يتبارى البعض من اليمنيين وكأنهم في موقع الحكماء وذلك بإطلاق النصائح والعبرة مما يحدث في السودان بما حصل في اليمن من وأد الثورة ، غير مدركين بأن صنف هؤلاء هم الإمعة واغلبهم ممن يقدسون جلادهم بعد ان نكل به حليفه في الانقلاب، ورغم ذلك لازالوا في غيهم بدليل التهليل لما حدث في صرواح بفرحهم اكثر من الحوثيين انفسهم.
ولهذا قد يتعايش أنصار عفاش مع الحوثي ولا يتعايشون مع غيرهم من خصومهم.
فما يحدث في السودان بغض النظر عن شخصية كلا من الرئيسين البشير والرئيس السابق فلا مقارنة من حيث من خدم شعبه حسب ظروف بلديهما فالنخبة الحاكمة في السودان تختلف كليا عن المؤتمريين في اليمن سوا من حيث النزاهة او الارتهان للخارج، فلا مجال للمقارنة.
الثورة هي الثورة سوى ما حدث في فبراير 2011 في اليمن وما يحدث اليوم في السودان لكن الفارق بأن صالح أكثر ارتهانا للخارج وخاصة الإقليم الحلفاء التلقليديين خلال فترة حكمة فهم من اتوا به .. بعكس البشير كان هناك ضباط هيئتهم السعودية للانقضاض على حكومة المهدي نهاية الثمانينات فسبقهم البشير ورغم مهادنة الرياض لكن لديه هامش من المناورة بعكس الرئيس السابق.
التزمت السعودية فيما لم يعلن في اتفاق جده ضمن التوافقات السرية على خلفية توقيع اتفاق جده لرسم الحدود على دعم نظام صالح ومن يخلفه في حال اندلاع ثورة ضده ، ولهذا فالمبادرة الخليجية ليست خليجية كما يعتقد الكثيرون هي مبادرة من المؤتمر الشعبي العام صاغها منظري المؤتمر الشعبي منهم القربي والمرحوم الارياني ، وقدمت للسعودية للتقدم بها على إنها مبادرة خليجية وهذا باعتراف الرئيس السابق نفسه في احد خطاباته بأن المؤتمر من صاغها.
إذا ما حدث في اليمن من وأد للثورة هو استجابة لارتهان ثلث قرن من التبعية للإقليم نتج وأد محاولة الشعب اليمني للتطلع نحو التغيير.
في حين قد لا يحدث ذلك في حال تطورت الأحداث في السودان لان البشير له علاقات مع خصوم السعودية سوريا وتركيا على سبيل المثال.
سقوط صنعاء وتسليم كل مقدرات الدولة لمن حاربهم ستة حروب عبثية هي نكاية بمكون يمني من جهة وتواطئ ورضاء إقليمي تأييدا لتلك الأحقاد للرئيس السابق من جهة أخرى فلا دور لإيران الا بعد سقوط صنعاء وتسلمها جاهزة بفضل غباء خصومها كما قال خامئني ذات يوم ان من حسن حظ إيران بأن خصومها أغبيا !
صحيح بأن النظام في السودان أكثر شمولية مما كان عليه الحال في عهد الرئيس علي عبدالله صالح ومع ذلك لا يعني بالضرورة ان هذا أفضل من ذاك او العكس . قضية السودان اليوم تبدو انها بإيعاز خارجي استغل ظروف الداخل الاقتصادي، بينما في اليمن الذي حصل هو العكس تماما أي ان الاقليم هو من غير مسار الثورة ، وما المبادرة الخليجية التي هي مؤتمرية بالاساس كانت امتصاص لنقمة الشعب وتهدئة هيجان الثورة وبرغم منحه حصانة فقط تفرغ للتنكيل بالمرحلة الانتقالية من اليوم التالي لخروجه الشكلي من السلطة.
ومن هنا فلا خوف على السودان ان ينزلق للمجهول ، سوى تمت الإطاحة بالبشير من عدمه ففي كل الأحوال تسير لصالح الشعب السوداني ، أي ان الثورة لن يُغير مسارها برغبة الإقليم.
* كاتب وسفير في الخارجية.
*مقال خاص بالموقع بوست.