ازدواجية صناعة القرار الإيراني .. استقالة ظريف انموذجا
الاربعاء, 27 فبراير, 2019 - 09:01 مساءً

عقب استقالة وزير الخارجية الإيراني محمد جواد ظريف الإثنين الماضي تحدث الكثير من المحللين والمراقبين والمتخصصين في الشأن الإيراني عن أسباب هذه الاستقالة المفاجئة وتأثيراتها على المشهد السياسي في إيران والسياسة الخارجية الإيرانية ومن الطبيعي أن تثير استقالة الدبلوماسي الإيراني الأول كل هذه الضجة فإيران دولة مؤثرة إقليميا ولها نفوذها وعلاقاتها الدولية كما أن ظريف رغم تاريخه القصير على رأس الخارجية الإيرانية حقق نجاحات كبيرة أبرزها بلا شك خروج " الاتفاق النووي الإيراني " إلى حيز التنفيذ في عام 2015م وان كان قد تلقى هذا الإنجاز انتكاسة كبيرة بخروج الولايات المتحدة الأمريكية منه إلا أنه من وجهة نظر الكثير من المراقبين حقق مكاسب كبيرة لطهران وما يزال يمثل أرضية صالحة للبناء عليها خاصة مع الجانب الأوربي كما أن مجيء رئيس أمريكي آخر غير ترمب قد يعيد العمل بالإتفاق النووي الإيراني أمر وارد جدا.
 
الدكتور جواد ظريف دبلوماسي محترف خريج من جامعة دنفر الأمريكية في حيث تخصص في العلوم السياسية وتمحورت أطروحته للدكتوراة حول الدبلوماسية والقانون الدولي والعلاقات السياسية وتتجاوز نجاحات ظريف " الإتفاق النووي الإيراني " فقد بذل جهودا كبيرة في التسويق لإيران في العالم فهو يدرك كيفية مخاطبة النخبة الأمريكية والأوربية واقناعها بأهمية الدور الإيراني في ترسيخ السلم العالمي والأمن والاستقرار في الشرق الأوسط وقد تحدث في هذا الإطار في محافل دولية ومنتديات عالمية وكتب في صحف عالمية مرموقة مثل النيويورك تايمز والواشنطن بوست وغيرها.
 
حتى اللحظة التي اكتب فيها " فجر الأربعاء" لم يتم البت في طهران بشكل نهائي بشأن استقالة ظريف فمن المحتمل قبولها وتعيين دبلوماسي آخر على رأس وزارة الخارجية ومن المحتمل ايضا عودته والعدول عن الاستقالة وبغض النظر عن بقاء ظريف أو رحيله فإن السياسة الخارجية الإيرانية لن تتغير اذ أنها تمضي في الخطوط العريضة التي حددها الدستور الإيراني ووفق الدور الإيراني الخارجى الذي تبلور على مدى أربعة عقود من الثورة الإيرانية في فبراير شباط 1979م لكن من المؤكد ان الدبلوماسية الإيرانية ستخسر في حال مجيء شخصية أخرى غير ظريف وإلى اي مدى ستكون الخسارة هذا ما سيتضح لنا في المستقبل.
 
* ازدواجية صناعة القرار في إيران !
 
من وجهة نظري فإن استقالة ظريف تمثل جانبا من أزمة النظام الإيراني العميقة والمتمثلة في ازدواجية صناعة القرار في إيران بين مؤسسة الرئاسة التي تضم الحكومة بوزاراتها وبين مؤسسة المرشد الأعلى التي تتحكم بصناعة القرار الإيراني بشكل كبير بحيث تبدو الرئاسة والحكومة في كثير من الأحيان مقيدة وعاجزة عن ممارسة صلاحياتها ناهيك عن اصلاحاتها أو مشاريعها التي قدمتها للناخبين أو التي تحاول تنفيذها في أرض الواقع ؛ لقد وجد ظريف نفسه مهمشا لصالح مستشار المرشد للشؤون الخارجية علي أكبر ولايتي والذي يمتلك في الواقع صلاحيات أكبر منه كونه يعمل تحت جناح المرشد الأعلى صاحب الكلمة الفصل واليد الطولى في المشهد السياسي الإيراني حتى انهم لم تتم دعوة وزير الخارجية لاستقبال الرئيس السوري بشار الأسد وهذا من بديهيات السياسة ان يكون وزير الخارجية حاضرا عند استقبال الرؤساء والمسؤولين الأجانب كونه جهة الاختصاص بينما كان ولايتي حاضرا.
 
ومن وجهة نظري ليس هذا ما دفع ظريف للاستقالة اذ ان هناك أمورا كثيرة قد تراكمت حتى طفح الكأس وفاض الكيل كما انه لا يوجد خلافات بينه وبين الرئيس روحاني على الأقل من وجهة نظري كباحث متخصص في الشأن الإيراني ويتابع بدقة تفاصيل المشهد الإيراني بالعكس هناك انسجام وتكامل بين ظريف وروحاني ولو كانت هناك خلافات فعلا لقبل روحاني باستقالة ظريف بشكل فوري لكنها رفضها وهو يسعى لإعادته إلى عمله ولكن بعد تلبية مطالبه وانتزاع صلاحياته التي صادرها مستشار المرشد للشؤون الخارجية ولايتي.
 
* الصراع بين الرئاسة وتيار المرشد الأعلى
 
رغم ان مؤسسة الرئاسة الإيرانية وفي اطارها وزارة الخارجية تعمل في إطار الخطوط العامة التي حددها الدستور الإيراني وفي اطار توجيهات وسياسات وتوجهات المرشد الأعلى خامنئي إلا انها تصطدم كثيرا بتيار المرشد الأعلى ومكتبه وممثليه ونفوذهم القوي حتى تجد نفسها عاجزة ومقيدة بشكل كبير ولعل هذا ما سيقودنا إلى الحديث عن فترة الرئيس خاتمي التي شهدت صراعا حادا بين مؤسسة الرئاسة بقيادة خاتمي ومؤسسة المرشد ونفوذه فقد جاء خاتمي إلى السلطة ببرنامج جديد وقدم وعودا كبيرة لناخبيه وكان ينوي الانفتاح بإيران على محيطها الإقليمي والدولي وترسيخ ثقافة الحقوق والحريات والانفتاح بالخطاب الديني وتلبية تطلعات الشباب وأحلام الشارع الإيراني لكنه اصطدم بنفوذ مؤسسة المرشد الأعلى وسلطة التيار الأصولي المحافظ الذي حاربه بشراسه حتى أنهم قاموا باعتقال غلام حسن كرباستشي رئيس بلدية طهران والمقرب من خاتمي والمحسوب على التيار الاصلاحي حيث زوجوا به في سجن " أوين " الرهيب بطهران ولفقوا له تهما عديدة وكبيرة رغم نزاهة الرجل وشعبيته واصلاحاته وانجازاته وكانت تلك رسالة قاسية لخاتمي بعدها تم الافراج عن غلام كرباستشي بتسوية بين الجانبين تدخل فيها المرشد خامنئي.
 
لقد وجد خاتمي نفسه اعزلا مجردا من صلاحياته رغم شعبيته الجارفة في الشارع اذ نال أكثر من عشرين مليون صوت في الانتخابات الرئاسية وبفارق كبير أمام خصمه المحسوب على المرشد علي اكبر ناطق نوري إلا انه تم تقييده رغم ان البرلمان حينها كان اغلبه من الاصلاحيين المؤيدين لخاتمي ورغم ان خاتمي يومها حاول تنفيذ اصلاحاته من منطلق صلاحياته الرئاسية ومؤيدوه في البرلمان والشارع الايراني وبعض المؤسسات الإعلامية الا انه فشل ولم يحقق سوى بعض النجاحات الجزئية واصطدم بسلطة التيار الأصولي المتشدد المستند إلى سلطة المرشد ونفوذه والمؤسسات التي يقودها ويهيمن عليها وبدلا عن تنفيذ خاتمي لاصلاحاته فشل في الحصول على صلاحياته كرئيس منتخب ورغم فوزه بفترتين رئاسيتين إلا انه غادر الرئاسة بالكثير من الإحباط وبقليل من النجاحات والانجازات التي انتزعها من بين مخالب تيار المحافظين بقيادة المرشد الأعلى صاحب الصلاحيات المطلقة والسلطة الواسعة والذي يجسد بما يمثله في النظام الإيراني حالة استثنائية بكل المقاييس.
 
* متى ستنتهي ازدواجية صناعة القرار الإيراني ؟!
 
الازدواجية في صناعة القرار بين المرشد الأعلى وتياره ورجاله وبين مؤسسة الرئاسة وفي اطارها الحكومة الإيرانية والتي تجد نفسها في كثير من الأحيان عاجزة ومقيدة ستظل تمثل عمق أزمة النظام الإيراني رغم ان الجميع يسعون لأهداف واحدة مشتركة لكن الإختلاف يكمن في التفاصيل والأساليب والوسائل ولذا ستظل هذه الأزمة قائمة طالما بقي المرشد الأعلى وتياره ورجاله على رأس السلطة في إيران وبكل تلك الصلاحيات والنفوذ والسلطة وظلت الرئاسة والحكومة مجرد جهات تنفيذية بصلاحيات محدودة ومصادرة ولم يتم إعطاءها الصلاحيات المطلوبة للقيام بدورها ومسؤولياتها وحتى يتم تحديد صلاحيات المرشد والحد من نفوذه وهو ما يبدو بعيدا إلا بثورة تصحيحية داخل النظام الإيراني نفسه لكن من الممكن إعطاء الرئاسة والحكومة لصلاحياتها وإيجاد آلية للتكامل والتنسيق بين الجانبين رغم أن هذا يبدو هو الآخر أمرا بالغ الصعوبة خلال هذه الفترة على الأقل نظرا للوضع الاشكالي للمرشد الاعلى وصلاحياته ونفوذه وتغول تياره واحكامهم القبضة على مؤسسات الدولة ورؤيتهم المتشددة كحراس للثورة الإسلامية ما جعلهم يحولون الرئيس والوزراء إلى مجرد موظفين عاجزين عن ممارسة صلاحياتهم.

التعليقات