المعركة في تعز تشتعل بأدوات محلية.
تلك الأدوات تعمل لصالح الأطراف الأساسية، بمعنى هي معركة بين السعودية والإمارات في المقام الأول، والسلاح الذي يحمله الطرفين في تعز قادم من هاتين الدولتين.
الحساسية والصدام بين السعودية والإمارات يشتعل تدريجيا، وفي أكثر من مكان داخل اليمن، وبدأت ملامحه تطفو وتظهر، والعديد من المواقف أفرزت هذه التطورات.
الطرف الموالي للإمارات في تعز أصبح معروف وواضح، ويضم في تشكيلته كل الأطراف التي أذابت تناقضاتها الفكرية وشعاراتها الحزبية لصالح مشروع الإمارات الواضح في توجهاته وأهدافه الممتدة منذ سقوط صنعاء، وهم قطيع يتشكل من بقايا حزب صالح الذي هاجر من صنعاء بعد ديسمبر 2017 ومن اليسار المتطرف الغارق في أحقاده الماضية، ومن اليمين المتطرف أيضا ممثلا بالسلفيين المهجرين من دماج، والذين جرى توزيعهم على أكثر من محافظة ومدهم بالسلاح، وإشباع غريزة التطرف لديهم في مثل هكذا مشاريع.
الطرف الموالي للسعودية يتشكل من حزب الإصلاح الذي يتشبث بالسعودية رغم النكسات التي يتلقاها، ورغم معرفته اليقينية بخبث السعودية وتوجهاتها الجديدة، لكنها يرى أن البقاء تحت معطفها وتلقي الضربات والصبر على ذلك أهون من التفلت منها، والخروج عنها.
وإلى جانبه هناك شخصيات وجموع من حزب المؤتمر الموالي للشرعية بحكم بقاء الشرعية ذاتها في السعودية، وترى في ذلك حفاظا على مصالحها، وبقائها متصدرة للمشهد في تعز.
هذا التصعيد القتالي في تعز كتجلي للصراع المستتر بين السعودية والإمارات، تجسد في تلك الأطراف، ويعد أرفع حالة واضحة لذاك الصراع، ويتجه إلى مرحلة كسر العظم، وييبدو أنه لامجال للتراجع إلا بانتصار هذا الطرف، وهزيمة ذاك الطرف.
في تعز لا يبدو المكان مهما بالنسبة للسعودية والإمارات إلا في التغلب على حزب الإصلاح هناك، وتحقيق ما لم يتحقق في سبتمبر 2014م، وتبعا لذلك انقسم الموقف الحكومي الذي يعيش مرحلة صمت مطبقة مع موقف الدولتين، و بدا الانقسام ظاهرا على شخصياته ومسؤوليه الذين انشطروا لشطرين.
في الضالع كانت المعركة بين السعودية والإمارات هي أحد أسباب الفشل والهزيمة، وجاء التقدم الحوثي مجسدا لذروة الصراع بين الدولتين هناك، ويتقدم الحوثي اليوم باتجاه الجنوب بفعل عدم الثقة التي تتزايد يوما بعد آخر بين الدولتين، وسعي كل دولة لتوريط الأخرى، أو إلحاق الضرر بها وبأطرافها المساندين.
نفس الوضع يتكرر في سقطرى، حيث ترتفع حالة الضيق بين جيش الدولتين من الآخر، وسعي كل طرف لتكون كلمته هي العيا هناك.
السعودية التي وضعت كل ثقتها في السابق على كاهل حليفتها الإمارات تجد نفسها اليوم تدفع فاتورة كبيرة جراء تراكمات أربع سنوات من الحرب التي بدت فيها الإمارات المتحكمة في مشهدها وأشخاصها ونطاقها سواء فيما يتعلق باليوم كحاضر يمضي، أو لترتيبات المستقبل.
انعقاد جلسة مجلس النواب في سيئون وليس في عدن كانت ضربة موجعة للسعودية من حليفتها الإمارات، ومن الواضح أن الرياض لن تسكت تجاه ذلك الحدث الذي أظهرها كطرف ضعيف في اليمن أمام تعنت الإمارات وإصرارها على ما تريد.
المحافظات الشرقية من شبوة ومارب والجوف والمهرة وحضرموت تبدو أكثر حضورا لدى الجانب السعودي، الذي يحتفظ برمزية الدولة، ويتحرك بدثارها، وتحت غطائها، ويرغب في بقاء الدولة كشكل ورقي توفر له المشروعية ليتولى هو كل شيء هناك.
تحاول السعودية اليوم التخفف من وطأة الحرب في اليمن، عبر الظهور بمظهر المسالم والمتطلع للعمران والبناء من خلال برنامج الإعمار الذي تتبناه، رغم هشاشته، وتحوله لظاهرة إعلامية، في مقابل استمرار الصلف الإماراتي المتبني للتشكيلات العسكرية البعيدة عن الصفة الرسمية.
الفارق اليوم أن السعودية في وضع مشتت، فلا هي قادرة على التخلي عن حليفتها الإمارات، ولا قادرة على نصرة حلفائها المحليين الذين ترغب أيضا أن لاتكون لهم الكلمة العليا، ولا يكونوا طرفا ثانويا، بينما الإمارات تبدو أكثر وضوحا في سياستها وأجندتها وأهدافها، بدء من سقوط دماج حتى سقوط صنعاء ثم عاصفة الحزم، ثم تحرير عدن وما تلاها من تطورات، ورغبتها في دعم الإنفصال، واستخدامها مختلف الوسائل والأشخاص في مواجهة جماعات الإسلام السياسي.
هذا المشهد المعتم يستفيد منه الحوثيون إلى درجة كبيرة، سواء على مستوى تقديم وضع مثالي لمناطق سيطرتهم، أو على مستوى التفاوض السياسي أمام المجتمع الدولي، من خلال ظهورهم كطرف أكثر تنظيما وأكثر استقرار، وما كان ذلك ليحدث لولا الغباء وتمايز الأجندة لدى السعودية والإمارات.
المؤسف اليوم أن يصبح اليمنيون ضحايا الدولتين، وهم من يدفع فاتورة الصراع، وهم من يتحول لوقود في معركة، يراد لها أن تظل مفتوحة لتلتهم البلد، ورجاله، ودولته.