عبدالوهاب العمراني

عبدالوهاب العمراني

كاتب يمني سفير في وزارة الخارجية اليمنية

كل الكتابات
اليمن وتهيئة الملعب لنهاية المشهد
الجمعة, 15 نوفمبر, 2019 - 12:21 صباحاً

منذ نحو اسابيع مضت وربما اسابيع قليلة مقبلة سيتحدد مصير اليمن بمشيئة التحالف الذي دمر اليمن بمسوغ استعادة الشرعية فأذا هو يستنسخ انقلاب آخر ويفرض حوارا مع اطراف الانقلاب المستحدث ليكون اسوى من ما عرف بأتفاق السلم والشراكة فلم نرى لا اتفاق ولا سلم ولا شراكة.
 
خمس سنوات والتحالف يمنع الشرعية من حسم المعركة مع الحوثي بل تماهى معه وسوغ لتجذره واليوم التحالف نفسه يستجدي حوارا مع الحوثي لدرجة ان الحوثي وصف هذا التوهان لخصمة ب ( الركعة الأولى) في سلطنة عُمان.
 
ثمة محاولة لتفخيخ اليمن بكل عناصر اللإستقرار، وجعل الأمل في عودة الحياة السياسية الطبيعية مستحيلاً. فقد انحرفت الحرب عن هدفها المعلن وكأن استمرارها فقط لتصبح نمط حياة يومية بمدى زمني مفتوح وبلا حدود وليس كأداة لحسم صراع يتعذر حسمة عسكرياً، وعلى هذا يبدو بأن ستشهد في الأيام القادمة تحالفات جديدة لكنها لن تكون على طريق الحل بل على طريق استدامة الحرب ، الأمر الآخر كأن التحالف يريد ان يثبت عملياً في تفاصيل يوميات الحرب بأنها حربا يمنية سعودية ويدحض ما أعلن بأن مسوغات التدخل لإعادة الشرعية وبهذا ليس فقط سيلتف اليمنيون مع طرفي الانقلاب بل وحتى مستقبلاً بعد ان تضع الحرب اوزارها فالذاكرة اليمنية وإيقاع الشارع اليمني سيتمحور حول تداعيات وإفرازات الحرب المادية والمعنوية وستسخر إيران ذلك لعودتها بقوة بفضل هذا الحرب لليمن لاستغلال حالة الانتقام لمأرب واجدات إيرانية على عاتق شباب ومقدرات اليمن ، بمعنى معاناة الشعب اليمني سيضل سواء في زمن الحرب او بعد ان تضع أوزارها.
 
وبداهة فأن سلام يفرض على أسنة الرماح وفوهة البنادق وبالاستقواء بالخارج من اجل فرض امر واقع اتى هو الأخر بسياسة الغلبة واغتصاب السلطة ليس سلاماً مستداماً بأي حال من الاحوال ، فامريكا والاقليم وغيرهم ليسوا على كل شئ قدير ، السلام بأي ثمن هو مجرد ترحيل للصراع ليس إلا ، وهو في الجملة يتناقض مع روح القوانين وغاية السياسية النبيلة وقيم الغرب المتحضر، وصدق الكاتب والشاعر والرئيس السنغالي الأسبق سنغور عندما قال: "بينما كانت راية الحرية والعدالة والمساواة ترفرف في ربوع فرنسا، كان الظلم يٌجرى دُهاقاً في مستعمراتها..!"
 
فشل النُخب الحاكمة لليمن بين عصرين ملكي وجمهوري كان السمة المشتركة للفترتين، وحتى تداعيات الربيع العربي أتت في حالة ضعف وتقهقر لمقومات الدولة. فاليمن السعيد يُراد له ان ينخرط في لعبة الأمم منذ الستينيات، وتكالب عليه القريب والبعيد كما تتكالب الأكلة على قصعتها، ويغدو أفغانستان الجزيرة العربي.
 
نحو نصف قرن فقط في تاريخ اليمن الحديث واعني بعد اول اتفاق بين الجمهوريين والملكيين في نهاية الستينيات كانت البداية ، حينما تغلغل التيار المناوي للصف الجمهوري ليبلغ ذروته بعد الاطاحة الشكلية بالرئيس السابق وبقاء نفوذه ليدخل الامامة للقصر الجمهوري بدبابات الحرس الجمهوري نفسه واليوم نفس المكون يسمون انفسهم حراس الجمهورية !
 
وبعد الوحدة الارتجالية التي أنقذت نظامين من الثورة ضدهما وتحديدا أنقذت القبائل الماركسية التي تناحرت فيما بينها في يناير من العام 1986م وأنتجت وحدة هشة كانت بدورها قد أنتجت بعد فترة مُماحكات ما عرف بوثيقة العهد والاتفاق التي رعاها الملك حسين في الاردن وما هى سوى أسابيع حتى اندلعت حرب.
 
تضاف اليوم مرجعية جديدة للمرجعيات السابقة التي اغلبها فيها لولب سعودي بداء من المبادرة الخليجية السيئة الصيت ومرورا بمؤتمر الحوار الوطني والذي وقع بأشراف سعودي أيضا ومرورا باتفاق السلم والشراكة الذي باركة مجلس التعاون والذي لم نرى لا سلما ولا شراكة بل انتهى الامر بعاصفة العجز التي ساهمت في تجذر الحوثي كأمر واقع متزامنا مع استنساخ انقلاب آخر على اسنة الرماح كما فعل الحوثي بسياسة الغلبة لفرض امر واقع ، اعقبه مؤتمر الرياض بعد اسابيع من اندلاع هذه الحرب المشؤمة لتفرز القرار الدولي الشهير الذي استنزف السعودية اموالا لاصداره ومع ذلك لم ينفذ.
 
ثم استدرجت الشرعية لمارثون التفاوض الخادع بداء بمفاوضات جنيف الاولى والثانية ومفاوضات من حرب تلد أخرى الى اتفاق يلد آخر ومرجعية تفرز مرجعيات .. كسبنا مرجعيات واتفاقات وخسرنا وطن وتدمير بلد وانتهاء حلم بنا دولة مدنية.
 
قد يأتي وقت بتفاعل تداعيات كل هذه المرجعيات والاتفاقيات لتصنع واقع جديد آخر لازال في علم الغيب !
 
‏اثببت يوميات المشهد اليمني خلال بضعة سنوات مضت بأن أي اتفاق يتم التوصل اليه بقوة السلاح وعلى اسنة الرماح وبلا قناعات وطنية وضغوطات محلية او اقليمية لا يثمر سلاما بل يؤسس لصراع قادم لا محاله ويكون بمثابة اعادة تموضع فأذا كان اتفاق السلم والشراكة بمباركة خليجية وضوء اخضر لإسقاط صنعاء فأن اتفاق الرياض وعلى خلفية الوضع الهش للدولة اليمنية المرتهنة في الخارج فالمشهد أذا كان قبل الاتفاق طرف في الداخل فرض سيطرته بالقوة ويسير في اتجاه شرعنته فأن الطرف الاضعف وهي الشرعية ستزداد ضعفا بتقاسم هذا الوهن مع طرف اكسر ارتهانا للاقليم من الطرف الانقلابي الاول.
 
وهكذا بدون قناعات ولا رضاء شعبي يغدو أي اتفاق مفترض وفق هذه الرؤى نموذجا يقتدى لمن تسول له نفسه مستقبلا خلق واقع مضاف ليشرذم اليمن لبراكين قد تقذف حممها ليس لليمن فحسب بل والمنطقة بأكملها ، فاليمن قادم على انفجار كبير قادم لامحالة وفق هذه المسوغات

* كاتب يمني وسفير في الخارجية
 

التعليقات