انتهت الحرب بوصفها عملية شاملة تهدف إلى إنجاز تغييرات استراتيجية، ودخلت اليمن في مرحلة ما بعد الحرب، حيث يتقاسم المتحاربون الأراضي التي لم يعد لها من صاحب. في السنة الأولى من الحرب العالمية الثانية التقى جنرالات ألمانيا وروسيا في مكان ما في بولندا التي تلاشت للتو، وقال أحدهم لآخر وهو ينظر إلى دخان سيجاره: ها نحن ندخّن بولندا.
في الحروب الهجينة، حيث متحاربون عديدون، غالباً ما يفضي المشهد إلى منظر لجنرالات متنافسين يدخنون أرضاً مهزومة، أو يحولونها إلى دخان. لإتمام هذا المشهد تبدو شرعية الرئيس هادي شديدة الأهمية، فهو الوحيد القادر على منح عملية التقسيم مشروعية أخلاقية وقانونية بحيث يجعلها تبدو وكأنها عملية تحرير.
في الأيام الماضية هدد الأمير تركي، قائد قوات التحالف، جنرالات في الجيش اليمني قائلاً إن مقاتلات بلده على استعداد للفتك بالجيش إن حاول الاقتراب من عدن. كان واضحاً أن الرجل قد رأى سحابة دخان طالعة من سيجارتين أو ثلاث، وصار بمقدوره حماية ممتلكاته.
قبل ذلك قالت الخارجية الإماراتية إن الجيش «اليمني» الذي قصفته على مداخل عدن كان إرهابياً، وإنها دافعت عن مصالحها ومصالح حلفائها، أي نصيبها من التركة. أما شمالاً، حيث إيران، فقد استقرت الأمور منذ زمن. فلم يغير عمّال إيران وجه السياسة وحسب، بل قلبوا الديانة رأساً على عقب، وجاؤوا بالاثني عشرية إلى بلاد لم تكن على مر تاريخها جزءاً من ذلك المذهب. تتصرف إيران في ممتلكاتها بالطريقة التي تراها مناسبة، ولأجل ذلك ستغرق الشمال بالسلاح حتى تبدو ترتيباتها وكأنها قد صارت نهائية. مثل ذلك، تماماً، تفعل الإمارات في الجنوب.
انتهت الحرب اليمنية، يمكننا القول، ودخل البلد عصر التقسيم. وسيكون على اليمنيين أن يصارعوا لعقود طويلة للتحرر من احتلال ثلاثي لا يعتمد على الآلة العسكرية وحسب، بل على تشكيلات محلية ضاربة القوة ومستعدة لتقديم كل أنواع الخدمة للمندوب السامي. الدول الثلاث، على نحو مستقل، ستقوم بقمع كل حركة استقلال وطني تحت ذريعة محاربة الإرهاب، وسيوصف كل من يرفض انهيار الدولة اليمنية على هذا النحو بالإخواني، أو الإرهابي. دخلت اليمن، بأكملها، في عصر المستعمرات، ولم يحدث لها مثل ذلك من قبل في كل تاريخها.
* نقلا من صفحة الكاتب بالففيسبوك