عبدالوهاب العمراني

عبدالوهاب العمراني

كاتب يمني سفير في وزارة الخارجية اليمنية

كل الكتابات
تحولات إقليمية على عتبات 2020
الثلاثاء, 24 ديسمبر, 2019 - 07:00 مساءً

جملة أحداث وتطورات شهدها العالم والبلدان العربية تحديداً خلال العام 2019 ويبدو ان موجة جديدة للربيع العربي بعد ما يقارب العقد من  الزمن فكما وأدت موجة الربيع الأولى من قبل الثورات المضادة بإسناد ممالك النفط ، بذريعة مسوغ الاسلام السياسي فأن الاحتجاجات الحالية حاولت الجهات نفسها ان تلعب دوراً في اجهاض أي حركة ثورية رغم انها في بدايتها .
 
المشهد العام لتطورات متلاحقة مذهله عربياَ ودولياً  في اكثر من دولة وخرج الملايين إلى الشوارع في لبنان الى العراق والجزائر وقبلها السودان وكذلك من كتالونيا إلى كولومبيا ومن هايتي إلى هونغ كونغ ومن الجزائر الى تشيلي .
 
 وكان وراء كل حركة احتجاجية سببها الخاص. فالبعض دفعتهم إلى الشوارع مشاعر الإحباط والسأم من الفساد والنخُب المترسخة في مراكز السلطة. والبعض الآخر يحلمون بالديمقراطية.
 
بينما هناك بؤر عربية تراوح مكانها منذ سنوات مثل ليبيا وسوريا واليمن العامل المشترك بينها تدخل الاقليم عربا كانوا او عجم.
 
 اللافت في الاحتجاجات الاخيرة التي شهدها العراق وتحديدا بغداد والمحافظات الجنوبية التي تنمط طائفياً ( شيعية) كانت بلون آخر فعلى سبيل المثال ما جرى ويجري في العراق  منذ أكتوبر الماضي.
 
بضعة اسابيع عراقية ساخنة في الشارع العراقي تشير ملامح مستقبله لينهض من عثرته ولأول مرة تنبلج ثورة عفوية من رحم المعاناة بدون  نفس طائفي وكأنها تبدو بثورة داخل ما يسمى بالبيت الشيعي ، بطابع وطني عراقي صرف وحدت العراقيين ضد مدفع آية الله وكأنها تستلهم ثورة العشرين في القرن الماضي قبل نحو قرن من الزمن حيث كانت ثورة ضد الاحتلال الانجليزي توحد خلالها كل العراقيين .
 
ثورة ضد ملالي ايران وتدخل المرجعيات التي تدين بالولاء لأساطير وخرافات الشيعة سواء في عراق العجم "وهو الاسم لبلاد فارس وعراق بوابة العرب .
 
يبدو أن السنة الجديدة المقبلة حبلى بالأحداث والوقائع التي ستغيّر مجرى تاريخ صعب. ويدرك العقلاء أنّ كلّ من يقف ضد الثورة العراقية اليوم إنما يدرك أن جدار العراق إن سقط، فسوف  يسقط النظام السوري من بعده لا محالة، وتتحول خريطة الأنظمة السياسية، لأن إيران سوف تفتقد معبرها نحو المتوسط  عبر لبنان ، وهو الأمر نفسه في ستفقد نفوذها لدى اذرعها الحوثيين في اليمن .
 
وفي لبنان ثورة تحاكي ما يجري في العراق ولو بصورة اقل لاعتبارات ذاتية وموضوعية في كلا البلدين ، رغم هذا يتطلع الشعب اللبناني للافضل وقد تفرز الاحتجاجات حكومة انقى واكثر استقلالية من سابقتها .
 
معلوما بأن بلدان مجلس التعاون لم تكن متجانسة منذ عقود بدليل انها لم تحقق العملة الواحدة ولا توحيد الجيوش او حرية التنقل او القادمين لدولة من خارج بتأشيرة واحدة كما هو معمول في الاتحاد الاوروبي .
 
وسياسيا الخلافات البينية الخليجية كانت واضحة حتى ازمة دول الخليج مع قطر وسواها فعُمان لها رؤية ومدرسة خاصة في علاقاتها الخارجية منذ سعبينيات القرن الماضي ، وثبة سلطنة عمان ونهضتها تسير بهدوء وتنهج سياسة الحياد ازاء كل ما جرى ويجري منذ كامب ديفيد التي قسمت العرب بين جبهة الصمود وبين من يلهث وراء سلام مُستجدى !
 
 بينما الكويت بسياسة خارجية ذات خصوصية خارج فلك محور السعودية والامارات ، ولهذا فقد دأبت بالسعي للملمة شمل البيت الخليجي وتتعثر امام صلف دول المقاطعة ، وهو الأمر نفسه لسلطنة عُمان .
ووزاء مسوغات واقع الحال في ليبيا يبدو ان يبدو ان العام القادم ستدخل ما يشبه الفصل الاخير وقد يكون عام الحسم للصراع في ليبيا الذي بداء في وقت مبكر مقارنة في اليمن التي تلاحقت الاحداث منذ منتصف العام 2014م
الحرب الاقليمية في شمال افريقيا ساحتها صحراء ليبيا ومدنه وبالأخص ضواحي طرابلس، وهي كاليمن وسوريا تكالبت عليها كما تتكالب الأكلة على قصعتها، فليس هناك شيعة في ليبيا ليتم اتهام ايران بأنها تريد تحرر ليبيا من الفرس المجوس بل فئة متمردة تتلقى دعما لوجستيا من جيران ليبيا وتمويلا من عرب النفط وإسناد أوروبي بداء من روسيا مرورا بفرنسا وايطاليا وانتهاء بواشنطن . يقابله تحالف الحكومة الشرعية المعترف بها بدعم تركي وتم ترسيم حدود لمصلحة الدولتين كان بمثابة صدمة من الطرف الآخر .
 
وطرابلس ليست بمأمن فما سمى بالمعركة الفاصلة قد اعلنت ساعة الصفر اكثر من مرة وتنتهي بخيبات امل متلاحقة ، لكن ميزة الحالة الليبية ان لديها خيارات اختيار الحلفاء والداعمين المفترضين بسبب بقاء حكومتها داخل ليبيا وليست مرتهنة في الخارج لخمس سنوات كالحالة اليمنية وهذا بداهة له ميزة داخلية تأييد شعبي لقطاع كبير من الشعب وميزة اخرى للمناورة السياسية في استقطاب الحلفاء كند وطني قوي .
 
الجزائر عاشت اخر ايام هذا العام اعراسها تتويجاً لثورتها بتنصيب الرئيس المنتخب مؤخراً وقد تضمن خطابه في البرلمان في الحفل البهيج كثيراً من مطالب الثوار في حالة تمت تلك الوعود وكذلك تقليص صلاحيات رئيس الجمهورية في مسودة الدستور المقترح للاستفتاء والاكتفاء بولاية واحدة فقط ، إلى آخر ما يفترض من تحقيقه في حده الادنى على الأقل .
 
اللافت بأن من قادة الجزائر الى بر الامان العسكري العتيق قايد صالح ترجل بعد ايام معدودة من تنصيب الرئيس المنتخب ، وكأن الاقدار شأت ان يرحل بانجاز يخلد له .
 
وفي السودان يحاكم البشير وبعض رموز حكمه والذي لم يكن احداً من اسرته في مناصب رفيعه كما في اليمن ولم يكن في ولا مطلق لدول الاقليم ولم يكن مرتهنا للخارج كما في الحالة اليمنية .
 
بينما يتحسر جنوب السودان لتداعيات الانفصال وكأن الشعب في كل السودان يلعن من البشير الذي تسبب في حروب داخلية وحقق انفصالا شمالاُ وجنوباً..
 
 فليس حال جنوبه بأفضل من شماله بعد سنوات من الانفصال رغم ان هناك مسوغات للانفصال فجنوبه باغلبية غير مسلمة وليسوا عرباً ، بعكس الحال في جنوب اليمن .
 
الصومال يعفى من ديونه تماما حسب توصية البنك الدولي ويتجه للاستقرار بينما شطره الانفصالي يعاني عزلة فليس كل من انفصل سيعيش رغد العيش وتتسارع البلدان في الاعتراف بذلك الانفصال الا في مخيلة "الحراك الانتقامي" في جنوب اليمن
رؤساء مخلوعين قدموا للمحاكم كما في حالة السودان ، وحالات اخرى تقضي المحاكم بالاعدام كما في باكستان ، وفي مقارنة بحصانة منحت من لا يحق له الى من لا يستحق كما في يمن الفوضى حيث منح الرئيس السابق حصانة يحلم بها أي دكتاتور وانسحب شكليا من السلطة وتفرغ في اليوم الثاني لتخريب المرحلة الانتقالية والتنكيل باليمن .
 
واجمالاً كل ما حدث ويحدث منذ نحو قرن من الزمن هو تهيئة لتثبيت دولة الكيان الصهيوني وتوسعة ومؤخرا يراد تسوية ينخرط فيها بلدان عربية مؤثرة كالسعودية وسواها فيما سمى بصفقة القرن ولا يعني تراجع الاعلام عن طرح "صفقة القرن " بطي هذه الفكرة وأنما يبدو انها تهيئ وتطبخ على نار هادئة ليقطف ثمار التأمر في الوقت المناسب
 
* كاتب يمني وسفير في الخارجية

التعليقات