يحاول الفنان القدير محمد الأضرعي أن يطور من أدائه وقد اتحفنا هذا الموسم(4) بأداء خال من الطائفية عابرة الحدود، أتذكر أني انتقدتُ قبل غيري أدائه الطائفي في المواسم السابقة، واعترضت على اقحام إخواننا شيعة العراق وإيران في الصراع السياسي اليمني.
وحتى مع افتراض أن هناك تداخلاً بين ما يجري في بلادنا وبين ما يجري في المنطقة، إلا أن الرضوخ للطائفية يُفقد قضيتنا بُعدها الوطني، ويجعلنا نركض بلا انقطاع في مضمار مسميات الشيعة والسنة وهي مسميات من الأرشيف ولم تعد واقعية ولا يوجد هناك من يدين بمثل هذه العنصريات الهابطة في عصر معرفة الله وفي ظل الإنسانية وقيم المواطنة؛ كالعدالة والمساواة والحرية.
في هذا الموسم يقوم "غاغة" بتناول المشكلة بمسمياتها الحقيقية وينتقد الهاشمية السياسية في أقذر تجلياتها؛ الحوثي ومشرفيه وواقعه الذي يريد فرضه على الناس. سخرية موجهة تستحق التقدير، إلا أنها تُؤدي دور الإعلام الموجه و الممول وتسير بإتجاه واحد وتغمض أعينها عن الإتجاه الأخر لخذلان اليمن واليمنيين، فنجد تعامي غاغة عن الشرعية الفاسدة والفاشلة وعن التحالف الذي انحرف مساره.
على كل أنا هنا لا أُقيم غاغة من منظور سياسي، ولكني أقيمه بناءً على نص تحول إلى أداء فني ساخر، ففي حلقتين إلى اليوم على الأقل طغت فكرة التصالح بين اليمنيين، وهذا شيء طيب لكن اختزالهم في حزبي المؤتمر والإصلاح غير مقبول، وهذا توجه سياسي طوباوي مبني على الأمنيات، تم تناوله في غاغة على أساس قبلي مأخوذ من ثقافة الأخ الأكبر ومن فكرة سياسية برجماتية نفعية قائمة على التقاسم بين الأخوين، و سياسياً عرفت هذه المعضلة في وقت سابق بعد 2011 بالمحاصصة.
أنا مع من يقول أنه لا يوجد قبيلة في اليمن، والموجود فقط مسميات قبلية جوفاء، وتم التخلص من بقايا القبيلة خلال القرن الماضي، وجاء الانقلاب وكشف الغطاء عن هذا الوهم المسمى قبيلة، لم يعد في المناطق القبلية "ثنائية" الشيخ والسيد، بل "أحادية" السيد.
مسمى القبيلة المتبقي هذا لم يحافظ على أصول القبيلة ولا على أعرافها وبالتالي هو لا يستطيع إنتاج ثقافة ولا معرفة ولا أن يخلق رأي عام، وسواء أتفق الأخوان المغفلان المؤتمر والإصلاح أو لم يتفقا فلم يعد لهما وجود فعلي في الواقع، لقد كرسا قبلياً معاني الهيمنة والإستحواذ، وجاء فرخ الهاشمية السياسية الحوثي واستحوذ على كل شيء نيابة عنهما.
اليمن ليست القبيلة ولا الأخوين "حزبي النطلة" ولا الجهوية ولا المناطقية وليست الشيخ ولا السيد، اليمن أرض وشعب وحضارة وثقافة وكل هذه المسميات قد عبثت بها، ومحاولة تصوير الصلح بين الأخوين سيحقق انتصاراً يكذبه الواقع وتكذبه الجبهات، إذا أردنا توحيد الصف علينا التخلي عن مخلفات القبيلة وعن سياسات الضم والالحاق والمناطقية والاستحواذ والاحتواء والسيطرة الكاملة، وكلها أفعال بشعة أسهمت في إسقاط الدولة، واستعادة الدولة لن يكون سوى بالتطهر منها وبالنقد والنقد الذاتي، وبالتراجع عن الأخطاء لا بممارستها تحت مسميات مختلفة و مبررات لا نهاية لها.
ثورة الوعي الشاملة لن تكون بثقافة الأخوين "غاغة ومفراغة" وإنما تنطلق من الإيمان بكل مكونات شعبنا وبتنوعه وبالاعتراف بفشل كل أحزابنا المستوردة والتي لم تنتج فكرة يمنية واحدة خالصة، ولم تقم على أساس فلسفة المجتمع الذي انتجها، وإنما انفصلت عنه وميزت نفسها بمسميات وسلوكيات شائنة، إلى أن مكنت الهاشمية السياسية من النيل من اليمن دولة وحضارة وهوية وشعب.
لابد من إعادة تشكيل المجتمع اليمني وفقاً لمكوناته المجتمعية والمهنية والثقافية والتنموية بعيداً عن الاستيلاء والسيطرة المذهبية والمناطقية والحزبية، وبهذا التشكيل الجديد للمجتمع ستكون اليمن على الطريق الصحيح، بلا أحزاب - الأخ الأكبر- وبلا ثنائيات الشيخ والسيد وبلا عنصريات وبلا عرقية وطبقية ومناطقية وبلا مشاريع صغيرة متعثرة.
*خاص بالموقع بوست