تؤكد مصادر عديدة ومتواترة بأن الحوار بين جماعة الحوثي والسعودية والذي يجري حاليا في العاصمة العمانية مسقط قد وصل إلى مراحل متقدمة جدا حيث تم الاتفاق على كثير من القضايا والملفات وأن قيام التحالف بقيادة السعودية قبل أيام بالإعلان عن فتح مطار صنعاء والإفراج عن 200 من الأسرى الحوثيين ( وصل 128 منهم الخميس الماضي إلى صنعاء) ما هي إلا خطوة لبناء الثقة وإظهار جدية السعودية في الحوار مع جماعة الحوثي .
مؤكد بأن التحالف لا يريد من جماعة الحوثي قطع علاقتها بإيران كما تردد مؤخرا في بعض وسائل الإعلام لأن دول التحالف وعلى رأسها السعودية والإمارات نفسها لم تقطع صلتها بإيران بشكل أو بآخر حتى في ذروة الحرب الإعلامية بينها وبين إيران وكما أنها تدرك استحالة قطع الصلة بين جماعة الحوثي وإيران حيث تنخرط الجماعة ضمن ما يسمى بمحور المقاومة في المنطقة بقيادة إيران والتي قدمت لها الكثير من الدعم المالي والعسكري والسياسي والإعلامي ولذا فإن كل ما تريده السعودية من الحوثيين هو بضعة تصريحات إعلامية تنتقد إيران وتشيد بالسعودية وبالمصالحة معها لتحقيق السلام في اليمن لكي تحفظ القيادة السعودية ماء وجهها في الداخل والإقليم وتسوق لجمهورها بأنها قد أجبرت الحوثيين على قطع صلتهم بإيران وانهاء تحالفهم بها وإعادتهم للمحيط العربي في وقت يتضاءل نفوذ إيران في العراق ولبنان بفعل الانتفاضات الشعبية المتواصلة ودور حلفاء إيران في محاولة قمعها بمختلف الوسائل ، كما تريد السعودية إغلاق الملف اليمني بأسرع وقا وبأقل الخسائر الممكنة بعد أن طال القصف الحوثي منشآت أرامكو شرق المملكة وباتت المطارات والمعسكرات السعودية في مناطق جنوب المملكة عرضة للقصف بالصواريخ والطائرات المسيرة بشكل متواصل مما أضر كثيرا بسمعة المملكة وهيبتها وقوتها العسكرية .
مؤخرا نشرت تصريحات من مسؤولين امريكيين كبار بأنهم يضغطون على السعودية لإجراء محادثات رسمية مع الحوثيين وبالتزامن مع هذه التصريحات أكد مسؤول سعودي كبير ( لم يكشف اسمه ) عن إجراء السعودية بالفعل حوارا مع الحوثيين ونقلت وكالة "فرانس برس" عن المسؤول السعودي الذي لم تسمّه، قوله للصحافيين: "نملك قناة مفتوحة مع الحوثيين منذ عام 2016. نحن نواصل هذه الاتصالات لدعم السلام في اليمن ".
لتؤكد السعودية ما تحدثنا عنه مرارا وتكرارا بأن كل حديث التحالف بقيادة السعودية عن إعادة الشرعية ومحاربة المد الإيراني في اليمن مجرد أكذوبة ولافتة رفعها التحالف طيلة الأعوام الماضية لتحقيق مصالحه واجندته الخاصة على حساب استعادة الدولة اليمنية وتحقيق مصالح أبناء اليمن في وجود الدولة اليمنية القوية في بلد خالي من المليشيات المسلحة الخارجة عن الدولة وأن أوضح الأدلة على أكاذيب التحالف السعودي الإماراتي وانتهازيته هي اتخاذه سياسة إضعاف وعرقلة الشرعية وضرب جيشها وإرغامها على الشراكة مع مليشيا الإنتقالي المتمردة في الجنوب وانتهاجه سياسة تعزز من قوة ونفوذ وصمود الحوثيين حلفاء إيران في الشمال .
التحالف الذي يمنع طائرة اليمنية من المبيت في مطارات اليمن في عدن وحضرموت وعرقل إيصال الأموال من ميناء عدن للبنك المركزي داخل مدينة وعدن 17 مرة حتى استنجدت الحكومة بالأمم المتحدة كما كشفت ذلك وثيقة رسمية وصار ضباطه يعتقلون أبناء اليمن ويغتصبونهم في السجون كما أكدت عشرات التقارير الحقوقية بما فيها تقارير الأمم المتحدة ، هذا التحالف الذي قصف الجيش الوطني بطائراته على مدخل عدن في 29 أغسطس اب الماضي تحول من داعم للشرعية إلى معرقل للشرعية وداعم للانقلاب وإلى قوات احتلال يجب مقاومتها والنضال ضدها بكل الطرق الممكنة والوسائل الشرعية .
كل المؤشرات ومعطيات الواقع تؤكد أن حوار جماعة الحوثي مع السعودية هو على حساب الشرعية وقضايا الوطن المصيرية وهو ما حذر منه وزير الداخلية أحمد الميسري خاصة وأن الحوثي سيكون المستفيد الأوحد من هذا الحوار كونه يجني ثمار صموده طيلة السنوات الماضية وسيشرعن حكمة لمعظم مناطق شمال اليمن ويحوله من سلطة أمر واقع إلى سلطة شرعية على الأقل في المحيط الإقليمي والدولي وسيفتح المجال للاعتراف بالجماعة كدولة شرعية وهذا ما سارعت إليه إيران حيث اعترفت بالحوثيين كدولة واعتمدت سفيرا لهم لديها وسلمته مباني وممتلكات السفارة اليمنية في طهران وهذا لم يحدث إلا بعد حوار السعودية مع الحوثيين وهو ما يعني بأن السعودية ضمنت لهم إقامة دولة في الشمال وهذا ما يؤكد ذكاء الحوثيين الذين يتعاملون مع السعودية بشكل تكتيكي بما يحقق مصالحهم ليس إلا حيث ستقدم السعودية للحوثيين خدمات كثيرة ومبالغ طائلة باسم إعادة الإعمار ومقابل تأمين جبهات الحدود ووجود نوع من الولاء لها .
عندما تضع الحرب أوزارها وتتوقف صوت المدافع وهو ما أصبح وشيكا فإن جماعة الحوثي قد تتخذ بعض الخطوات السياسية في الداخل لإحداث انفراج سياسي ومصالحة وطنية حيث سيقبلون بعودة بعض قيادات الشرعية كمواطنين فقط وسيقبلون بوجود ديكوري لقوى سياسية كرتونية تعمل على شرعنة سلطتهم وتجملها كديكور سياسي ليس إلا ، لكن جماعة الحوثي لن تقبل بوجود معارضة حقيقية للجماعة .
الحوثيون سيظلون القوة الأبرز في شمال اليمن خلال الفترة القادمة وهذه الحقيقة صارت مؤكدة ولا يشك فيها أحد ولكن في كل الظروف والأحوال لابد من توحد كافة القوى والنخب الوطنية اليمنية والعمل على منع تقسيم اليمن وإيجاد تيار وطني ثالث ينقذ اليمن من مخاطر الهيمنة السعودية الاماراتية التي صارت تتقاسم النفوذ في جنوب اليمن ومن كوارث المليشيا المسلحة الخارجة عن الدولة ويعمل على استعادة الدولة اليمنية التي تمثل الجميع وتتسع للكل .
* باحث في الشأن الإيراني