دول الخليج مجتمعة وإيران معها والدول الإسكندنافية وحتى موناكو، كل هذه الدول بزجاجها وأبراجها، بمالها ورمالها، بنفطها ودمها، بأعلامها وإعلامها، وبأدواتها ومرتزقتها، لا تزن عندي ذرة غبار عالقة في قدم حافية ليمني واحد من أبناء هذه الأرض المحاصرة بالمكر والمقهورة بالتافهين الذين باعوها بتذكرة سفر أو أو حجز فندقي أو وليمة عشاء أو تاشيرة دخول أو مصروف يومي.
في اليمن أحرار غير أولئك الذين تحولوا إلى باصات أجرة في شوارع الخليج.
مع كل حدث أو وجع ينال من دمنا، ننفعل ونكتب بنزق المحروق والمغلوب وفاقد الحيلة، لكن بمجرد أن تزفر أو تشهق في الهواء الطلق، تتقافز لك البكتيريا والحشرات التي تعيش في غرف تفتيش الأحزاب والسفارات وأجهزة المخابرات المتخمة هنا وهناك، كل ساقط يريدك أن تتردى معه في ذات المستنقع وتصطف في طابور شقاة الدفع المسبق.
لا يمكن لمأجور أو مسموم بالحقد والفجور استيعاب أن هناك من يكتب انفعالاته وقناعته، غير مكترث بالحسابات والانحيازات، المحلية والإقليمية.
لا يمكن لأدوات الأحزاب وأدوات الدول وأدوات الجماعات وأدوات النافذين أن يتعاملوا مع الرأي الآخر بحسن نية، فهم لا يرون في آراء غيرهم إلا صورهم أو صور نقائضهم الذين يلتقون معهم في نوع الخدمة للممول وإن اختلفوا حول قضية ما.
نحن يا هؤلاء أكبر من سادتكم وأحذيتنا أطهر من قلوبكم، نكتب حين نغضب غالبا، ولا نبالي بسخط أو ارتياح أحد، نحاول حين تضغط على أنفاسنا الكرب، وحين نفقد صبرنا، أن نكتب حتى لا تنجلط قلوبنا، وحتى لا يقنط الناس من وجود كاتب أو شاعر أو ناشط أو سياسي متجاوز للدوائر، وكبير على السقوط، وقريب من الوجع العام والهم المشترك والموت المشاع.
لقد كبرنا على كورسات الإملاء ولم يعد بوسع أحد أن يحولنا إلى تلاميذ يجلسون بهدوء وينتظرون العبارة المعتادة: أكتب ما يُملى عليك.
أيها الصغار، ليس كل من بصق في جهة، يعني بالضرورة أنه مدفوع من الجهة الأخرى، ولا كل من خالفكم في قناعة أو وافقكم فيها، يعمل مثلكم بالريموت كنترول.
إن أحزابكم وجماعاتكم والدول التي تستعبدكم جميعا وبلا استثناء، هي أصغر من مقاسات أحذيتنا، ولا يمكن أن ننتعلها فكيف بأن نكون أحذية لها.
نكتب نعم، نتفق ونختلف معكم نعم، لكن لا نفعل ذلك إلا لأننا نستجيب لضمائرنا، صحيح أيضا؛ أننا نخطيء أحيانا، لكننا نكفر عن أخطائنا بالندم، وننخدع، لكن حين تتضح الصورة لا نخجل من مراجعة مواقفنا والعودة للخلف أو القفز للأمام حسب مقتضيات اللحظة واطمئنان الضمير، لا حسب حالة الطقس واتجاه الريح وأرقام الحوالات.
لا أحد بإمكانه أن يملأ جرح الحر بالذهب، فالحرة لا تأكل بثديها، واليمني الشهم لا ينهش لحم أخيه لكي يصفق له ولي نعمته في عاصمة خليجية أو حوزة ما .
ما كل محتدم يشبه صوركم المنقطة بالنفط والرز، نحن هنا، نعيش بالكاد.. نشبع ونجوع، نستدين ونماطل، نفكر في مصروف الغد أكثر من تفكيركم في ما قد يرضي أو يسخط أسيادكم، نختبيء من المؤجر، ونكذب على البقال، وننافق بائع القات، ويقتلنا سعال أطفالنا حين يكحون في ليالي الجدب.
ورغم كل ذلك، نرفض تأجير كلماتنا من أجل سداد إيجار البيوت، ونأنف بيع ضمائرنا بملء جيوبنا، ونخاصم أقرب المقربين إن حاول حتى بالإيحاء أن يستغلنا أو يوجهنا أو يجعلنا أحذية وأبواقا، حتى وإن كان بقليل من الابتذال، لا نستطيع أن نكون ماسحي جزمات ولا لاعقي مؤخرات في ممالك الخليج أو جمهوريات الموز.
بوسعنا أن ننافسكم سوق النخاسة لو أردنا، وما أسهل بيع المواقف والضمائر، أبواب طويل العمر مفتوحة، ونوافذ كسرى تكح ألماسا وأمواسا حادة، لكننا نتهيب أن يقال فينا ما تسمعون فيكم من قول على كل لسان، ونخجل أن يقرأ أولادنا عنا حين يكبرون أننا رخيصون وصغار ومأجورون.
لا يعني حين ألعن السعودية أنني أسبح بحمد إيران، ولا حين أبصق على شاشة قناة الجزيرة أنني أقبل حذاء ضاحي خلفان في دبي، ولا حين أصفق لكأس العالم في قطر أنني أرفع الواسطة لجماهير ليالي الرياض، كما لا يعني حين أرفض عبث التحالف أنني استسلمت لمشروع الحوثي السلالي أو أنني سأغض الطرف عنه يوما .
تعيشون أزمة الشعور بالذنب والنقص، وتستفرغون في طرقات المقهورين لكي تحافظوا على أناقتكم في مقرات أحزابكم أو في مرابط النوق والأمراء، ثم لا تتورعون من رجم غيركم بالمتافل التي تغسلونها بماء وجوهكم في مجالس ومكاتب أسيادكم.
تعالوا معنا نتبول في أفواه وبنوك من تتهموننا بهم، لكن أتحدى واحدا منكم أن يتجرأ على استنكار النار التي أشعلها أسيادكم في ثياب أمهاتكم، أو يرفض الأخطاء التي يرتكبونها في بيوتكم، أو ينحاز للوطن ضد كل من أساء لقبضة تراب في صعدة أو في المهرة.
أكيد لا تستيطعون، تتنكرون حتى لشرفكم حين يدهسه العار الذي يستخدمكم كقفازات، لأن بطونكم متسخة، وضمائركم معطوبة.
أيها الصغار، حين تجدون كلمة ساخنة، تأكدوا أنها لم تنتظر الإذن من أحد ليوافق عليها أو يحدد مسارها؛ ولا داعي لأن نذكر الصغار كل مرة، أننا نتأفف حتى من الكلام الذي يحوم حولهم وحول أحزابهم وعصاباتهم وعواصم المال التي يحجون لها، ذلك لأننا أبناء طهر هذه الأرض اليمنية لا مهجنون ولا بصقتنا فقاسة جماعة أو حزب ولا نحن أطفال أنابيب النفط والغاز المسال.
إن الفرق شاسع بين البعر في الصحراء وحبات اللؤلؤ في البحر.