائم لقوات أممية في الحديدة، مشيرا أن الأمم المتحدة ستتواجد عبر آليتين، الأولى من خلال توسيع آلية الرقابة والتفتيش القائمة حالياً في جيبوتي إلى ميناء الحديدة
 
وبعيداً عن التأويلات والضبابية التي تساهم في زيادة الإحباط للمواطن المتابع لكل شاردة وواردة في تطورات هذه الحرب فقد كانت مقابلة خالد اليماني وزير الخارجية كافية وشافية لتشمل كل التساؤلات حول أبعاد ونتائج وقف إطلاق النار في الحديدة بدء من 18 ديسمبر الذي تضمن جملة حقائق طرحت بوضوح وهي :

•قوات أمن تابعة للحكومة اليمنية في العام 2014 قبيل انقلاب جماعة الحوثي هي من ستتولى أدارة ميناء الحديدة بأشراف أممي ، وتحت سيطرة وزارة الداخلية في الحكومة الشرعية وفقا لمخرجات ومشاورات السويد الاخيرة . موضحا في ذات اللقاء بأن اتفاق السويد نض على تحديد 24 يوما لانسحاب المقاتلين الحوثيين من المدينة ومينائها إضافة لمواني الصليف ورأس عيسى على ان تديرها الكوادر التي كانت تعمل في العام 2014
•وفيما يتعلق بالإشراف ألأممي أوضح بأن القوات التي ستشرف على المدينة ليس قوات الأمن المستحدثة من الحوثيين ، ولكن القيادات التي كانت تعمل في 2014 وحق وزارة الداخلية في عدن ترتيب الكوادر وتعيينها والاشراف عليها ، بعد انسحاب الحوثيين والقيادات التي كتم تعيينها من قبلهم بما في ذلك المشرفين الذين تم استقدامهم من صعدة .
 
•كما تضمن توضيحه بأن القوات الأمنية ستنتشر في المدينة وسيشرف عليها الجنرال الهولندي مشيرا الى ان تواجد الأمم المتحدة في الحديدة سيكون من خلال اتفاقها مع الحكومة اليمنية، حيث سيتولى الجنرال المذكور الإشراف على عملية تطبيع الحياة بعد الانسحابات، وستتعامل معه العناصر الأمنية اليمنية بموافقة الحكومة اليمنية .
 
مؤكدا في الوقت ذاته بأن تواجد تلك القوات الأممية لا يشكل خطرا دائما ، وليس هناك أي تنازل في هذ الجانب كما يشاع ، مشيرا بأن أي تواجد أممي غير مرغوب فيه ولا يتوافق مع مع المجتمع الدولي او القانون الإنساني الدولي سترفضه الحكومة اليمنية ولأنه دبلوماسي مخضرم ملما بتفاصيل ما اتفق عليه فأنه قد استشهد في أكثر من استفسار سوى في ذلك اللقاء او من خلال تصريحات اخرى عندما أكد بأن الحديدة سيتم تسليمها وفقا للقرار الدولي مؤكدا بأن تواجد القوات الأممية لا تشكل خطرا دائما وليس هناك أي تنازل في هذا الأمر فاضحا في نفس الوقت تصريحات الجانب الانقلابي ونظرته للوضع في المدينة ، والذي يحاول تسويق هذه الهزيمة وتخفيف عبئها على أنصاره ، معلوما بأن للحوثي خطابين إعلاميين للداخل وإتباعهم بينما على طاولة المفاوضات ينحنون للعاصفة ويتفاوضون مجبرين بمنطق الدبلوماسية بالأدلة والحقائق ولاسيما فيما يتعلق الأمر بحقوق الإنساني الذي يزايد الطرف الانقلابي به . ولهذا فأن وزير الخارجية يعتبر ما تم حول الحديدة يمثل حالة استثنائية في الدبلوماسية اليمنية.
 
منوها في نفس الوقت بأن الخارجية اليمنية قد ارلت رسالة للمبعوث الاممي قبل دخول اتفاق الحديدة حيز التنفيذ ذكرت فيها بوجود حالة من الانفلات الأمني وسرقة ممتلكات التجار في الحديدة وحملت تلك الرسالة المبعوث الاممي المسؤولية عن ذلك.
 
وفيما يتعلق الأمر بملف الأسرى بأنهم وقعوا أتفاق الأسرى والمعتقلين الواقعين تحت الإقامة الجبرية وكان الدافع في ذلك هو ما يشغل مئات الآلاف من السكان اليمنيين وبداهة كان من منطلق أنساني مردفا " جئنا بالضامن الدولي لئلا تتكرر حالة الأسر والاعتقال من الحوثيين وينبغي أن نتعاطى مع الحوثية بكل أبعاد القانون الدولي ، لكن يضل اللافت والذي لقى ارتياح لدى عامة اليمنيين من ذلك التوضيح لوزير الخارجية قوله بأن مجمل الاتفاقات مع الحوثي هي افتراضية يضمنها المجتمع الدولي قائلا : بأنهم " يراهنون على إثبات ان الانقلاب لا يفي بالتزاماته ولا يحترم القانون الدولي ولهذا جئنا به للسويد" !
 
وفي حال التنصل عن هذا الاتفاق سيكون الأخير . وفي سياق آخر فيما يتعلق بالملف الاقتصادي أكد في ذات اللقاء بأن تحويل الإيرادات في الحديدة لفرع البنك المركزي في المحافظة والواقع تحت إشراف البنك المركزي في عدن ، وأشار إلى ان كثير من المؤسسات المالية التابعة للحوثيين جرى تعيين شخصيات فيها من خارج التخصص المالي كما تحدث عن اعتبارات للحكومة في هذا الجانب ومنها على سبيل المثال عملية دفع رواتب العاملين في قطاع التعليم في ظل تدريس المناهج التي فرضتها جماعة الحوثي وقامت باستحداثها .
 
* كاتب يمني وسفير في الخارجية

* خاص بالموقع بوست 

التعليقات