تنعقد القمة الاقتصادية العربية الرابعة في بيروت الأحد القادم، كانت القمة الأولى في الكويت عام 2009 وعنوانها «قمة التضامن مع الشعب الفلسطيني في غزة» المحاصرة مصريا- إسرائيليا وسلطة محمود عباس في رام الله. والقمة الثانية عقدت في شرم الشيخ في مصر، والثالثة عقدت في الرياض العاصمة السعودية. والقمة الاقتصادية الرابعة في بيروت تنعقد الأحد القادم. الملاحظ أن قمة الكويت الاقتصادية الأولى جعلت عنوان تلك القمة «قمة التضامن مع الشعب الفلسطيني في غزة»، القمم الأخرى لم تأت بذكر فلسطين ولا ماسأة أهلنا في غزة، وجاء ذكر فلسطين على استحياء في البيانات الختامية لتلك القمم.
تأتي قمة بيروت الاقتصادية الرابعة في ظروف عربية حالكة السواد، اليمن يحترق بأيد عربية ووحدته تتفكك بفعل قوى ما سمي «بقوات التحالف العربي»، الذي لم يبق من ذلك التحالف المادي غير السعودية والإمارات. ليبيا تسير نحو التجزئة والتفكيك، وأيضا بأيد عربية نفطية ومصرية، تلك القوى متبنية الجنرال الليبي المتقاعد خليفة حفتر المنشق عن إرادة الشعب الليبي، وفي معيته رهط همه السيطرة على السلطة والموارد. تونس تعتصرها أحداث تكاد تطيح بكل إنجازات الشعب التونسي العظيم، ولا جدال بأن رائحة البترول العربي هي خلف عدم استقرار تونس، قيادات تونسية لم تكن من نسيج الثورة الشعبية أتت إلى قمة هرم السلطة بوعود وتعهدات بانتشال تونس من براثن الأزمة الاقتصادية والبطالة، ولكن لم تف تلك القوى بما وعدت، قائد السبسي الذي أٌتِي به من مخلفات العهود الماضية بهدف إجهاض الثورة التونسية. السودان ينطبق عليه القول «منهم من قضى نحبه ومنهم من ينتظر» بمعنى أن حاكما قضى ثلاثين عاما وهو في السلطة استنفد كل محاولات النهوض بالسودان، في ظل حصار اقتصادي أمريكي وأوروبي وأيضا عربي، وخرج الشعب السوداني إلى الشارع في الأسبوع الماضي ينشد التغيير نحو الإصلاح.
قد يعتقد النظام السياسي في السودان أنه انتصر في كبح جماح الشعب السوداني المطالب بالإصلاح والتغيير، ولكني أقول إنه الهدوء الذي يسبق العاصفة. مصر تفترسها دبلوماسية تخويف الشعب المصري العظيم من المستقبل، إنه مجتمع تنهكه الندرة النقدية وارتفاع معدلات الأسعار والبطالة وانشغال الدولة بمحاربة الإرهابيين. الخليج العربي، مجلس التعاون الخليجي لم يبق منه إلا الاسم، سقطت هيبته عندما فرض بعض قادة المجلس الحصار على دولة قطر في حزيران/يونيو 2017 م، واستنزفت الإدارة الأمريكية عنوة أموال الخليج العربي والجزء الأكبر من مدخراته النقدية، سيكشف التاريخ أن بعض الدول الخليجية أنفقت أكثر من تريليون دولار بطريقة أو أخرى في مدة قصيرة؛ من أجل استرضاء أمريكا لتثبيتهم على هرم السلطة، ولم يكن حال العراق وسوريا في أحسن حال، فالطائفية تعشعش في ذينك القطرين العربيين. والحق أنها أمة مأزومة بإرادة حكامها القدامى والمحدثين.
في قمة الكويت الاقتصادية الأولى، أعلن قادتنا الميامين التزامهم بإعادة إعمار غزة بعد الحرب الإسرائيلية عليها، وطالب القادة العرب مصر والسلطة برفع الحصار عن قطاع غزة، وأعلنت دولة الكويت التبرع بـ 500 مليون دولار في مبادرة تنموية برأس مال ملياري دولار لتوفير الأموال اللازمة للمشاريع التنموية، بإدارة الصندوق العربي للإنماء الاقتصادي والاجتماعي الفلسطيني، وتبرع الملك عبدالله آل سعود بمبلغ مليار دولار لإعادة إعمار غزة، ومنذ تلك القمة حتى هذه الساعة لم يتم الوفاء بما تم الالتزام به تجاه أهلنا في غزة، بل ازاد الوضع سوءا؛ فالحصار المصري الإسرائيلي والسلطة العباسية ما انفك قائما، وفي تقديري أن أكثر الدول الخليجية وفاء تجاه أهل غزة هي دولة قطر، فمرتبات موظفي غزة ما برحت قطر تدفعها عندما تمتنع سلطة رام الله عن ذلك، والكهرباء والدواء والمستشفيات وتعبيد الطرق وإقامة المجمعات السكنية، كل ذلك قدمته قطر والإثبات على ما تقدمه قطر لإعمار غزة، ذلك واقع الحال على الأرض في غزة.
أصارحكم القول حكامنا الميامين، إن قمتكم الاقتصادية القادمة والمزمع عقدها في بيروت، التي حتى هذه الساعة لم تتشكل فيها حكومة وطنية منذ أشهر عديدة، إنها ليست مجدية وستعيدون أقوالكم السابقة، وقمتكم تلك ستكلف الخزينة اللبنانية ما يقدر بـ 15 مليون دولار، كان الأولى أن تصرف على قطاع الكهرباء والماء والبلديات في لبنان، بدلا من أن تصرف على وجودكم هناك. عن أي تنمية وأي اقتصاد ستتحدثون، والسودان محاصر من قبلكم (بكسر حرف القاف)، قطاع غزة وقطر محاصران أيضا، واليمن تتقاسمه السباع، والأمراض تفتك به وعجلة الإنتاج معطلة، وليبيا حدث ولا حرج، والصومال الغائب الموجود.
آخر القول:
القادة العرب الميامين، إن كنتم صادقين أوفياء لمواطنيكم، ارفعوا الحصارات آنفة الذكر، ارفعوا أيديكم معشر النفطيين عن السودان، احترموا شعوبكم وشاركوهم في رسم حاضرهم ومستقبلهم، واعلموا علم اليقين بأن أمريكا والغرب كله لن يحميكم وإنما سيستنزفكم، والحامي لكم بعد الله هو الشعب إن كنتم أوفياء له، وحرّمتم الفساد على أنفسكم، وأقمتم القضاء المستقل وقطعتم دابر الانتهازيين، فإن الله سيكون معكم.
* عن الشرق القطرية