لاذت الحكومة الشرعية في اليمن بالصمت كثيرا عن تصرفات السعودية والإمارات.
حتى اللحظة لا تزال تخشى تحميل السعودية تبعات ما جرى من عملية انقلابية في عدن.
فقدت ما تبقى لها من رمزية في العاصمة المؤقتة. وجاءت المعارك العسكرية التي نفذتها قوات المجلس الانتقالي المدعومة من الإمارات وبرعاية سعودية بعد سلسلة طويلة من العبث بالسيادة الوطنية.
توجهت الإمارات إلى السواحل والموانئ الاستراتيجية ومواقع النفط والغاز، وأنشأت ودربت جيوش نظامية موازية للجيش الوطني.
كانت عديد تقارير محلية ودولية قد أشارت إلى خطورة مايجري خاصة بعد تفشي الانتهاكات المريعة لحقوق المعتقلين والمختطفين في سجون الإمارات السرية.
لم تتجاسر الحكومة الشرعية على الجأر بالشكوى إلا في مرات قليلة عن طريق التسريبات والتصريحات لبعض الوزراء والوكلاء والمستشارين.
في المرة الوحيدة التي تحركت الحكومة بشكل عملي في عهد الدكتور أحمد عبيد بن دغر وقدمت شكوى إلى الأمم المتحدة بسيطرة قوات إماراتية على جزيرة سقطرى. تعرضت للغدر والتواطؤ، إذ أصدر الرئيس هادي في وقت لاحق قرارا جمهوريا باقالة بن دغر من رئاسة الحكومة واحالته للتحقيق وتعيين معين عبد الملك خلفا له.
ويعد معين عبد الملك أحد رجالات السعودية في اليمن، ووصف بأنه ظل السفير السعودي، محمد آل جابر، بسبب ظهوره المتكرر معه في افتتاح مشاريع تنموية قبل توليه المنصب.
وله تصريح مثير للجدل، إذ أعلن عقب توليه رئاسة الحكومة عدم تدخله في الشؤون السياسية وتركيزه على الجوانب الاقتصادية، وبدا واضحا أنه ينأى بنفسه عن الصدام المباشر مع السعودية والإمارات.
في ذات الوقت، بدت حالة الاستلاب التي يعيشها الرئيس هادي في الرياض مثيرة للتساؤلات.
الغالبية كانت ترجعه إلى مايشبه الاقامة الجبرية. لكن الرجل توفرت له فرص كثيرة للخروج من المملكة، ثم كان ما يلبث العودة إليها مجددا، مبددا كل التوقعات بعودته إلى المناطق المحررة أو طلب اللجوء في أي دولة غربية لاسترداد شرعيته.
يبدو ان الإمارات قررت الاجهاز على ما تبقى من رمزيته في عدن بتنفيذ أذرعها العسكرية عملية الانقلاب الأخيرة في معركة استمرت أربعة أيام.
ماحدث كان تطورا طبيعيا نظرا لحالة التحشيد والتعبئة والتجهيزات التدريبية والعسكرية، وسبقها جولات عنف سابقة. مالم يكن طبيعيا البتة هو استمرار مؤسسة الرئاسة والحكومة في التزام الصمت حتى وهما تترنحان على وقع الضربات المتكررة للتحالف.
ومثل كل مرة، تحاول السعودية الظهور بمسوح الوسيط كي تبقى في منجى من التهم. لقد لعبت دورا تخديريا للنخب اليمنية.
لا أدري لماذا تصور بعض الناشطين بأنها لن تقبل ما جرى في عدن. في الحقيقة، لقد قبلت ما هو أعظم من مليشيا انفصالية في الجنوب: مليشيا طائفية على حدودها الجنوبية.
كدولة توسعية وذات أطماع لا تنتهي، قد تبدو العملية الانقلابية الأخيرة في صالح أجندتها خاصة وهي تحاول الحصول على موطئ قدم في المهرة وحضرموت وسقطرى.
ومن الواضح ان الرئيس هادي الذي يقيم في الرياض مع حكومته، ارتضى السكوت ولن يغادر مربع الصمت مهما عبثت المملكة في الأراضي اليمنية.
لا مشكلة لديه ان تظل الشرعية كرمزية شكلية في مربعات صغيرة أو حتى شكلية.
خياراته أضحت من خيارات الرياض، وبالتالي ليس أمام اليمنيين إلا القبول بهذه الخيارات المذلة أو البحث عن طرق أخرى للتحرير والخروج من وصاية الإحتلال.