مايحدث في المحافظات الجنوبية اليمنية من أعمال إجرامية، وفوضوية، تكشف بما لايدع مجالاً للشك وقوف قوى الهضبة الزيدية، خلفها بشكل مباشر، وغير مباشر ، ضمن مسلسل جرائمها الكثيرة خلال الثلاثين السنة الماضية.
وتتجلى الأحداث المؤسفة الأخيرة التي استهدفت محافظة (عدن) ضمن سيناريوهات أجنحة النظام السابق العسكرية، بقيادة الانقلابي الأبرز على الشرعية ( طارق عفاش)، حيث أقدمت مؤخراً مجموعة "جنوبية " إلكترونياً، على التحريض ضد أبناء المحافظات الشمالية البسطاء، بتهم شتى، عقب تعرض " أبو اليمامة" وآخرين لعملية إرهابية.
لاشك أن هذه الأعمال التي تعرض لها العمال، غير منطقية، وسخيفة بكل ما تعنيه الكلمة من معنى، موّلتها مطابخ أمنية قذرة، مباركة ما يسمى "المجلس الانتقالي الجنوبي" والذي أصبح قيد أجندة قوى الهضبة الزيدية، والتي نجحت في احتوائه منذ وقت مبكر.
هذا ما تكشف عنه مواقف" الانتقالي" السياسية إزاء كل ما يتعرض له الجنوب، وأبناء " الشمال" ولو لم يكن هذا المجلس الجنوبي، والحوثيون جناحًا للنظام العفاشي السابق، لأشار الأول إلى ضلوع الحوثيين بالتفجيرات الأخيرة التي استهدفت عدن، رغم إعلان الأخير مسؤوليته عنها.
هذا من جهة، ومن جهة أخرى، فإن ترحيل "بسطاء المحافظات الشمالية" عمل ممنهج، تقف خلفه أجنحة " عفاش" لإعطاء صورة سلبية لدى المُرحَّلين بأن الحوثيين، والعفافيش، أكثر إنسانية من الجنوبيين، وهو ما حدث بالفعل، حيث استقبلت " سلطات ( صنعاء) الانقلابية، الكثير منهم، ليس بدافع إنساني بحت، ولكن للمزايدة السياسية القذرة.
ما يؤكد ما ذهبنا إليه من أن جماعة الحوثي، والانتقالي الجنوبي، جناحان يخدمان ( النظام السابق)، وحتى لو استدعينا فرضية عدم تورط العفاشيين، في تمويل طرد ومضايقة عمال شماليين، فإن هذه الأعمال، بمعزل عن من يقف خلفها، تخدم بالأساس القوى الزيدية. وليس مستبعداً أن يقوم " طارق عفاش" باستثمارها في الأيام القادمة، كقوات شعبية، لمهاجمة الجنوب، تحت نفس الشعار الذي أطلقه عمه عفاش قبيل حرب الانفصال" الوحدة أو الموت".
مثل هذه الأعمال، التي أوجعت الضمير العام، والمتمثلة بطرد عمال بسطاء، يجري التخطيط لها على نار هادئة في مطابخ أمنية عفاشية، امتداداً لما جرى لهؤلاء العمال البسطاء، في العام 2016، وقتذاك.
مابين الأمس، واليوم، نجح الانقلابيون الحوثيون، والعفاشيون، من استثمار هذه الممارسات "الجنوبية" فكان أغلب من عادوا من عدن، إلى تعز، بالذات، ولسان حالهم السلبي يقول : الحوثيون والعفافيش، الذين دمروا مدينتنا، أفضل من الجنوبيين،ما ولَّد لديهم عدم الرغبة للمشاركة في الانخراط مع" المقاومة" التعزية آنداك.
يقيناً..إنه إذا ما كانت الشرعية تمكنت من فرض سلطتها، لتحققت المزيد من الانتصارات على الأرض، عسكريا، وسياسياً، واقتصادياً، وتنموياً، في النهوض بيمن يتمتع بالنظام والقانون، ولتكشفت الكثير من فضائح النظام السابق، والذي ظل، ولايزال يقف عائقاً أمام الشرعية كعدو تاريخي لليمن، وبتواطؤ ودعم بعض دول الخليج، ( السعودية - الإمارات) خصوصاً.
إذا ما أردنا معرفة حقيقة أعداء اليمن التاريخيين، لاكتشفنا الحقيقة الكاملة في قوى الهضبة الزيدية، أعداءً حصريين لليمن، وعلى رأسهم " العفاشيون"، نقطة من أول السطر.
صار واضحاً أن قوى الهضبة الزيدية، بلا استثناء، تقاتل من أجل يمن، تكون فيه" اليد العليا" كرأس هرم سلطوي، على بقية القوى السياسية، المنتمية جغرافياً لمحافظات الجنوب، بالذات، وبقية مناطق البلاد، تذكّروا هذا ملياً.
وهنالك ما هو أكثر، لما يخفى من أدوار إجرامية، وسيناريوهات خطيرة، ستتضح يوماً بعد آخر، للمتحكمين بمصير الشعب اليمني، والذين كانوا ولايزالوا يقفون حائلاً أمام كل مساعٍ إيجابية، للخروج باليمن من قبضة قوى لاترى إلا نفسها، أهلا بحكم اليمن، جيلاً وراء جيل، ويالها من قبضة حديدية، صادرت كل أحلام اليمنيين، في بناء "اليمن الكبير"!! ففرضت وصايتها عليه، متجاوزةً الكثير من المبادرات، كـ"وثيقة العهد والاتفاق، في العام 1994، ومخرجات الحوار الوطني الشامل، ومسوّدة دستور اليمن الاتحادي"، في العام 2015، ناهيك عن تجاوزها لعشرات المبادرات الحزبية، والعربية.
هذه السياسيات، بالطبع، هي من قادت البلد إلى ثورة 11 فبراير العظيم، "ثورة ربيعية"، رغم ما صاحبها من أخطاء، وليس في هذا الأمر، اعترافاً بعدم مشروعيتها، لم تأت من فراغ، أو ضمن أجندة " الربيع العبري" كما يحلو لأعدائها وصفها، بل جاءت بعد أن بلغ فساد نظام صالح أعلى درجاته، فولّد غضباً شعبياً للمطالبة برحيله.
وليس صحيحاً أن صالح رفع المصحف، دليلاً على قبوله بالاحتكام لكتاب الله، ولكن، لاستعطاف الشعب، وإيهامهم بأنه مع حقن الدماء، وهو بذلك كمن يقول : تعالوا نتحاور على هدى كتاب الله، ولكن، كما أريد، وليس كما تريدون أنتم".
أيضاً، ليس صحيحاً أن عفاشاً وافق على إجراء إصلاحات سياسية، واقتصادية، أو أنه قَبِل بعزل مسؤوليين متورطين بقضايا فساد، بل على العكس، حشد مناصريه إلى الساحات، في ثورة مضادة لثورة الشباب السلمية، ولم يقبل بمطالبهم المشروعة، فقمعهم بالرصاص الحي، في أكثر من جريمة، أشهرها " مجزرة جمعة الكرامة" في 18مارس/ آذار 2011، والتي ذهب ضحيتها 53 شهيداً، وعشرات الجرحى.
هناك الكثير والكثير من التفاصيل الخفية، يصعب علينا سردها كاملة واختزالها في مقالة، أو اثنتين أو أكثر، تدين استبدادية القوى الزيدية.
ليس مبالغة القول: إن اليمن كانت بحاجة إلى ثورة تستأصل سرطاناً خبيثاً، منذ وقت مبكر، لثورات الربيع العربي كضرورة ماسة لتجاوز مآسي الهضبة الزيدية.
فما من كارثة حلت بالوطن اليمني، إلا نتيجة طبيعية لسياساتها " التدميرية " على مدى عقود مضت، والتي استطاعت إحكام قبضتها الاستبدادية، بفعل تملكها للكثير من مقدرات البلد، ولم يكن لأي قوى أخرى، تنتمي لجغرافيا محافظات يمنية، دور في كل ما يحدث للبلد، سواها، والتي باتت تشكل عقبة كبيرة أمام مستقبل يمن قوي خالٍ من العبودية.