فيصل علي

فيصل علي

إعلامي وأكاديمي يمني.

كل الكتابات
قبل أن يُسرق التاريخ
الإثنين, 18 أبريل, 2016 - 05:45 مساءً

في بداية الثورة 2011، اتفقت مع زميل صحفي أن يتفرغ للتوثيق وكتابة يوميات الثورة، فقط يأخذ جهاز الكمبيوتر ووصلة انترنت ويظل يسجل الأحداث يوميا، ولا علاقة له لا بمظاهرات ولا هتافات ولا مسيرات ولا بثورة ولا ببلطجة، يوثق الأحداث كماهي بعيدا عن رأيه الشخصي والحزبي، واتفقنا على كل ذلك، وكنت بصدد البحث عن تمويل لهذا الجهد الذي سنحتاجه وسيحتاجه الجميع، فالتاريخ يمر وما يتبقى فقط هو ما كتب وسجل بسهولة، لا بتذكر ما الذي حدث بعد فترات متباعدة.
 
كان على صديقي أن يمكث في صنعاء قريبا من ساحة التغير ، ولا يتحرك بعيدا عن صنعاء، وإذا بي أجده يلتقط صورة مع زميلة لنا كانت قد خرجت عن الفاعلية منذ سنوات، وظهرت فجأة في تعز محدثة ضجيجا أعادها للوجود.
 
 أرسلت إليه اسأله ما الذي يحدث لماذا خرجت من صنعاء؟ كانت الإجابات سلبية، حسسني أن "أوامري" غير مجابة، عدت إلى رشدي، وأدركت أن التاريخ لا يكتبه الهواة، وألقيت ألف أمنية في العدم. صديقي سافر خارج البلد لفترة، وسافرت معه الفكرة، وسيأتي اليوم الذي نحتاج فيه للتاريخ وربما لانجده كما حدث .
 
زاد الطين بلة قيام "أنصار البُقري" بإغلاق كل الصحف الورقية، لعلمهم أنها من أهم مصادر التاريخ، ولذا تخلصوا منها بحجج واهية بعد انقلابهم المشؤوم، وتركوا الصحف الورقية فقط التي تدون ملاحمهم في حرب العدوان والدواعش، وتعدد لنا النسوة اللاتي حضرن ولادة جدتهم "فاطمة البتول".
 
 هم أيضا أهل كتاب، وقد زوروا التاريخ اليمني ل 1200 سنة خلت، وخلقوا أبطالهم من أئمة آل البيت، وانتشارهم في قرى ومدن اليمن.
 
بعد ثورة 1962  التي أسقطت الرجعية في اليمن، كتبوا لنا التاريخ بحكم أنهم كتاب درسوا  في مدارس الإمامة التي خصتهم وحدهم في التعليم دون أبناء شعبنا، في عنصرية مقيتة أثرت على مجريات الأحداث فنخروا كل مؤسسات الدولة. والمهم في الأمر أنهم زوروا تاريخ ثورة سبتمبر الأم، وصار آل البيت هم من قاموا بالثورة وتخلصوا من تاريخ وذكر علي عبد المغني ورفاقه الثوار، كل ما لدينا هي نتفا من التاريخ وقصائد الزبيري وبعضا مما كتبه الأستاذ النعمان وقليل غيره، وجاء كتاب الأيديولوجيات الذين أرخوا لأحزابهم وأدوارها في الثورة والحركة الوطنية، ووصموا خصومهم الأيديولوجيين بأقذع الصفات، وضاع تاريخ ثورتنا.
 
وأنا أعمل في صحيفة" الثورة" في كل ذكرى سبتمبرية، أذهب مع زملائي لمدعيي الثورة ليقولوا لنا تاريخهم الشخصي، كنت أتعجب كثيرا من تفخيم أدوارهم، كنت أيضا مؤدلجا وتعمدت نفخ الروح الثورية في كل نص ولقاء أجريته، كنت أشعر براحة ضمير وأنا ابث تقديس 26 سبتمبر   عند الجماهير، وأحقر الإمامة والرجعية والاستعمار في كل صفحة خطتها يدي. إرشيفي ليس معي، وإلا كنت أخرجت لكم مقاطعا للروح الأيديولوجية التي كانت تضبط إيقاع أحرفي .
 
نحن بحاجة إلى كتابة التاريخ من 2011، أنا لا أركن على الأكاديميين في أقسام التاريخ بجامعاتنا، لانشغالهم بمراجعة التاريخ القديم والحديث، لكن تدوين التاريخ لا يقع عليهم، ربما يقع على الصحفيين، وهؤلاء الأخيرين استغرقتهم وسائل الإعلام في ملاحقة المستحقات، والنتيجة ضياع التاريخ.
 
ربما نجد في المستقبل ثوارا  كبارا بقدر البغال حجما  من بيوت النبي وعياله في اليمن،  سيكتبون أنهم ثاروا ضد الحوثي وعلي صالح، وأنهم كانوا من قادوا المواجهات في ثعبات، ودار سعد، ونهم، مالم تتم عملية توثيق لتاريخنا اليمني ستسطوا عليه الهاشمية السياسية كما فعلت في السابق.
 
الأفلام الوثائقية للجزيرة التي يقوم بها الصديق جمال المليكي وفريق عمله، يجب أن تفتح آفاقا لتدوين وتوثيق التاريخ المكتوب والمتلفز والمصور، نحتاج إلى عشرات الأفلام التي تغطي جوانب النقص في أفلام الجزيرة الوثائقية، لا في البحث عن الجديد في مدونات تاريخية متلفزة، الجديد هو توثيق التاريخ وطريقة سرده كحكايات للأجيال القادمة.
 
علينا تدريس التاريخ في مدارسنا لبناتنا وأبنائنا، وهؤلاء من سيروون التاريخ للأجيال القادمة، وبدلا من حكايات الصياد وحميدة المرامد وجولبة النبي ، ستحكى ملاحم جبل جرة، ودمت، ونهم، وصرواح، وقيفة، وخبزة، وخب، والشعاف، والضالع، والمنصورة، والضبوعة، وتبة صعاليك الله.

* مقال خاص
 

التعليقات