مرت أكثر من أربع سنوات على الحرب المجنونة في اليمن، وبحساب الربح والخسارة فإن الحكومة حتى اليوم هي أكثر الجهات المتضررة ولا تزال تخسر كل يوم الكثير والكثير، بدءا بسمعتها داخليًا، التي باتت شبه سيئة، وانتهاء بعدم قدرتها على التحكم بالمدن والمناطق المحررة، وذلك يعود لأسباب كثيرة أهمها العقم الإداري لدىها كسلطة حاكمة، وغياب الرؤية الاستراتيجية لديها في التعامل مع لحظة الحرب اللعينة، ثم يأتي بعد ذلك العامل الخارجي، الذي بات هو صاحب القرار والمتحكم به، وهو بالطبع نتيجة لسبب!
نعرف جميعًا البدايات الأولى للحرب، وكيف أن حركة الحوثي الهاشمية منيت بضربات قاصمة للظهر، وكيف أنها أحست بقرب ودنو اللحظة الأخيرة، حتى أن كثير من المحللين توقعوا أنها مجرد أيام وسينتهي الحوثي وتعود الدولة، وهذا صحيح، وبطريقة أو بأخرى استطاع التحالف أن يلحق الهزيمة والأذى بهذه الجماعة القادمة من خارج التاريخ والجغرافيا، وقد عشنا جميعًا لحظات رأينا فيها قيادات الصف الأول للسلالة قد اختفوا عن الأنظار وحتى عن النشاط الإعلامي وباتوا خائفين ومطاردين، ثم ماذا حدث بعد ذلك؟
امتدت المعركة وطالت وتشعبت أهدافها وتداخلت مع أهداف ومطامع لا علاقة لها بالهدف الكبير الذي اندلعت المواجهات في كل مكان لأجله، مما استدعى تعدد الرؤوس التي تتحكم بالمشهد اليمني، فهناك من رأى في الحوثي ورقة ينبغي أن تبقى على ما هي عليه بمقاسات وشروط معينة، وهي جهات ودولًا كثيرة نعرفها لا داعي لذكر أسماء، ولا أمتلك الشجاعة لذكرها، اتفق الجميع على الإبقاء على الحوثية، وهذا منحها الحرية في الحركة واستعادت من خلاله أنفاسها ورتبت أوراقها ومنها بدأت تتعامل مع الأمر بثقة مطلقة، وكأنها ضمانات بعدم المساس بها أو محاولة الخلاص من إنقلابها، حدث ما لم يكن في الحسبان، انتفشت الإمامة وكشرت عن أنيابها كما لم يحدث من قبل، وهذا لم يكن لولا ضعف وغباء ضمير الطرف الآخر!
مشكلة المتعاقبين على حكم اليمن ليس السوء الإداري والفساد وحسب، وإنما الجهل المتعمد بما يجب عليهم فعله، غياب الأولويات لدى السلطات الحاكمة وكأنه موروث، فمثلا، لا يوجد في الكرة الأرضية، دولة تخوض حربًا أهلية مدفوعة من الخارج ثم تذهب لتعيين وزيرًا للسياحة ومثله وزيرا للكهرباء، بتعيينات بالجملة ليس فيها تعيين واحد له علاقة بالمعركة التي تخوضها الدولة، وهذا شيء بسيط يوضح كم أننا نجهل الأولويات عن سوء عمد، ونذهب خلف الأهواء والتمنيات والأحلام الوردية، نفس الشيء ينطبق على من يشتغل بوتيرة وحماس بالعين في المناطق المحررة، بدورات لنقش الحناء وتعليم الخياطة وركوب الخيل، في الوقت الذي يبحث الناس عن رغيف خبز ويجلسون على حقول الألغام!
إن الأولويات المنسية في المعركة اليمنية هي السبب الرئيسي في ما آلت إليه الأوضاع في اليمن، هي خلف هذا الضياع الذي أصاب البلاد في مقتل وهدد أمنها وقضى على سيادتها ومزق مؤسساتها الهشة، الأولويات المهدرة هي من تغفل عن حركة الحوثية اللعينة في كل المحافل وحيويتها النشطة جدا في كل الدول، على كل المستويات السياسية والإنسانية، وكل هذا لا يحرك شيء في ضمير الحكومة الشرعية، وكأنه لا يعنيها أن قيادات إمامية هاشمية باتت اليوم على رأس هرم المنظمات الدولية، وأصبحت تشكل جماعة ضغط لصالح الحركة الحوثية السامة، وضد اليمنيين ودولتهم وحكومتهم الشرعية، أسماء كثيرة أصبحت تنشط لصالح الحوثية ومحاولة لتقديمها كحركة مظلومة بقدرات خارقة!
إنه لمن المحزن والمخجل والمبكي أن نرى حكومتنا التي استنجدت بالعالم تتمزق بينما من اتفق عليه الجميع بصفته انقلاب يتمدد ولا يبالي، ويتحرك كما لو أنه الحاكم الباقي حتى الأبد، لا شيء يمنحك انتصارًا مهما بلغ بينما يعيش ملايين من أبناء وطنك تحت رحمة التخلف والرجعية الإمامية، فضلا عن بقاءه مختطفا تحت تهديد الرصاص الحي والسلاح المجنون، حينها ستعرف الحكومة كم أنها ارتكبت وترتكب الجريمة المنظمة بحق شعب لا زال يراهن عليها وينتظر منها تحقيق المعجزة حتى اللحظة الأخيرة!
رغم ذلك وبعيدًا عن الواقع الأليم، لا زال هناك متسع من الوقت رغم الخسارات المدوية، بإمكان الحكومة اليمنية أن تعيد تعريف المعركة، أن تعرف ماذا تريد، أن ترتب أولوياتها وتقف بجسارة أمام الجميع، كائنا من كان، وتقول لهم: بات من الضروري أن نستعيد نحن زمام الأمور، لقد خسرنا بما فيه الكفاية وآن لنا أن نكسب، فإن كنتم صادقين فادعمونا، وإن كنتم غير ذلك لا مرحبًا بكم، ومن كان شعبه خلفه لا ولن يخسر. أبدا أبدًا.