مع احتدام حدة الصراع في بؤر عربية استجدت مؤخراً لتضيف ربيعاً في احتجاج الشعوب المنكوبة بحكامها ، لم تطوى صفحة ثورات اندلعت قبل نحو أربع سنوات سوا في اليمن او ليبيا.
إشكالية اليمن ما بعد الربيع العربي تحولت مألاته للتقسيم او لمواجهة الإرهاب وليس لإشكالية بين الحاكم والمحكوم من اجل الاستبداد والقضاء على الفساد.
فبينما اليوم التحالف المنقسم على نفسه على المحك فإذا لم يكن واضحا وحاسما فمن باب أولى الأمم المتحدة "الغير متحدة" في حال لم تضع عيدروس الزبيدي المتزحم لحركة تمرد وتغاضي الحكومة الشرعية وكذا المجتمع الدولي مقارنة بميلشيا الأمر الواقع في صنعاء وكأنها تؤسس لواقع موازي آخر .!
ويفترض بداهة ان تضم قائمة الأمم المتحدة إضافة لأسرة الرئيس السابق وبعض قيادات حوثية أيضاً من يعبث بالمناطق المفترض بأنها "محررة ".
فحسب القرار الاممي فأن شرعنة الانقلاب في صنعاء سيكون من بوابة عدن ، فتماهي آمال الانقلابيين في صنعاء وعدن لا يلقى موقفا صارما من الإقليم والمجتمع الدولي متمثلا في عواصم عربية وإقليمية تحديداً.
لا يجرو الحوثي البوح برغبته موافقته على انفصال الحراك الجنوبي ، لكنه يسعى ذلك وتتماهى في قرار عواصم إقليمية فبوادر الانقلاب الجديد يحضى بإسناد عربي في حين قرينه السابق يحضى بتغافل وتذاكي عربي ودعم ايراني واضح.
في الجملة تماهي مألات الربيع العربي في نسخته اليمنية والليبية في البدايات والنهايات، سوا في مهادنة ساسة الداخل او الإقليم، وسوا في نفاق المجتمع الدولي أو المبعوث الدولي، ومن ورائهم الامم المتحدة وكأنها عملية نسخ ولصق !
تتضح الرؤية اليوم في حصار طرابلس من جنوبها، كما حدث لصنعاء في حصارها من قبل ميلشيا الحوثي الذي كان سببا في حرب اليمن مع الحركة الحوثية.
رغم ان الحالة الليبية كما الحكومة الشرعية في اليمن تحضى نظرياً بسلة من القرارات الافتراضية الأممية عدة تدين تمرد حفتر وتدعوا لحل سلمي ومع ذلك يقف العالم اليوم "بين قوسين " مذهولا فلا اتفاق الصخيرات ولا مساعي المبعوث الاممي ولا تطمينات المجتمع الدولي فلا ملتقى الليبي المفترض الجامع سيعقد طالما قد فرض منطق الغلبة تماما كما فعل الحوثي او ميلشيا الحراك في جنوب اليمن . فجأه وبدون مقدمات لمن لم يتابع الشأن الليبي ، جيش الجنرال العجوز حفتر رجل القذافي في تشاد على أعتاب طرابلس ، يحاول فرض منطق الخمسينيات وجمهوريات العسكر في الالفية الثالثة يذكرنا بحصار ميلشيا الحوثي على تخوم صنعاء قبل سقوطها المدوي أمام مرأى المجتمع الدولي وتواطئ الإقليم عربا قبل ان يكونوا عجم في المسألة الليبية لا وجود ليد الفرس المجوس لكن تم الاستعاضة بالإرهابيين والمقصود وأد الربيع العربي والمجئ بنظام عسكري بديلا عن ألقذافي، تماما كما يراد لليمن اليوم سوا في صنعاء او عدن.
الإقليم الذي وأد ثورات الربيع العربي يريد إعادة إنتاج الدكتاتوريات ، ليتم المقارنة بأنظمتهم لاستمرارها مع انه عودة لحقبة الخمسينيات والستينيات لجمهوريات العسكر العربية ، ولهذا يدأب بتدوير أنظمة ليبيا واليمن كما حدث في مصر على سبيل المثال ، مألآت العربي من إشكالية بين الحاكم والمحكوم الى قضايا أخرى مستحدثة ” محاربة الإرهاب ، وتأسيس أنظمة تعتمد على المحاصصة المناطقية والطائفية.
. ثمة مقاربات بين ما يجرى في ليبيا واليمن في البدايات والنهايات فعلى سبيل المثال وعلى خلفية احتدام المعارك في ليبيا وبعد محاولة فرض أمر واقع تتداعى صيحات بأن الحل سياسي ولكن بعد تغييرات على الأرض وسبق لما حدث في صنعاء ومؤخرا عدن تصبح حقيقة الحل السياسي هي الأصل بينما رؤية طي صفحة مجرد عنف "لأطراف متحاربة" ، وليس صراعا بين حكومة شرعية وحفنة من الانقلابيين.
فعلى سبيل المثال لو تأملنا في تصريحات الحكومة الشرعية في ليبيا و"المعترف بها دوليا" تقول : لا نقبل فقط إدانة ووقف حصار ومعارك طرابلس بل نطالب بالقبض على حفتر!.
وهو الأمر نفسه للحكومة الشرعية في اليمن "المعترف بها دولياً" أيضاً يصدر البرلمان الذي اجتمع مؤخراً بعد انقطاع يؤكد بأن ميلشيا الحوثي حركة إرهابية.
من المفارقات بأن مألآت ومقدمات الربيع العربي تتقارب وتتساوى في الأسباب وغموض في النهايات ، فالسودان راهن على الجيش وحدث بالفعل ، وفي الجزائر الجيش يراهن على الشعب ولهذا فثورته تقف على أسس قوية إلى حد الأن .. بينما في اليمن الجيش والشعب يراهنون على الإقليم عرباً كانوا أو عجم !
ومقولة الروائي الفرنسي اللبناني الاصل لا تخرج عن هذا السياق عندما قال : أمين "أنا على يقين بأن من سيكتبون التاريخ بعد مئة عام سيقولون إن النفط لم يحقق الثروة للعرب إلا التعجيل في هلاكهم " !
في البعد الأخلاقي فأن حكومتي اليمن وليبيا مع الحق ، وتتناغم مع رغبات شعبيهما ولكن الآمال والطموحات وما يفترض شئ وواقع الحال شئ آخر .
نحن في عصر يضيع فيه الحق إذا لم تسنده قوة !
ما فائدة الفجر إذا لم نصحى ، ولولا السراب لمات الضمأن يأساً !
* كاتب وسفير يمني