الذي جرى ويجري في اليمن منذ خمس سنوات مضت بدأ بسقوط صنعاء وانتهاء بتفاصيل ما يحدث اليوم من ميوعة موقف التحالف الذي غدا واضحا لكل لبيب بأنه ينفذ اجندة هدم لا كما سوغ له غداة ما سمى بعاصفة الحزم والتي هي عاصفة العجز والتأمر.
من يوميات الحرب يستنتج بداهة بأنه ثمة محاولة لتفخيخ اليمن بكل عناصر اللإستقرار، وجعل الأمل في عودة الحياة السياسية الطبيعية مستحيلاً فقد انحرفت الحرب عن هدفها المعلن وكأن استمرارها فقط لتصبح نمط حياة يومية بمدى زمني مفتوح وبلا حدود وليس كأداة لحسم صراع يتعذر حسمه عسكرياً، وعلى هذا يبدو بأننا سنشهد في الأيام القادمة سقوط مدوي للشرعية وصعود مؤكد لتثبيت الانقلابيين بتشريع واقع الحال .
وهذا بداهة لن يكون حلا لليمن ولا حتى للاقاليم بل استدامة للحرب وفتح ابواب جهنم في حال تحقق الانفصال وفي هذه الظروف وبعد كل ما جرى ويجري ، فبداهة لن تعود اليمن الى ما قبل عام 90وإنما ستعود اليمن إلى ما قبل 62م.
أي شمال بحكم سلالي طائفي اسواء منه في حقبة الامامة لأنه يظهر بصورة شعبية جمهورية " جمهوري إسلامي إنقلاب ) ومؤدلج بنظرية ولاية الفقيه وهو مالم يكن في عهد السلالة الامامية بل سيكون على غرار إيران ومفردة السيادة مجرد شعار مقارنة بما كانت عليه في الماضي رغم ان كلاهما في النتيجة واحدة.
بل ان الحوثي سيكون على استعداد ليرمي بشعاراته عرض الحائط في حال ضمن اعتراف دولي واقليمي خليجي تحديداً.
وقد يتخلص من اسلحة التهديد التي تتعرض له السعودية، كما أن الأخيرة أي " السعودية " على استعداد أيضا للتعايش مع الحوثي وحراك جنوبي انقلابي على أن تتعايش مع يمن موحد يحكمه قوى ثورية مستقلة.
بينما سيرتمي الشطر الآخر في حضن العمالة بصورة فجة أكثر منها من عملاء صنعاء وسينعكس هذا على الشطر الثاني بحيث سيخلق استقطاب إقليمي وهذا ليس في صالح الشطرين ولا حتى في صالح الجار السعودي ، لكنهم أي الجيران بدون بعد نظر وبدون إستراتيجية.
التفكير في مستقبل الصراع من هذه الزاوية بعاطفة وردود أفعال ينتج رؤى مشوهة ومسخ في هذه الحالة فقد كان الشطرين في حقبة ما قبل التسعينيات يستفيدان من المجتمع الدولي والخليج تحديداً .. وكانت الظروف الدولية التي استجدت قبل إعلان الوحدة ملائمة للوحدة لو أحسن استغلاله.
الأمر الآخر كأن التحالف يريد أن يثبت عملياً في تفاصيل يوميات الحرب بأنها حربا يمنية سعودية ويدحض ما أعلن بأن مسوغات التدخل لإعادة الشرعية وبهذا ليس فقط سيلتف اليمنيون مع طرفي الانقلاب بل وحتى مستقبلاً بعد أن تضع الحرب أوزارها فالذاكرة اليمنية وإيقاع الشارع اليمني سيتمحور حول تداعيات وإفرازات الحرب المادية والمعنوية وستسخر إيران ذلك لعودتها بقوة بفضل هذا الحرب لليمن لاستغلال حالة الانتقام لمأرب واجندات إيرانية على عاتق شباب ومقدرات اليمن، بمعنى معاناة الشعب اليمني سيضل سواء في زمن الحرب أو بعد أن تضع أوزارها.
فعلا من قرأة مضمون البيان الأخير " ويلاحظ كثرة البيانات" المنمقة بالكلام أكثر من مضامينها وغايتها فبينما تتلقى الشرعية بيانات " مؤيدة" يستقبل الانقلاب في عدن أسلحة ودعم لوجستي وإعلامي واضح واختصارا للقارئ فان البيان السعودي الإماراتي، خلى من أي إشارة لتسليم مؤسسات الدولة والتراجع عن الانقلاب عدن، وهو مؤشر كبير على خضوع القرار السعودي للإرادة الإماراتية.
ومن هنا فمن قرأة اولية سريعة لهذا البيان وما قبله يلاحظ بأن طرفي التحالف قد نصبا أنفسهما وكيلين لطرفين متصارعين اتخذ من اليمن مسرحا ومساحة مستباحة مما يعني تصفية الحسابات بينهما سابقا ولا حقا ستتم عبر جولات أخرى من الحرب بين الوكيلين دون ان يضطرها بتفكيك هذا التحالف المشبوه بينهما .. ومن هنا فبداهة يفهم من مضمون البيان اهتمامه بترميم العلاقات بين طرفي التحالف اكثر من اهتمامة بالغاية التي من اجلها انشى التحالف وبالجملة فأن هذا البيان ينسف ما قبله والصادر من الحكومة السعودية الذي أكدت فيه تمسكها بالشرعية، وعزز دورها كوصي ومحتل وخاسر أيضا.
فلا يعقل ان يتسمر الحال كما هو وكأن هذا التحالف بهذا الشكل والنوايا والنتيجة قدر على اليمنيين فهناك بداهة بدائل .. فكما عنون "مونستكيو" كتابه الشهير ( روح القوانين) فأن مجرد العنوان يؤكد جوهر وغاية القانون ليس فقط المتن المكتوب والصيغة النظرية بل الغاية هو تطبيق جوهر وروح القوانين .. وبالمقابل نسقط هذا بداهة عن هذا التحالف الذي تدثر بالشرعية ودمر اليمن بمسوغ حماية الشرعية .. ان الدولتان تعملان كفريق واحد ويتبادلان الأدوار فقط وهذا ما يفهم لأول وهلة لكل لبيب .
واستعادتها وهو يعمل عكس ذلك تماما سوا الإمارات او السعودية فقد اختلفوا في الشكل في بعض الاوجه واتفقوا في المضمون .
ومن مضمون البيان الاخير لطرفي التحالف وكأنه جاء كرد واضح على تلك التناولات والتساؤلات التي تفرق بين الموقف السعودي والموقف الإماراتي وتهاجم الإمارات وتشيد بالسعودية ولذا ينبغي من الان وصاعدا وبداهة بأن يكون الانتقاد وصب اللعنات على طرفي التحالف دون مواربه وتنميق الكلام.
ومما يدل على الاسهال في كثرة البيانات بأن الاخير للطرفين فأن هذا الخير يحمل إشارات واضحة لتوجه سعودي قادم للضغط على الشرعية وارغامها على الحوار مع الانتقالي وتقديم التنازلات الكبيرة له فهذا هو البيان السعودي الثاني الذي يشدد ويؤكد على ضرورة الحوار بين الشرعية والمجلس الانتقالي بذريعة مواجهة مليشيا الحوثي والتنظيمات الإرهابية المسلحة وهذا يعني ان استمرار رفض الشرعية للحوار مع الانتقالي سيعرضها للاتهام بأنها موقفها يدعم التنظيمات الإرهابية والحوثيين مما يجعلها عرضة للابتزاز تحت هذه اللافتات .
* كاتب وسفير في الخارجية اليمنية