لم يعد من المستبعد -بل أضحى من المؤكد- أن المملكة العربية السعودية ستعيد علاقتها الدبلوماسية بسورية بالقريب العاجل وتعيد فتح سفارتها بدمشق أسوة بما عملته مؤخراً العواصم العربية المقربة منها مثل الإمارات العربية المتحدة والبحرين والزيارة المفاجأة التي اقدَمَ عليها الرئيس السوداني حسن البشير -الذي هو الآخر لا يدور بعدياً عن الفلك السياسي الخليجي -خصوصاً بعد أن حاصرته الضائقة المالية والاقتصادية، وما قراره بإرسال قواته العسكرية للحرب باليمن ضمن التحالف العربي الذي تقوده السعودية إلا شاهداً على ذلك.
فالمنامة وأبو ظبي لم يقدما على خطوتهما تلك إلا بعد وضع الرياض بالصورة واستأذناها- إن لم نقل بأمرٍ- أو بإيعاز منها- كتمهيد الطريق لها وجس نبض الردود الدولية لاتخاذ فيما بعد ذات الخطوة, والتي ستكون مطلع هذا العام أو منتصفه على أبعد تقدير بحسب صحيفة التلغراف” البريطانية الاثنين الماضي.
وهذا التهافت الخلجيي والعربي المتسارع على دمشق ينسف أكذوبة محاربة هذه الدول لإيران باليمن وقطع يدها واقتلاع وجودها بالمنطقة من الجذور بحسب الزعم الخليجي.. إيران التي تتواجد بقضها وقضيضها بسوريا، وهي التي تصفها السعودية والإمارات والبحرين بالعدو الأول للشعوب العربية والمدمر الرئيس للمنطقة، بل وتصفها هذه العواصم -تماهيا مع الخطاب الأمريكي الإسرائيلي- بالدولة الراعية للإرهاب، وفجأت يتبخر كل ذلك ويصبر أثر بعد عين عن أصحاب القرار الخليجي الذين يخوضون حربهم باليمن لإرسال إيران الى خلف الشمس وقطع دابرها باليمن، التي لا يتواجد على ارضها جندي إيراني واحد كما هو حال في سورية أو العراق المتاخم للحدود السعودية الشمالية، وجزر طمب الكبرى والصغرى وأو موسى الإماراتية- .. فلم تتغير إيران في سورية حتى نرى هذا التحول الخليجي حيالها، كما لم يتغير النظام السوري بدمشق عن مواقفه تجاه إيران ولم يدر ظهره لها أو ييمم وجهه شطر القِبلة الخليجية كما اشترطتْ عليه الرياض ذات كشرط لتحسين علاقتها معه وإعادة فتح سفارتها هناك وإعادته شغل مقعده بالجامعة العربية- المجمّــد منذ أعوام بضغوط سعودية على الجامعة العربية.
وبإسقاط العلاقة السعودية والخطوات الخليجية المتسارعة الأخيرة تجاه سورية لكسب رضاء دمشق,وخطب ودِّها على علاقة هذه الدول بالحركة الحوثية المسنودة سياسيا من إيران وبحرب عاصفة الحزم سنجد التناقض الصارخ بذلك، وقول الشيء بشأن سورية ونقيضه بشأن صنعاء.. فالتُـهم التي كانت تطلقها هذه الدولة بوجه النظام السوري الى عهد قريب مثل: تُــهمة العمالة لطهران وبأنها دُمية بديها، وأنه نظام طائفي شيعي رافضي يقتل شعبه بالكيماوي والبراميل المتفجرة، هي ذات التُــهم التي ما تزال تطلقها هذه الدول على الحركة الحوثية باليمن وعلى القوى المتحالفة معها مثل المؤتمر الشعبي العام.. وبالتالي يكون من السذاجة على القوى اليمنية والجنوبية بالذات أن تظل مخدوعة بهذه الخطاب الذي تكشف الحقائق يوما إثر يوم عن ديماغوجيته وضحالته بل ومكيدته التضليلية على هذه القوى التي ما تزال للأسف أسيرة لهذا الخطاب الخليجي الزائف الذي لا يتورع من التحلّل من مفردات سابقة ليستعيض عنها بنقيضها حين يتسق ذلك مع مصالحها. فمثلما بات نظام الرئيس بشار الأسد في الخطاب الخليجي اليوم ملاكا رحيما بعد كان شيطانا رجيما، ستكون الحركة الحوثية و حزب الإصلاح اليمني -ذراع الحركة الإخوانية باليمن- كذللك في مفردات ذلك الخطاب..
فمثلما كان بالأمس قرار الحرب على سورية وارسال الجماعات المتطرفة والأموال لتدمير سورية، ومثلما كان قرار قطع العلاقة معها يصب في مصلحة الأمة العربية ويقطع الطريق على التدخل الخارجي في شئونها، فأن إعادة العلاقات معها اليوم يصب في مصلحة الأمة العربي ويقطع الطريق على التدخل الخارجي بالشأن السوري !!.. فستكون التسوية السياسية الخليجية مع الحركة الحوثية خدمة للأمة العربية وقطعا للطريق أمام التدخل الإيراني باليمن، والأيام بيننا….هكذا يحدثنا منطق الحقائق اليوم أنه سيكون بالغد، فلم يعد ذلك ضرب من المستحيل أو شيء من التكهن، فالذي جعل نظام بشائر الرافضي العلوي الشيعي –بحسب الخطابيَـن: الديني والسياسي الخليجي- يصير نظام عربي عيار 24 قيراط ستكون الحركة الحوثية كذلك ذات يوم باليمن، والضحية كالعادة هم العوام من الناس والبسطاء, وقود الحرب وحطبها المتقدة
فالمصالح الخليجية وحدها تُــجبُّ ما قبلها من خطابات ومن مواقف سابقة، بل وتعيد شقلبتها كلما أقضتْ الحاجة لذلك، كما أنها بذات الوقت ولذلك الحاجة تتخلى عن أدواتها وتدوس على رقاب حلفائها وشركاها كما هو الحال باليمن وبالجنوب بالذات الذي وضعت فيه كثير من القوى القضية الجنوبية تحت تصرف الخليج ورهن إشارته وجعلت من الجنوب حطب حرب أطماع توسعية, الدِّين والعقيدة والقومية العربية بريء منها براة الذئب من دم يوسف … فمَـــنْ يتعظ ؟!.