عبدالوهاب العمراني

عبدالوهاب العمراني

كاتب يمني سفير في وزارة الخارجية اليمنية

كل الكتابات
حول محاولات إنقاذ إتفاق السويد
السبت, 26 يناير, 2019 - 11:31 مساءً

على خلفية حالة الاحباط والقنوط في الشارع اليمني الذي جعل من احتمالة حسم معركة الحديدة التي كانت على وشك الحسم وما تلى ذلك من تدخل دولي افضى للقاء (استوكهلم) فأن فشل مشاورات السويد غدت قاب قوسين او ادني ففي جردة حساب لما آلت إليه الامور في اليمن منذ نحو خمس سنوات ، يتضح لكل لبيب التالي:
 
إذا مفردة "لم تنفذ وقوبلت بتقاعس وتدليس ومكر" من ضمن تداعيات هذه الحرب وبعد أربع سنوات التأمت الأطراف في مشاورات السويد التي اقتصرت فقط على ثلاث قضايا وهي:
 
* الحديدة واعادة الانتشار
 
* تبادل الاسرى والمختطفين قسراً
 
* قضايا إنسانية وإشكالية تعز
 
فكيف لو افترضنا جدلا انخرطت الأطراف المتحاربة في مشاورات شاملة ومفاوضات بغية انهاء الحرب ومسبباتها يحتاج هذا لأكثر من لقاء ومحطة تفاوض ولنا في تجربة سوريا عبرة وخبرة ( جنيف الأولى والثانية والثالثة) و(استانة اكثر من مرة وكذلك منتجع سوشي ) ناهيك عن اكثر من لقاء في اكثر من عاصمة عربية ومع ذلك هزمت ثورة سوريا وعادت اطراف وأد الثورات لممالك النفط صاغرين.
 
•           الأمر الآخر إذا حوار وطني لتسعة اشهر تكفي لولادة جنين لكن ذلك الحوار الطويل لم يلد دولة مدنية بل أسقط صنعاء على اسنة الرماح رغم ان ميلشيا الحوثي طرف في ذلك الحوار ودخلوا وهم مجرد ميلشيا وليسوا بحزب وبأسلحتهم ، وفي نفس يوم احتلال  صنعاء وقع بسياسة الغلبة ما عرف باتفاق السلم والشراكة ، وهو في حقيقة الأمر لا اتفاق ، ولا سلم ، ولا شراكة .. بل بداية لفرض امر واقع.
 
•           إذا لم يوافقوا على كل ذلك في فترة ما قبل الحرب وسيطرتهم على مقدرات الدولة فكيف نتوقع ونفترض احتمالية الموافقة على مضمون القرار الدولي (2216) وهو يعني تسليم كل ما اكتسبوه لخصومهم.
 
•           الحركة الحوثية بعد حوثنة الدولة لأربع سنوات في الجيش والامن والمخابرات والقضاء والتربية والإعلام وحتى الأوقاف وخطباء المساجد . فكيف نتوقع جنوحهم للسلم ، فإذا كانت الشرعية لم تتقدم قيد أنملة من فرضه نهم وذلك بتواطئ وتخاذل ومكر التحالف ، فأن كلا من التحالف والحوثي خلال فترة الحرب كلا منهما يسوغ للآخر فالتحالف نظريا وإعلامياً يحارب المجوس وإيران وعمليا يحارب عودة الشرعية ، والا لماذا لم تتحول 80% من المناطق المحررة في اليمن منذ ثلاث سنوات ونصف ولماذا لم تصبح عدن نموذج يقتدى ..؟
 
•خلاصة ما حدث ويحدث في اليمن في نقاط :
 
تتلخص قضية اليمن منذ اكثر من أربع سنوات في النقاط التالية :
 
* تأمر الإقليم عربا قبل العجم لوأد الثورة اليمنية 2011م ضد اعتى حكم متخلف وعميل حكم اليمن في العهد " الجمهوري" ومنح من لا يحق له منح حصانة لمن لا يستحق وهو الرئيس السابق وقد نكل بالمرحلة الانتقالية وتفرغ للانقلاب من اليوم التالي لخروجه الشكلي من الحكم ، وكل عذاب السبع سنوات من اجل رئيس من بعدي اسمه احمد.
 
* كان اليمن يتفاخر بربيعه العربي بأنه بأقل الخسائر وتميز بحوار وطني استمر عشرة أشهر انتهى لمسودة دستور ومشروع دولة فدرالية ولكن بدأ الانقلاب تدريجيا بمساعدة وإسناد الدولة العميقة برئاسة الرئيس السابق الذي جعل من المؤتمر " مسمار جحاء " للاستمرار في لعب دور تخريبي وإفساد المرحلة الانتقالية.
 
ساند الإقليم عربا قبل العجم في إسقاط صنعاء وبداية من عمران ولم يكن الدور الإيراني في اليمن إلا بعد 21 سبتمبر 2014م.
 
* قبل هذه الحرب باسابيع بدأت ميلشيا الحوثي بالتحرش بالسعودية وأقامت مناورات واستعراضات بالقرب من الحدود السعودية.
 
* أسقطت الحركة الحوثية المدن تباعا حتى وصلت لعدن وقبلها احتجزت وسجنت الرئيس الشرعي عبد ربه منصور هادي وفلت منها وفر هاربا لعدن وتراجع عن استقالته ، فلحقته الطائرات الحوثية المؤتمرية للدولة العميقة الى عقر داره ولو بقت الطائرات لكانت اليوم تقصف اليمنيين ببراميل متفجرات كما يفعل الرئيس السوري.
 
* تدخلت السعودية وقادت تحالف من أربعة عشر دولة ورحب كثير من اليمنيين لكن للأسف كانللتحالف مأرب أخرى غير تحرير اليمن بل ساعدوا على تقوية شوكة الحوثي واليوم وبعد أربع سنوات اقوي من أي وقت مضى بل اصبح يهدد كل مدن السعودية وقصفها بعشرات الصواريخ.
 
* الهزيمة المعنوية الكبرى الذي تلقاها اليمنيين كانت بسبب ركونهم على التحالف.
 
* رغم ان معظم مناطق الجنوب قد تحررت منذ ثلاث سنوات ويتباهى التحالف بأنه قد حرر 80% من مساحة اليمن لكن الحال في مدن الجنوب اسواء مما هو عليه في المدن والمناطق التي يسيطر عليها ميلشيا الحوثي !
 
ولهذا لم تصبح عدن " نموذج يقتدى " وعليه فالمواطن في مناطق الشمال يتسأل هل "نتحرر" كي تصبح صنعاء والحديدة وسواهما مثل عدن !
 
* بسبب انقلاب صالح والحوثي تسبب في انخراط اليمن في هذه المرحلة وانزلاقه للعبة الأمم وأصبح اليمن ورقة في إحدى بؤر التوترات في المنطقة للمقايضة.
 
*اصبح اليمنيين منذ نحو عامين بدون مرتبات وعدد المنتسبين موظفي الدولة والجيش والمتقاعدين يزيد عن المليون يمني يعولون نحو خُمس السكان.
 
* توقفت الصادرات من نفط وغاز ومنتجات زراعية وثروة سمكية فتدنت قيمة العملة اليمنية خلال اربع سنوات لتصل اكثر من ثلاثة اضعاف عما كانت قبل الحرب.
 
* صنعاء التي كانت بكهرباء ضعيفة في زمن فساد صالح انقطعت تماما منذ اربع سنوات ، وهو الأمر نفسه لخدمات الماء والمحروقات من نفط وغاز منزلي.
 
* تسبب انقلاب صالح والحوثي لشرخ اجتماعي وتفكك النسيج الاجتماعي واستقطاب سياسي وطائفي ومناطقي لم يسبق له مثيل.
 
* اصبح نحو ثلاثة ملايين بدون عمل ، ونحو اربعة ملايين مهجر منهم مليون مهاجر خارج اليمن وثلاث اضعافهم أي ثلاثة ملايين داخل اليمن.
 
تم تدمير البنية التحتية للطرقات والجسور والمصانع والبيوت والآثار ، وغدا ثلث طلبة المدراس خارج صفوف الدراسة او مشاركين في الحرب.
 
نكبة اليمن اليوم هي ان الشعب ضحية التنكيل به من قبل الغازي "الوطني" والخارجي ، والهزيمة المعنوية الكبرى الذي تلقاها اليمنيين كانت بسبب ركونهم على التحالف.
 
اخيراً سلام يفرض على أسنة الرماح وفوهة البنادق وبالاستقواء بالخارج من اجل فرض امر واقع اتى هو الأخر بسياسة الغلبة واغتصاب السلطة ليس سلاماً مستداماً بأي حال من الاحوال ، فامريكا والاقليم وغيرهم ليسوا على كل شئ قدير ، السلام بأي ثمن هو مجرد ترحيل للصراع ليس إلا ، وهو في الجملة يتناقض مع روح القوانين وغاية السياسية النبيلة وقيم الغرب المتحضر، وصدق الكاتب والشاعر والرئيس السنغالي الأسبق سنغور عندما قال: "بينما كانت راية الحرية والعدالة والمساواة ترفرف في ربوع فرنسا، كان الظلم يٌجرى دُهاقاً في مستعمراتها..!"
 
* كاتب وسفير في الخارجية اليمنية.

*مادة خاصة بالموقع بوست.

التعليقات