الثالث عشر من سبتمبر 2018 ، كانت الرسالة الأخيرة للكاتب الصحفي السعودي جمال خاشقجي لولي عهد بلاده تحت عنوان " على ولي العهد السعودي حفظ كرامة بلاده بإنهاء الحرب الوحشية على اليمن ". عدد الكاتب المغدور في هذا المقال المنشور بصحيفة الواشنطن بوست الأمريكية أضرار حرب اليمن على المملكة السعودية من فقدانها مكانتها الدولية والعربية سياسيا وإضرارها بمكانتها وسمعتها الدينية ، في حين أنه فتح باب الخلاص والخروج من المأزق اليمني بعد ثلاثة سنوات من الحرب المشينة ، بل وإنقاذ الخليج من التواجد الايراني في المنطقة وذلك بالدعوة لوقف إطلاق النار بشكل نهائي ، وتقديم بعض الضمانات للطرف الحوثي
 
وعدد خاشقجي في مقاله جملة الخسائر التي تعرضت لها بلاده بسبب رعونة محمد بن سلمان وإصراره على غلق كل سبل المحادثات والتي انهارت بالفعل وكان مقررا لها أن تتم في جنيف برعاية الأمم المتحدة ، إلا أنه أصر على الاستمرار بحجة أن منظومة الدفاع السعودية قادرة على صد هجمات الحوثي ، ونسي ولي العهد كم تكلفة التصدي لهجوم صاروخ واحد، وكم تكلفة صاروخ باتريوت، وكم تكلفة الحرب التي كان من ضحاياها أطفال في حافلات ، ومدن أبيدت ، وقرى ماتت جوعا ومرضا ، واقتصاد سعودي يتهاوى لتقف الموازنة السعودية عاجزة لأول مرة في تاريخها، ويلجأ نظامها للاقتراض لسد عجزها. 
 
الثمن
دفع خاشقجي حياته ثمنا لهذا المقال الذي قدم فيه سبيل الخروج من المأزق السعودي في اليمن ، وكذلك دفعت المملكة استقرارها ومستقبلها الاقتصادي ، ومستقبل المنطقة الأمني في مقابل الاستمرار في هذا العبث ، وبعد عام من تلك النصائح التي فات أوانها انقلب السحر على الساحر فباتت المملكة عاجزة عن التصدي لهجمات الحوثي على مطاراتها ومناطقها الحيوية ، وتدخلت ايران بتغول في شأن الخليج بعد تمددها في اليمن وسوريا ولبنان حفاظا على مصالحها، وتخلت الولايات المتحدة عن حليفها المشبوه عالميا ، بالإعلان اليومي عن عدم استعداد أمريكا للدخول في حرب مع ايران، غير وصلات الغزل اليومية بين ترمب والنظام الإيراني ، في الوقت الذي تمثل فيه السعودية الداعم الاقتصادي الأكبر للرئيس الأمريكي ، وفي الوقت الذي تلتقي فيه المصالح الأمريكية الاسرائيلية الإيرانية في المنطقة ، تقع السعودية والإمارات رهينة حرب اليمن فتستنزف طاقاتهما معا، لتعلن الداخلية اليمنية الانتصار وتحرير عدن تماما من القوات الإماراتية المنقلبة على النظام اليمني بالمدينة وضواحيها، لتسقط المملكة السعودية وحيدة في براثن الاستنزاف الاقتصادي والتاريخي والسياسي ، في بادرة قد تكون سببا في تفكك التحالف العربي واختلاف المصالح، وفرض الهيمنة الإيرانية بصورة تشكل تهديدا يصعب الخلاص منه.
 
الإصلاح اليمني والعجز الاستراتيجي
نجحت المملكة السعودية بالإضافة إلى النظام الإماراتي في تطويع بعض الأنظمة باستخدام المال تارة ولعبة كراسي الحكم تارة ، للعب بمصير المنطقة خاصة بعد ثورات الربيع العربي ، متصدية بكل ثقلها الاقتصادي والديني لأي عمليات تغيير إيجابية حتى لا تمتد الثورة للعمق الخليجي، وحتي لاتستيقظ الشعوب من غفوة طالت منذ تفكك دولة الخلافة ، واتفاقية سايكس بيكو التي قسمت بلاد العرب وشرذمتها، ومن الغريب أن تجد من يقع في ذلك الفخ رغم أن معظم المؤامرات قد تكشفت خاصة بعد الدور السعودي الإماراتي في الانقلاب المصري ودعم حفتر بليبيا، ودورهما في الانتخابات التونسية ، ويسقط حزب الاصلاح اليمني في براثن الثعلب المعادي للثورات العربية واليمنية علي وجه الخصوص وذلك لموقع اليمن من المملكة.
 
فلم تكن المملكة لتسمح بنجاح الثورة اليمنية ، وزيادة الوعي الشعبي اليمني والذي يفتح ملفات المحافظات اليمنية المحتلة من النظام السعودي .
 
علاوة على أكبر آبار البترول في الوقت الذي يعاني فيه الشعب اليمني من الفقر والمرض والجهل وقسوة الطبيعة وانعدام البنية التحتية ، وفي الوقت الذي يحارب فيه النظامان السعودي والإماراتي السنة في معظم بلاد العرب، تفتعل حربا مع الحوثي باليمن تحت اسم الحفاظ علي الشرعية ، ويسقط حزب الإصلاح في الفخ ويسلم تسليما مطلقا ويرتمي في حضن المملكة ظنا منه أنه سيقتسم جزءا من الكعكة ، أو على أقل تقدير يأمن غدر الحوثي بانحيازه للأقوى ظاهرا ، فأي شرعية انحاز لها الحزب ؟ بينما الرئيس اليمني " عبد ربه منصور هادي " قد هرب إلى الأراضي السعودية يحتمي بجيش يقتل أبناء بلاده؟
يقتل الأطفال ، ويدمر الطرق ، ويعزل المدن والقرى ، ويسمم الآبار ، ويتسبب في انتشار الأوبئة، ويسقط المدارس والمستشفيات ، لقد دمر اليمن شر تدمير بالصواريخ الصديقة ليخرج وزير الخارجية السعودية مبررا أنها الحرب ، وكل حرب فيها مجموعة أخطاء في حادث قصف الحافلتين المحملتين بالأطفال، فأي شرعية تلك التي تدار برئيس هارب خارج بلاده، وجيش يدك الأبرياء، بل نستطيع أن نقول أن الغرض الذي نشبت من أجله الحرب لم يتم منه سوى الخراب ، ومقتل المواطنين الذين لا حول لهم ولا قوة ، بينما يزداد الحوثي شراسة ، وتمده إيران بالمزيد من الصواريخ والطائرات الموجهة ، لتمثل أكبر عملية استنزاف في حرب طويلة ، الأبرياء وحدهم هم ضحاياها.
 
فأي شرعية مازال يستظل بها حزب الإصلاح الذي لاذ بالصمت في أشد الأوقات ضنكا مرت بها اليمن؟
 
هل هي شرعية التحالف الذي يسعي اليوم لتدمير ما تبقى منها فأدخل أهلها في حرب أهلية بإعلان الانقلاب في عدن للتمهيد لتقسيم جديد؟ ثم تحريرها لتزداد شراسة الحرب البينية بين أهل اليمن بعضهم البعض؟ إن الأمر جد خطير حين صمتت الحركة الإسلامية، وحين ألقت بنفسها في أحضان المملكة التي استخدمتها لتقوم بهذا الغرض خصيصا، غرض السكوت مقابل بعض الأمان لقادتها بالأراضي السعودية، بينما الضربة القاصمة تعد لها في الخطوة المقبلة
 
الشرعية اليمنية ومهلة ولي العهد
لقد اتضحت معالم الصورة ، وأصبح واجبا على أهل اليمن اليوم نبذ كافة الخلافات والبدء من جديد ، وإعادة تحديد مفهوم الشرعية في ضوء المستجدات الحادثة ، البلاد في حاجة لرئيس وليس لمن يدير البلاد أو يحرك ثورة من الخارج ، فليس هناك ما يمنع سياسيا من عودة الرئيس اليمني لبلاده ليحكم من الداخل كشأن البلاد المستقلة ، ولأن الأمر لم يعد بيده ومجرد وجوده بالخارج هو تبعية تهدد المستقبل اليمني ، فيجب كما قلنا إعادة تحديد مفهوم الشرعية ، هل هي للثورة اليمنية التي قطع عليها الطريق بتدخل الحوثي عسكريا وإعلان حرب من طرف واحد استدعى فيها قوات التحالف للتشكيل والتدخل ؟
 
هل هي لانتخابات حرة يدعي الشعب اليمني إليها؟ هل هي في قيادة تفرزها المعركة الأخيرة فتوحد الأرض وتفرض الهيمنة على الداخل اليمني بكل أطرافه لتفويت الفرصة على المؤامرات الخارجية لتفتيت اليمن ونزف المزيد من الدماء طمعا في الأرض الجغرافيا والتاريخ؟
 
هل هي في لعبة ذكاء بين الحركة الإسلامية التي يتزعمها حزب الإصلاح وحركة الحوثي التي عدلت ميزان القوة وترجيح الكفة لصالحها فتعيدا اللحمة اليمنية وتطرد الاحتلال من أرضها؟
كل تلك الأسئلة تمثل نوعا جديدا من الشرعية يجب الحديث عنها وإبرازها لإعادة اليمن لأهلها من جديد ، في الوقت الذي نفذت الفرصة الأخيرة من ولي العهد السعودي والتي دعاه لاقتناصها الصحفي السعودي جمال خاشقجي ، فلم يعد متاحا أمام المملكة أن تتراجع ومطاراتها تحت القصف اليومي ، لم تعد تملك القوة التي تفرض بها نوعا من الحوار وتخرج بصورة تحفظ الكرامة ، فقط تمرغت تلك الكرامة تحت الضغط الأمريكي لاستنزاف المزيد من الأموال ، وتحت الهيمنة الإيرانية في مياه الخليج ، وتحت عبء المصالح الأمريكية الايرانية والتي تخرج في هيئة تصريحات من الجانبين في عدم الرغبة في التصادم
 
لم يعد أمام محمد بن سلمان، إلا أن يعلن هزيمته أمام العالم ، وأن يقوم بالانسحاب الكلي من الأراضي اليمنية
 
وأن يقوم بتعويض اليمن ، وليس فصيلا منها تعويضات تليق بخسائر الحرب البشعة ، تلك الخطوات وحدها قد تكون كفيلة بحفظ ما تبقى له من جيش ومن مطارات ومن ولاية للعهد ، وأن يتفرغ لعملية إصلاح داخلية تحتاجها البلاد والعائلة المالكة مع يقيني أنه لن يفعل ، إن دخول اليمن ليس لعبة ، وليس على من دخلها أن يحدد قوانين تلك اللعبة على هواه أو وفقا لسياسته هو ، فلليمن خصوصية تفرضها على كل محتل حتى لو حمل اسم الشرعية ، ولن يغرق بها الجيش المعتدي وحده ، بل كل من تخاذل عن نصرة الشعب أو تحالف مع الدخيل حتى لو كان الحركة الإسلامية مجتمعة ،  فهي المستنقع الذي يصعب الخروج منه.

نقلا عن تركيا عربي