عبدالوهاب العمراني

عبدالوهاب العمراني

كاتب يمني سفير في وزارة الخارجية اليمنية

كل الكتابات
موسم ربيع الثورات مجدداً
الجمعة, 12 أبريل, 2019 - 06:55 مساءً

أتى البشير بانقلاب وغادر السلطة بانقلاب وما بينهما ثلاثة عقود حافلة بسجل حافل بالإحداث في السودان أهمها انفصال شماله عن جنوبه، وهي طبيعة الأنظمة الشمولية في جمهوريات العسكر العربية التي عصف بها محاولات رياح التغيير والذي وأد في بداياته.
 
وكما كانت نهاية 2010 إرهاصات ربيع تونس الذي سرعان ما انتقل لعدة عواصم في بضعة اسابيع اللافت ،تجدد الربيع العربي في نهاية 2018 رغم الدروس القاسية من تأمر الثورات المضادة وهذا بداهة يعكس إرادة الشعوب التي لا تقهر يذكرنا بنهاية 2010 عندما اظرم "البوعزيزي" نفسه أشعل الربيع في اكثر من عاصمة وحرك المياه الراكده في مسألة العلاقة بين الحاكم والمحكوم ودور الاسلام السياسي والجدل الفكري الذي ضل مجرد تنظير في بطون الكتب مع ان الواقع دموع ومأسى ودخان وباروت.
 
الإقليم الذي وأد ثورات الربيع العربي يريد إعادة إنتاج الدكتاتوريات ، ليتم المقارنة بأنظمتهم لاستمرارها مع انه عودة لحقبة الخمسينيات والستينيات لجمهوريات العسكر العربية ، ولهذا يدأب بتدوير أنظمة ليبيا واليمن كما حدث في مصر على سبيل المثال ، مألآت العربي من إشكالية بين الحاكم والمحكوم الى قضايا أخرى مستحدثة " محاربة الإرهاب ، وتأسيس أنظمة تعتمد على المحاصصة المناطقية والطائفية .
 
من المفارقات بأن مألآت ومقدمات الربيع العربي تتقارب وتتساوى في الأسباب وغموض في النهايات ، فالسودان راهن على الجيش وحدث بالفعل ، وفي الجزائر الجيش يراهن على الشعب ولهذا فثورته تقف على أسس قوية إلى حد الأن .. بينما في اليمن الجيش والشعب يراهنون على الإقليم عرباً كانوا أو عجم!
 
صحيح ان الشارع السوداني قد اجمع على فرحة إسقاط البشير وبعد السكرة تأتي الصحوة ما ان غابت شمس الخرطوم يوم الانقلاب حتى بدأت التكهنات للامتحان الأصعب لحقبة العسكر الجديدة هل ستطول وكيف سيكون موقف الشارع المستمر لنحو أربعة أشهر ، لكن من طبيعة الثورات ان يتفرق الجمع باختلاف الرؤى لطبيعة المرحلة .

سرعان ما كان للانقلاب صدى واسع دوليا في عواصم كبرى ودول الإقليم تحديدا ، جاءت المواقف الدولية متحفظة بشأن التطورات في السودان، بعد إعلان الجيش، الإطاحة بالبشير  والتحفظ عليه ، مع تشكيل مجلس عسكري يتولّى إدارة البلاد لمدة عامين، فيما طالبت محكمة الجنايات الدولية بتسليم البشير.

فواشنطن أعلنت بأن رأس السلطة الجديد في السودان لايزال على لائحة العقوبات الأمريكية تماما  مثل زعيم ميلشيا الحوثي في اليمن او نجل الرئيس المخلوع القابع في الإمارات ، وهذا يوحي بأن أيادي الإقليم عبث بثورة السودان .
 
بينما أعلن لاتحاد الأوروبي أنه يراقب عن كثب آخر التطورات في السودان، داعياً جميع الأطراف إلى تجنب استخدام العنف فالمتحدثة باسم مفوضية الاتحاد الأوروبي "مايا كوتشيغانيتش" إن الاتحاد يتابع عن كثب تطورات الأوضاع في السودان، وبأنه في اتصال دائم مع الحلفاء لمناقشة التطورات ، في حين مصر وبلدان الخليج أبدت ارتياحا ، بينما طالبت المحكمة الجنائية الدولية السلطات السودانية، بتسليم البشير تنفيذاً لقرار صادر عن مجلس الأمن الدولي.
 
أن المحكمة لا تعلق على الأوضاع الداخلية في أي بلد، أما البشير فقد أصدرت المحكمة أمرين بالقبض عليه ولا يزالان ساريَي المفعول.

لا زال الوقت مبكر في التهكن بمألات الأزمة في السودان وبداهة ستتضح الصورة في الساعات والأيام المقبلة ليتحدد من الذي نجح في جر الآخر إلى مربعه ليتمكن من تحقيق هدفه على حساب الآخر في السودان هل الجيش ام الشعب بمعنى هل نجح تكتيك الثوار في جر العسكر إلى مربعهم من خلال استدعاء الجيش الى مساعدتهم في الإطاحه بالبشير وبهذا يكونوا قد نجحوا في الإطاحة بالبشير من الداخل واختصار مشوار الثورة الطويل وإحداث ثغره في صفوف النظام ثم مواصله العمل الثوري ضد بقيه النظام بما فيهم العسكر أنفسهم وهذا ما تجلى بعد بيان الانقلاب من خلال الرفض الواسع من قبل الثوار لبيان العسكر الذي اسموه بالانقلاب ، الأرجح ان دور الإقليم اقوي من تأثير المتظاهرين الجيش ليقوم بهذا الحدث الذي سيعيد كل شيء إلى المربع الأول ، هل هو محاكاة لدور الجيش بعد في بعض البلدان التي عصفت بها رياح الربيع العربي.

الفارق الكبير في الحراكين الجزائريّ والسودانيّ، أنّ الأوّل ظلّ مدنيًّا، وأن الجيش لعب دورًا إشرافيًّا، ولم يستولِ على الحُكم، وظل قائده الفريق أول أحمد قايد صالح مُلتَزمًا بالدستور وعدم اتّخاذ أيّ خطوات تُشكّل انتهاكًا له، بينما كان تصرّف الجيش السوداني نقيضًا لهذا النّهج، وتدخّل الجيش مُباشرةً واستولى قائده ووزير دفاع البلاد على الحكم دون مواربة.
 
فهل من قبيل المصادفة تشابه قيادات التحولات في عواصم وادي النيل شماله او جنوبه كلاهما من مواليد نفس العام وليس فقط من المؤسسة العسكرية بل برتب مشابهة فريق وأوكل إليهما المخابرات العسكرية وقبل انقلابهما عينهم من انقلب عليهم وزيرا للدفاع.
 
* كاتب يمني وسفير في الخارجية

التعليقات