كشف وزير خارجية الإيراني محمد جواد ظريف خلال زيارته لأنقرة بالأمس عن توصل طهران وأنقرة لاتفاق على وضع آلية تجارية شبيهة بالآلية التي وضعها الاتحاد الأوروبي للتعاون مع طهران بعيدا عن العقوبات الأمريكية والتبادل التجاري بين البلدين بالعملة المحلية وتعزيز التعاون بين تركيا وإيران في المجالات السياسية والإقليمية والدولية .
والتساؤلات التي تطرح نفسها هنا : كيف استطاعت إيران وتركيا تجاوز صراعات الماضي وخلافات الحاضر إلى تعاون كبير في مختلف المجالات ؟!
وكيف استطاعت إيران وتركيا رغم الاختلافات الأيدولوجية والمذهبية وتباين الرؤى حول بعض قضايا المنطقة تعزيز العلاقات وتطويرها والوصول إلى شراكة اقتصادية وتنسيق سياسي في الكثير من قضايا المنطقة ؟!
... ولماذا يقضي أبسط خلاف دبلوماسي في دولنا العربية على العلاقات بين الدولتين ويتم طرد السفراء وإغلاق الحدود وإيقاف كل أشكال التعاون ؟!
هذا المقال هو مقاربة تحاول رصد تطور العلاقات الإيرانية التركية من الصراع والحروب إلى التعاون والشراكة لتشكل انموذجا حيا للتفكير وفق منطق المصالح المشتركة رغم كل جروح الماضي وخلافات الحاضر والاختلافات المذهبية والتباين في الرؤى والتوجهات .
تعد العلاقات الإيرانية التركية وتطورها المثير خلال السنوات الماضية مادة خصبة للدراسة والنقاش والتأمل الذي من المفترض أن يفضي إلى الاستفادة من هذه التجربة الثرية التي تؤكد للدول العربية التي تنظر بعين الريبة للعلاقات الإيرانية أن صراعات الماضي وخلافات الحاضر والاختلاف المذهبي والسياسي والتباين في الرؤى والمواقف لا يمكن ان تظل حاجزا أمام تحقيق المصالح المشتركة وشق قنوات التعاون والتنسيق والتكامل اذا وجدت الإرادة وحسنت النوايا ووجدت الرؤية العقلانية والتفكير الإستراتيجي .
صراعات الماضي تدعم التعاون في الحاضر
تشكل صراعات الماضي عند الدول التي تتجه لتجاوز الماضي وتغليب لغة المصالح المشتركة رافعة لزيادة هذا التعاون والتقارب على قاعدة " يكفينا حروبا وصراعات " و " حان الوقت لتجنيب شعوبنا ويلات التناحر وتداعيات الصراع " وعلى العكس يمكن استخدام صراعات الماضي وذاكرة التأريخ الدامية كدافع للمزيد من القطيعة والتناحر يبقى الأمر منوطا بتوجه الدول وسياساتها التي بإمكانها تطويع الماضي والحاضر لما يخدم المستقبل .
لقد اتجهت إيران وتركيا بعد مئات السنوات من الصراع والحروب بين الدولتين العثمانية والصفوية إلى التعاون والشراكة رغم التأريخ الماضي الدامي حيث أستمرت الحروب بين الدولتين أكثر من 3 قرون والتي بدأت في معركة " جالديران " 23 أغسطس آب 1514م واستمرت الحرب تشتعل نارها وتنطفئ ثم تشتعل من جديد حتى يوليو تموز 1823م حيث معركة " أرضروم " بين الدولة العثمانية والدولة القاجارية وريثة الدولة الصفوية وعقب هذه المعركة الدامية بأيام بدأت تركيا العثمانية وايران القاجارية بالتفكير بشكل مختلف لتفتح الدولتين صفحة جديدة حيث تم توقيع اتفاقية " أرضروم " التي وضعت حدا للحروب بين البلدين .
وخلال القرن العشرين اتجه البلدان إلى سياسة التعاون والتقارب وفي 22 أبريل نيسان 1926م وقع البلدان في طهران «معاهدة صداقة» تنص مبادئها على الصداقة والحياد وعدم الاعتداء على بعضهما بعضًا ومواجهة التطلعات الكردية الساعية للانفصال عن الدولتين .
وفي 23 يناير كانون الثاني 1932م وقع البلدان في طهران معاهدة ترسيم حدود نهائية وللوقوف أمام المد السوفيتي والخطر الكردي ليأتي " حلف بغداد " في منتصف الخمسينات من القرن الماضي استمرارا لهذا التقارب والتعاون بين البلدين وليضم إلى إيران وتركيا وبريطانيا والعراق وباكستان .
• دوافع التعاون والتنسيق بين البلدين
عقب الثورة الإسلامية في إيران في 11 فبراير شباط 1979م شهدت العلاقات بين إيران وتركيا نوعا من الفتور والتراجع والتقارب والتباعد وظلت العلاقات الإيرانية في فتور وتراجع حتى جاء حزب العدالة والتنمية التركي إلى السلطة بتركيا وتبنيه سياسة " تصفير المشكلات " وتقوية أواصر التعاون مع جيران تركيا ليفتح أبواب التعاون والشراكة مع كافة جيران تركيا إضافة إلى توجه طهران للاستفادة من الجار التركي وخاصة وهي تواجه عقوبات أمريكية قاسية ووضع اقتصادي صعب حيث تسعى لتجاوز العقوبات الأمريكية والنهوض بواقعها الإقتصادي بتعزيز شراكتها مع دول المنطقة وزيادة التبادل التجاري معها والاستفادة منها بتصدير نفطها إليها إضافة إلى إدراك طهران ان التقارب الإيراني التركي من بوابة الإقتصاد سيفضي إلى فتح قنوات التفاهم والتنسيق حول الوضع المعقد بسوريا والعمل على تفكيك عقده هو ما تحتاجه إيران لاستتباب الوضع بسوريا وتصفية الجبهات المشتعلة وتثبيت دعائم نظام الرئيس بشار الأسد بعد سنوات من الحرب الضروس بسوريا .
كما وجدت طهران وانقرة أن التعاون والتنسيق بينهما فضلا عن كونه سيحقق المصالح المشتركة للبلدين هو ضرورة لتجاوز العقوبات الاقتصادية الأمريكية المسلطة على هاتين الدولتين وان الوضع السوري المعقد يحتاج ولو الحد الأدنى من التنسيق والتفاهم بين إيران وتركيا وروسيا إضافة إلى توحد رؤية إيران وتركيا حول مخاطر الأنشطة والتحركات الكردية كتحدي مشترك للبلدين خاصة بعد بروز النزعة الانفصالية لدى أتراك العراق وتبنيهم استفتاء على الإنفصال عن العراق في 25 سبتمبر أيلول 2017م وتصويت أغلبية الكرد بالاستقلال عن العراق بنسبة 92% ورغم ان هذا الاستقلال لم يتم لأسباب عديدة الا أنه عزز المخاوف الإيرانية التركية من انتقال عدوى الاستقلال إلى المناطق الكردية في البلدين وهو ما يدفعهما إلى مزيدا من التعاون والتنسيق فضلا عن حدود المشتركة بين إيران وتركيا والتي يدرك قادة البلدان بأنه يجب ضبطها وترتيب الوضع الأمني بالحدود إضافة إلى متغيرات ومستجدات كثيرة في المنطقة تفرض هذا التعاون والتنسيق وتجعله ضرورة رغم كل صراعات الماضي والاختلافات في التوجهات والتباين في الرؤى حول قضايا المنطقة.
دوافع التعاون والتنسيق بين البلدين
عقب الثورة الإسلامية في إيران في 11 فبراير شباط 1979م شهدت العلاقات بين إيران وتركيا نوعا من الفتور والتراجع والتقارب والتباعد وظلت العلاقات الإيرانية في فتور وتراجع حتى جاء حزب العدالة والتنمية التركي إلى السلطة بتركيا وتبنيه سياسة " تصفير المشكلات " وتقوية أواصر التعاون مع جيران تركيا ليفتح أبواب التعاون والشراكة مع كافة جيران تركيا إضافة إلى توجه طهران للاستفادة من الجار التركي وخاصة وهي تواجه عقوبات أمريكية قاسية ووضع اقتصادي صعب حيث تسعى لتجاوز العقوبات الأمريكية والنهوض بواقعها الإقتصادي بتعزيز شراكتها مع دول المنطقة وزيادة التبادل التجاري معها والاستفادة منها بتصدير نفطها إليها إضافة إلى إدراك طهران ان التقارب الإيراني التركي من بوابة الإقتصاد سيفضي إلى فتح قنوات التفاهم والتنسيق حول الوضع المعقد بسوريا والعمل على تفكيك عقده هو ما تحتاجه إيران لاستتباب الوضع بسوريا وتصفية الجبهات المشتعلة وتثبيت دعائم نظام الرئيس بشار الأسد بعد سنوات من الحرب الضروس بسوريا .
كما وجدت طهران وانقرة أن التعاون والتنسيق بينهما فضلا عن كونه سيحقق المصالح المشتركة للبلدين هو ضرورة لتجاوز العقوبات الاقتصادية الأمريكية المسلطة على هاتين الدولتين وان الوضع السوري المعقد يحتاج ولو الحد الأدنى من التنسيق والتفاهم بين إيران وتركيا وروسيا إضافة إلى توحد رؤية إيران وتركيا حول مخاطر الأنشطة والتحركات الكردية كتحدي مشترك للبلدين خاصة بعد بروز النزعة الانفصالية لدى أتراك العراق وتبنيهم استفتاء على الإنفصال عن العراق في 25 سبتمبر أيلول 2017م وتصويت أغلبية الكرد بالاستقلال عن العراق بنسبة 92% ورغم ان هذا الاستقلال لم يتم لأسباب عديدة الا أنه عزز المخاوف الإيرانية التركية من انتقال عدوى الاستقلال إلى المناطق الكردية في البلدين وهو ما يدفعهما إلى مزيدا من التعاون والتنسيق فضلا عن حدود المشتركة بين إيران وتركيا والتي يدرك قادة البلدان بأنه يجب ضبطها وترتيب الوضع الأمني بالحدود إضافة إلى متغيرات ومستجدات كثيرة في المنطقة تفرض هذا التعاون والتنسيق وتجعله ضرورة رغم كل صراعات الماضي والاختلافات في التوجهات والتباين في الرؤى حول قضايا المنطقة .
• جوانب من التعاون الإيراني التركي
تسعى إيران وتركيا للوصول بحجم التبادل التجاري بينهما إلى 50 مليار دولار سنويا بعد أن وصل حجم التبادل التجاري بين البلدين إلى 21 مليار دولار وهذا المستوى الكبير من التبادل التجاري والشراكة الاقتصادية هي ثمرة لجهود متواصلة خلال السنوات الماضية من اللقاءات والمنتديات الاقتصادية والزيارات المتبادلة بين طهران وأنقرة حيث أفضت إلى تفاهمات وتوقيع اتفاقات مشتركة في مجالات الطاقة والاستثمار والسياحة والاتفاق على تزويد إيران لتركيا بالبترول مقابل أن تقوم تركيا بإعادة تأهيل سكة حديد خط إرماق – كرابوك ؛ والذي تقدر تكلفته بثمانين مليون يورو وتأسيس أكثر من 100 شركة تركية في إيران إضافة إلى تبادل اليورانيوم واستيراد تركيا للنفط والغاز الإيراني مقابل إنجاز مشروع نقل الغاز الطبيعي الإيراني إلى أوروبا من خلال مشروع خط أنابيب الغاز الطبيعي عبر الأناضول بقدرة سنوية أولية تصل نحو 16 مليار متر مكعب يمكن أن تتضاعف خلال سنوات كما تظهر البيانات الصادرة عن إدارة الجمارك الإيرانية أن تركيا كانت الشريك التجاري العاشر لإيران في العالم خلال العام 2018م .
كما أن التعاون بين البلدين تجاوز المجالات الاقتصادية والسياحية إلى تعاون وتنسيق في الجوانب الأمنية والعسكرية حيث تم الاتفاق في 17 أغسطس آب 2017م على تعزيز التعاون العسكري بعد محادثات في أنقرة بين رئيس أركان القوات المسلحة الإيرانية والقادة الأتراك حيث التقى حينها الرئيس التركي أردوغان ووزير دفاعه برئيس أركان الجيش الجنرال الإيراني محمد باقري في مباحثات تركزت على تنسيق الجهود بين البلدين من أجل ارساء الأمن والاستقرار في سوريا .
• درس هل تستوعبه الحكومات العربية ؟!
تمثل العلاقات الإيرانية التركية المثيرة للاهتمام تجربة ثرية ومثالا للتعاون والتنسيق بين الدول التي تفكر وفق رؤية استراتيجية ووفق منطق المصالح المشتركة رغم كل العوائق والاختلافات المذهبية والتباينات السياسية وهو درس لم نستفد منه في المنطقة العربية حيث تتوقف العلاقات وتتعطل المصالح لمجرد تصريح صحفي يفتقر للحصافة أو زلة لسان أو موقف ناقد أو تباين في الرؤى السياسية كما حدث ويحدث بين رؤية قطر من جهة والإمارات والسعودية ومصر والبحرين من جهة أخرى لقضايا المنطقة ما أدى إلى مقاطعة هذه الدول لقطر وحصارها ومحاولة غزوها عسكريا وانفاق قطر وهذه الدول الأربع لمليارات من الدولارات في حرب باردة وفي صراع نفوذ في المنطقة وهي امكانيات مهدورة كان يمكن لو وجد الحد الأدنى من التفاهم والتعاون والتنسيق على غرار العلاقات الإيرانية التركية أن تستفيد شعوب العربية في هذه الدول من هذه الإمكانيات التي للأسف تذهب لتغذية صراعات إقليمية كما يحدث في ليبيا واليمن وربما تدخل السودان والجزائر على خط الصراع العربي العربي إضافة إلى جهود هذه الدول التي تبذلها لتأليب المجتمع الدولي والدول الكبرى ضد بعضها البعض وتسجيل مواقف وحملات دبلوماسية وإعلامية وهو ما يؤكد أن قيادات الدول العربية في الغالب ما تزال بعيدة عن الرؤى المنطقية في علاقاتها البينية وبعيدة عن التفكير الاستراتيجي وتغليب لغة المصالح المشتركة .
* باحث متخصص في الشأن الإيراني