بعد الاتفاق الإيراني الإماراتي على حماية الحدود البحرية إثر زيارة وفد من الإمارات لطهران؛ صرح رئيس غرفة التجارة المشتركة الإيرانية الإماراتية فرشيد فرزانكان قائلا: "ثمة 600 ألف إيراني في الإمارات و6000 شركة و8000 تاجر إيراني".
وأضاف "لقد انخفض التبادل التجاري من 70 مليار دولار إلى 40 مليار، ووعدنا حاكم دبي محمد بن راشد بتمديد تأشيرات سفر المستثمرين الإيرانيين، وإعادة فتح الحسابات المصرفية المغلقة ومراكز الصيرفة الإيرانية في الإمارات في غضون أيام، بإيعاز من البنك المركزي الإماراتي. ثمة انفتاح إماراتي على استئناف أجواء التجارة مع إيران"!!
مصدر خليجي بارز قال لي إن "نشر صور الصواريخ التي أطلقتها إيران ضد أهداف إماراتية خلق حالاً من البلبلة في الداخل، رافقها قلق من عدم الثقة بـ‘الحليف‘ الأميركي الذي لا يفعل شيئاً، بل يريد مالنا ويدفعنا إلى المواجهة مع طهران وهو يؤكد يومياً أنه لا يريد الحرب معها، وإنما يسعى الى اتفاق".
وتابع المصدر: "هذه الأمور كانت مدار بحث بين المسؤولين الإماراتيين خاصة جماعة أبو ظبي وجماعة دبي، حيث أشار بوضوح حاكم دبي إلى أن استمرار الوضع على ما هو عليه سوف يؤدي إلى تدمير كل ما أنجزناه في السنوات الأخيرة، والمؤشرات المالية والاقتصادية تؤكد ذلك. هذا فضلاً عن الاستنزاف الحاصل في حروب قريبة وبعيدة. القريبة في اليمن وكلفتها عالية ودون أفق، وليبيا ومستقبلها، وأمن الملاحة في الخليج؛ إضافة إلى العلاقات الخليجية/الخليجية التي لا أفق لحلها.
ولذلك كان لا بد من خطوات؛ فكانت الأولى القرار بالانسحاب من اليمن، والثانية ترجمة ما أعلنه السيد فرزانكان كبداية لإعادة العلاقات التجارية مع إيران. وبطبيعة الحال؛ فإن خطوة من هذا النوع لا يمكن أن تأخذ طريقها إلى التنفيذ دون موافقة أو غطاء أميركييْن"!!
إن الانسحاب الإماراتي من اليمن وحده يخلق جواً مختلفاً، وإن كان ثمة نوع من الفوضى غير المعقولة.. ومشهد سوريالي غريب عجيب. فالإمارات تنسحب من اليمن والقوات المدعومة من قبلها (المجلس الانتقالي برئاسة عيدروس الزبيدي) تحتل القصر الرئاسي، وتطرد القوات المدعومة من التحالف السعودي الإماراتي من مواقع مهمة.
ثم تتدخل السعودية مباشرة بالدبابات والطائرات، وتستمر الاشتباكات بين أبناء التحالف الواحد، وتصدر دعوات من مسؤولين في الإمارات إلى طرد الشماليين من الجنوب والتمسك بالجنوب كدولة مستقلة، وذلك يعني تقسيم اليمن!!
أحمد الميسري -وزير الداخلية في حكومة عبد ربه منصور هادي- انتقد "صمت الرئاسة" و"صمت الأشقاء في السعودية لمدة أربعة أيام، وشريكنا في التحالف يذبحنا من الوريد إلى الوريد...".
هذا الوزير -الذي احتُلّ منزله- وصف الهجوم بـ"النصر المبين" للإمارات، وخاطب عسكرييه بقوله: "سنذهب لنعود، ولن نترك الوطن، نحدثكم من عدن وسنتوجه بعد ساعتين إلى مطارها الدولي لترحيلنا إلى الرياض".
حصل ذلك في يوم الأضحى المبارك، وفي وقت كان فيه وزير خارجية إيران يلتقي مع الناطق باسم الحوثيين محمد عبد السلام ويدعو إلى حوار يمني/يمني؛ مؤكداَ أن الحل في اليمن سياسي!! وفي خطوة غير مسبوقة؛ التقى مرشد الثورة الإمام علي خامنئي بالسيد عبد السلام.
فجأة صدرت دعوة سعودية لأطراف النزاع في اليمن للاجتماع في جدة، التي وصلها محمد بن زايد بعد سيطرة "جماعته" على الوضع في عدن، وفتْح الباب أمام مواجهات جديدة دموية بين أبناء "الحلف الواحد". لوهلة اعتقدنا أن الدعوة موجهة لكل الأطراف، لكن الحقيقة أنها كانت دعوة "للحلفاء" وهي لن تنتج شيئاً.
المطلوب هو وقف الحرب في اليمن كلها فوراً، هذه مصلحة عربية بالكامل. إن استمرارها مع هذه التطورات في عدن هو هدية للحوثيين والإيرانيين الذين يحاربهم التحالف الذي تحارب قواه بعضها بعضاً، إنه مشهد غريب عجيب!! ووقف الحرب يتطلب شجاعة في الإقدام على القرار، إذ لن يتمكن التحالف من ربحها في اليمن.. لن يتمكن.
هذه تجارب كل من سبقه.. وهذه هي الحقيقة؛ فكيف إذا كنا نشهد التطورات الحالية وبعد سنوات من القتال استُخدمت فيها كل أنواع الأسلحة، والنتيجة هي أن الحوثيين ما زالوا في مواقعهم ويقصفون أبها وخميس مشيط وجيزان ونجران والدمام ويعطلون حركة المطارات!!
وقف الحرب قرار إستراتيجي ينبغي الإقدام عليه، والسياسة حساب وواقعية وحسن تقدير وتدبير. هذه أميركا –وهي "حليفة" التحالف نظرياً- تتفاوض في قطر مع حركة طالبان المصنّفة إرهابية لتوقيع اتفاق معها يضمن سحب قواتها من أفغانستان؛ فلماذا لا يُقدِم الآخرون؟؟
الإقدام نتائجه إيجابية في الحدّ من الخسائر والانفتاح على مرحلة جدية من التفاهم مع إيران، والظرف ملائم لذلك. أما الإحجام فيعني الغرق في ورطةٍ تُشابه ورطة التدخل الأميركي في أفغانستان، وعدم قدرتها على الانسحاب إلا بالتفاهم مع طالبان. فليكن قرار وقف الحرب في اليمن اليوم قبل الغد لأن تكلفة اســــتمرارها ستكون كارثية!!
* نقلا عن الجزيرة نت