من حق السياسيين وقادة الأحزاب أن يعتذروا لبعضهم، وهو توجه حسن وبادرة طيبة، لكن قبل ذلك من واجبهم أن يعتذروا للشعب اليمني جرَّاء فشلهم وفسادهم (ولو بِنِسَبٍ متفاوتة)! وتضييعهم عقود من تاريخ اليمن بلا تنمية، ولا رخاء، ولا بُنية تحتية، ولا تعليم، ولا صحة، ولا ماء نقي صالح للشرب، ولا كهرباء، ولا شبكة طرق محترمة، ولا ... ولا ...، وبالعكس من ذلك صفقات فساد، ونهب للقروض والمال العام، وتجذير للجهل والأمية والإفقار، وغير ذلك مما تمتلئ به التقارير الدولية والأممية والوطنية.
أما شباب ثورة فبراير2011 العظيمة فلهم من كل حرٍ وعاقل ومنصف مليار سلام وتريليون تحية وإجلال وإكبار لأنهم:
1) ثاروا بعد أن فشلتْ جميع التوافقات الحزبية، ومحاولات الإصلاحات الدستورية والإدارية والسياسية والاقتصادية وانسدَّتْ في وجوههم كل الطرق والآفاق.
2) ثاروا بسلمية وأسلوب حضاري تعترف به الدنيا كلها وسيلة صحيحة للإصلاحات والتغيير، وتعترف به دساتير العالم منهجاً للحرية والتعبير عن الرأي والرفض للأخطاء.
3) فتحوا ساحات ثورتهم واعتصاماتهم لكل الشعب اليمني بكل مكوناته وفئاته وتنوعاته وأحزابه وجماعاته حتى ذابت فيها كل الفوارق والطبقات والأعراق والسلالات، وتلاشت معها الثارات والخلافات المناطقية والعرقية والحزبية والفكرية، ولم يستثنوا منها يمنياً أو يمنية قط، وكانت رسالة واضحة بأن ثورة فبراير2011 ليست حزبية ضيقة، ولا مناطقية أو سلالية أو عرقية محدودة، وإنما يمنية خالصة ومن حق كل مواطن يمني أن يشارك فيها ويقود أنشطتها.
4) حددوا مطالب مشروعة وطنية واضحة كالشمس وفي مقدمتها: تجفيف منابع الفساد ونهب الثروات، وإصلاحات إدارية وسياسية، ونظام مدني ديمقراطي، وعيش كريم، وتعليم حديث، وصحة وبنية تحتية و..
5) فتحوا صدورهم وأحضانهم لكل مبادرة إصلاح وسلام وتوافق، فقبلوا بـ"المبادرة الخليجية" و"الحوار الوطني" و"المحاصصات الحزبية" (مع مرضها وسوئها وبشاعتها وأنانيتها) كتطمين للإقليم والخارج والداخل بأن ثورة فبراير2011 ليس لها من هدف سوى إصلاحات وطنية مشروعة وحسب، وأن ثورة فبراير2011 سلمية وستبقى حريصة على تحقيق أهدافها بكل الطرق السلمية.
6) لازال شباب ثورة فبراير2011 ومنذ الانقلاب المشؤوم في 21 سبتمبر2014 مرابطين في ساحات نضالاتهم السياسية والإعلامية والعسكرية ضد الانقلاب والاحتلال والانتقاص لتحقيق أهدافهم التي تتجدَّد أولوياتها في كل مرحلة وتتسلسل في كل زمن.
وأخيراً
تعثُّر ثورة فبراير2011 "المؤقت" إنما هو دليلٌ صريح صحيح ناصع كالشمس على حقائق ومؤشرات أهمها:
1) أن ثورة فبراير2011 كانت يمنية وطنية خالصة وليست أجندة دولية أو "بطيخية" فلو كانت مدعومة من أمريكا أو إسرائيل ـ كما يهرف بعض الصغار ـ لانتصرتْ رغم أنف الإقليم والداخل والخارج فجميعهم منبطح تحت إرادة "ماما أمريكا" ويستجدي الرضى الصهيوني.
2) حجم المؤامرة الدولية والإقليمية والداخلية على إرادات الشعوب المشروعة وتحررها من الفساد والارتهان.
3) فشل الحاضنة السياسية لثورة فبراير2011 والتي استأمنها الشباب ووثق بها وأعني بها "اللقاء المشترك" الذي كانت قياداته أصغر وأقزم من طموحات الشباب ورحابة أهدافهم، وكذا فشل القيادة السياسية التي سلَّم لها الشباب قيادة الدولة وأعني بها "رئاسة هادي" وشركائه.
4) جولة من جولات الثورات العظيمة التي لا تتحقق في يوم وليلة وإنما جولات وجولات تتعثَّر هنا وتتقدم هناك وتنتصر في خاتمة المطاف بعون الله وإرادات الشعوب والشباب.
هذه هي ثورة فبراير2011 العظيمة عليها السلام، وهؤلاء هم شبابها وفتياتها رضي الله عنهم أجمعين.