عبدالوهاب العمراني

عبدالوهاب العمراني

كاتب يمني سفير في وزارة الخارجية اليمنية

كل الكتابات
مسيرة الإصلاح في تعز هل تصنف ببرجماتية الضرورة؟
الأحد, 31 مارس, 2019 - 07:59 مساءً

كل يوم تظهر حقيقة الأحزاب والحركات التي تتدثر بالدين وسواها فبينما الحركة الحوثية تتحدث عن نفسها بأفعالها بصورة واضحة دون مواربة مستندة لميزان القوى الذي تأتى بالغلبة وتواطئ مكونات محلية وإقليمية ودولية ، والاستفادة من حالة التناقضات واختلاف الخندق المناهض لها .. نرى في النسخة الأخرى من المكونات السياسة التي تتلبس الدين كالتجمع اليمني للإصلاح غدا مفضوحا في ببرجماتيته واسلوبه الديماغوجي ،
 
والحق انه كان له شعبية حتى سقوط عمران ومنذ ان فرض الحوثي نفسه أمر واقع في منتصف عام 2014م تراجع مريديه وانصاره بشكل لافت وملحوظ في أكثر من محطة تاريخية في الخمس السنوات الماضية بدا بتماهيه مع الحوثي بعد سقوط صنعاء وتوالت زيارات قيادات سياسية إصلاحية وغيرها لصعده كتبت عنها مقالة بعنوان موسم الهجرة للشمال واقصد صعده وليس عنوان للرواية الشهيرة للطيب صالح.
 
تجلى ذلك فيما سمى بأتفاق السلم والشراكة الذي وقع في نفس يوم سقوط صنعاء متماهي مع فرض أمر واقع على أسنة الرماح مرورا بتأييده عاصفة الحزم وقبعت قياداته خارج اليمن في الدولة التي يتهمونها بأنها تحارب الإصلاح.
 
فالإصلاح الذي يقول ان الإمارات في عدن قاتلة الأئمة وصانعة السجون السرية وراعية كل الانتهاكات بينما في تعز يرفع صور قادة دول التحالف ومنها الإمارات ويصفها بأنها الشريك في عاصفة الحزم والطرف الذي افشل المشروع الإيراني ، وبداهة يتضح لاي لبيب بأن هذه الانتهازية المقيتة في ابشع صورها ويوكدون من يوم لآخر بأن الإصلاح حزب انتهازي بامتياز.
 
اجمالاً وفق مسوغات واقع الحال في المشهد السياسي اليمني وفي ظل الصراعات السياسية إذا لم تكن طرفا (مُستَقِلًا) فلا تكن كَرتًا (مُستَغَلًا)
 
يرى بعض المراقبين بأن هناك ايعاز خارجي لهكذا فعالية في تعز فبعد مسيرات"رفض العدوان"التي شهدتها مدنٌ تحت سلطة الأمر الواقع الحوثية ، لم يعد للتحالف سوى الاستنجاد بـ"حزب الإصلاح الاخونجي" كما يردد دائماً الإعلام السعودي الإماراتي، ليقوم برد الاعتبار لهذا التحالف الذي أثبت عبر أربع سنوات أنه يستهدف اليمن لا سواها ، وقد تكون هذه الرواية صحيحة فالسياسة مصالح من كلا الجانبين الأحزاب اليمنية والتحالف فصديق اليوم عدو الامس والعكس صحيح !
 
واليوم من ضمن معوقات الحل والاستقرار واستمرار هذه الحرب هي استغلال الإصلاح فلن يرضى عنه الإقليم مهما تلون.
 
والإصلاح مثله كبقية الأحزاب لم تعد ديمقراطية مركزية داخل التنظيم نفسه بحيث بقت القيادات المحنطة هي من تسير الأمور كبقية الأحزاب ومنها المؤتمر في ضل قيادة الرئيس السابق سوا في سنوات حكمه او خروجه الشكلي من السلطة حتى مقتلة.
 
هذه الأحزاب جميعها أخطأت أكثر مما أصابت ، لكننا اليوم أمام برجماتية مفرطة بل ومفضوحة فمهما قيل من تبرير لتسويق الخطأ فإن هناك أبعادا كثيرة أغفلت في الحسابات سلبا وعكسا. والسياسة ليست ترضية خاطر لطرف والمغامرة بأطراف عدة بعضها محب وبعضها متربص.
 
ليدرك الاصلاح وغيره بأن أدوات السياسة كثيرة ومتعددة وأساليبها متنوعة تغني السياسي في حركته، وعندما تضيق العقول تضيق الخيارات ويظل العمل بذات الأساليب المكشوفة والمضرة من ناحية اخرى .
 
مسيرة الإصلاح الاخيرة في تعز ووفق مسوغات واقع الحال في محافظة تعز واليمن عموما كمن يحرث في البحر ، وعلى خلفية ردود أفعاله نتيجة إحساسه بأن الجميع يحاربه ومحاولات شيطنته منذ انبلاج ثورة الربيع العربي في نسخته اليمنية فأن المتابع والمراقب اليمني وغير اليمني عند نظرته للإصلاح يخلط بين قياداته القابعة في الدولة الرئيسية في هذا التحالف وهي الدولة التي ينتقدها كثير من رموزه وقواعده عبر الإعلام ، ويخلطون بين قواعده العريضة التي في الداخل والتي اغلبها أما في السجون او في جبهات القتال مكبلة بقيود واعتبارات مواقف سياسية للخندق المناهض للانقلاب او عناصر في حالة يأس وانسحبت بهدوء وبقت في محافظاتها وبين مجموعات انتهازية اغلبها في مظاهرة تعز اليوم ، وبين أقلية صغيرة ممن يوصفون بالإصلاحيين وهم خارج اليمن وفي غير الدولة التي يتملقون لها وهؤلاء هم أقلية وكثير منها ليست إصلاحية بالضرورة وبعضها قد تنصل من الإصلاح نفسه سوا فصل او انفصل عنهم . الوضع والموقف حساس للغاية وهناك خيط رفيع بين الوطنية الحقيقية والتملق الزائف لكن اغلب الناس لم يتضح لهم ذلك الخيط الرفيع.

وخيرا للإصلاح ان ينسحب ما تبقى له من الحكومة ويتركها تماما للتحمل المسؤلية حتى آخر المطاف ، وفي حال إلحاحه بالتشبث بفتات السلطة ويلهث وراء المناصب كما فعل في نفس حقبة ما بعد مرحلة خروج علي عبدالله صالح الشكلي حيث بقى نصف وزراء المؤتمر والدولة العميقة خمسين في المئة شكليا وفعليا أكثر من هذا ، بينما بقية الأحزاب تولت النصف الباقي ومنها الإصلاح ورغم أخطاء وايجابيات فترة باسندوة لكن كل ماهو سلبي أتهم الإصلاح مع انهاء أخطاء وسلبيات الحكومة كلها من ضمنها نحو 18 وزيرا مؤتمرياً وبضع وزراء من أحزاب أخرى .
 
رغم قدم حزب الإصلاح لكن إشكالية بقاء قياداته المتعفنة جعل تأثيرة شبه مشلول وهو الأمر نفسه في اغلب الأحزاب اليمنية ليست فيها ديمواقرطية مركزية داخل التنظيم ومنها بداهة المؤتمر ، لكن الفارق ان المؤتمر كان بيده مقدرات دولة انتهى الأمر لوصول اليمن لهذه الحالة للأسف .
 
عند فرضية انتهاء هذه الحرب بشكل أو بأخر وعلى افتراضية أخرى دخلت هذه الأحزاب في تسوية شراكة مع الحوثي ستذوب حتماً وتفقد بعض قواعدها وتخسر ما تبقى من مصداقيتها ،.
 
لا نريد للأحزاب اليمنية الضعيفة ان تعيد تجربة ما بعد ثورة 11 فبراير سوى كان الإصلاح او غيرها .. كلها أحزاب فاشلة ومتآمرة .. فلا نحمل فقط المؤتمر الذي أصبح من الماضي .
 
لسان حال الكثيرون تجاه ما جرى ويجري: يكفي انتهازية وتذبذب طالما الإصلاح بهذا الضعف والجبن والخيانة ومن هنا أنصح حزب الإصلاح أيضا وهذا في مصلحة اليمن ومصلحته هذا التنظيم السياسي أيضا ان يتزامن انسحابه من الحكومة كليا ان يغادر السعودية فهذا ليس من مصلحة اليمن ولا مصلحة الإصلاح نفسه .. حتى يحفظ ما تبقى له من كرامة هذا إذا لازال لديه ذرة كرامة، يذكرنا بفترة صراع ما قبل حرب 1994م بين المؤتمر والاشتراكي وكانت القيادة برأسين مسوغ كلا منهما للأخر ليلقى تهم الفوضى والعبث للآخر، وهاهو اليوم يتكرر بصورة مصغرة مقارنة بتلك الحقبة .
 
وأتوقع أن الزمن كفيل بصقل المجتمع اليمني ونخبه السياسية التي أخفقت على مدى قرن من الزمن فشل النُخب الحاكمة لليمن بين عصرين ملكي وجمهوري كان السمة المشتركة للفترتين، وحتى تداعيات الربيع العربي أتت في حالة ضعف وتقهقر لمقومات الدولة!
 
ومن رحِم المعاناة رآي عام يمني حقيقي يتشكل فالزمن كفيل بتوضيح ما ألتبس لعامة الناس فيما يخص ما جرى ويجري خلال سنوات المحنة وتحديداً منذ منتصف 2014م مرورا بسقوط صنعاء المدوي وتداعياته في هذه الحرب التي قد لا تنتهي قريباً وقد تنتهي يوما ما بصيغة أو بأخرى.
 
لا بديل مناسب للحوثي إلا تيار وطني نظيف يولد من رحم المعاناة وليس إعادة تدوير الدولة العميقة وتدوير الفساد سلمياً عبر تقاسم تحت عنوان التوافق وهذا بداهة لن يتحقق فتجريب المجرب ضربا من الحماقة.

 
* كاتب وسفير في الخارجية

التعليقات