تأثير الحكومات العميقة في رغبات الشعوب
الأحد, 01 مارس, 2020 - 08:25 مساءً

كُتب في موقع وكيبيديا " أن الدولة العميقة أو الدولة المتجذرة أو دولة بداخل دولة، مفهوم شائع غير اختصاصي يستخدم لوصف أجهزة حكم غير منتخبة تتحكم بمصير الدولة كالجيش أو المؤسسات البيروقراطية المدنية أو الأمنية أو الحزبية الحاكمة، وقد تتكون الدولة العميقة بهدف مؤامراتي أو بهدف مشروع كالحفاظ على مصالح الدولة كنظام حكم".
 
هذا تعريف مختصر عن الحكومة العميقة، بيد أن مقالتي هذه تتحدث عن تأثير هذه الحكومة في مقدرات الوطن العربي وتأثيرها على ثورات الربيع العربي، وكيف أن هذه الحكومة العميقة لها إمتدادا خارجيا له تأثيراً واضحًا عـلى نطاق أوسع بما يحدث على أرض الواقع، وكيف أن معظم الحكومات العميقة لها مصالح مشتركة تخدم فئة أرستقراطية، تمتلك معظم الموارد المالية ابتداء بالإعلام والبنوك ومعظم الوزارات السيادية التي تجعل الدول في قبضتهم عالميا، ربما يرى البعض أن كلامي مبالغًا فيه، ولكن للأسف هو واقعٌ حقيقي لا نستطيع أن ندس رؤوسنا عنه في الرملة.
 
فمثلا الحكومة الأمريكية مع كل عظمتها وسطوتها العسكرية والمادية والبشرية والعلمية هي ألعوبة في يد اللوبي اليهودي، الذي يتحكم بمفاصل إقتصادها، حتى وصل بهم الأمر إلى إمكانية دعم أحد المرشحين للرئاسة وفق ما يرونه مناسبًا، فالرئيس دونالد ترامب على سبيل الذكر إنه قاب قوسين أو أدنى من الفوز بالفترة الرئاسية القادمة رغم كثرة عيوبه التي لا تحصى حسب المؤشرات الأولية، وذلك لما قدم من خدمات جليلة لم يقدمها أسلافه لإسرائيل. ولا يخفى عليكم أن الولايات المتحدة تعتبر شرطية العالم لما لها من قوة في العتاد وانتشار لقواعدها العسكرية في شتى بقاع المعمورة، لتصبح الزعيم الأوحد للحكومات العميقة لدول الفتات المغلوبة على أمرها، سيما دول الشرق الأوسط وشمال أفريقيا. بيد أن الحكومة العميقة في تركيا تم تصفيتها وتطهير البلاد منها بُعيد محاولتها الفاشلة عام 2016 لقلب نظام الحكم على أردوغان، فظهرت على السطح وانكشف أمرها وتم إضعاف سطوتها ولا زال التطهير مستمرا إلى أن تختفي تماما.
 
بينما الحكومات العميقة في أوطاننا العربية والإسلامية لا زالت قوية ومتجذرة ولها ارتباطات ودوافع خطيرة ضد مصالح الشعوب للحيلولة من إرساء الحكم الإسلامي والذي يمثل الحكم الديمقراطي السامي، الذي يعتقد الغرب أنه ربما قد يمكن العرب من السيادة كسابق عهدهم. وهذا ما نراه اليوم في تركيا رغم أنها لا زالت دولة متأصلة في علمانيتها، ولكن دور الرئيس أردوغان في إلغاء الحظر الجائر على مظاهر الإسلام، وإرساء مبدأ العدالة وتحسين الخدمات العامة لمواطنيه غير من حالها البائس السابق إلى جعلها في مصاف الدول المتقدمة. فقد أسست الحكومة العميقة أو حكومة الظل في أوطاننا العربية قاعدة صلبة غارزة براثنها في أعماق مفاصل الحكم، لتتمكن من تسير الأحداث وفق أجندات تخدم أطرافاً خارجية يهمها مصالحها الجيواقتصادية. ونجده ذلك جلياً في سياساتها متخذة استراتيجية شعرة معاوية، حتى تتمكن من ضبط الأمور بدهاء وتمعن للحيلولة من فقد سيطرتها على دفة القيادة وعلى مفاصل الحكم. فالربيع العربي كان بمثابة هاجس أرعبها كثيرا، فدأبت في التحرك الخبيث المحسوب بدقة لتوظيف الحدث بذكاء لصالحها.
 
فثورة 25 يناير في مصر التي أسقطت حسني مبارك كما يظن الأغلبية، لم تكن إلا لتهدأت الشعب، فمن أسقطه في واقع الأمر هي الحكومة العميقة التي رأت أنه أصبح ورقة خاسرة فيجب التخلص منه حتى تعيد الأمور إلى نصابها، فأرخت شعرة معاوية في باديء الأمر لحين عمل انتخابات حرة عبر صناديق الاقتراع، ثم كشرت عن أنيابها عندما رأت أن الوقت قد حان للعودة لسدة الحكم مستخدمة كل وسائل القوة المتاحة. أما في اليمن السيناريو كان له طابعا مختلفا نوعا ما، كاد الشعب أن يتخلص من الحكومة العميقة حتى غدت ضعيفة ولولا التدخل الخارجي على شكل مبادرة خليجية، لانتُشلت الدولة من براثنها، فأعطى ذلك للحكومة العميقة الفرصة لاستعادة عافيتها، فأفشلت كل محاولات الشعب والشرفاء من الحكومة لإرساء الديمقراطية الحقيقية والتخلص من نظام الجباية والقبائلية. فلم تستطع أن تهز كيان مطالب الشعب إلا بإشعال فتيل حرب فاشلة نتيجتها كانت خسائر فاضحة في الأرواح والعتاد وتدهور كل سبل الحياة الأساسية من خدمات عامة للمواطنين وأدخلت البلاد في نفقٍ مظلم لا نهاية له، وسمحت بالتدخلات الخارجية التي لها أطماع تاريخية في اليمن.
 
والصورة تتكرر في معظم أوطاننا العربية ولكن بدرجات متفاوتة، سيما الأنظمة الأرستقراطية المستقرة نوعًا ما تعتبر هي الحكومة العميقة والتي تقدم الولاء والطاعة دون اعتراض لرئيس الحكومات العميقة، وأقصد هنا الولايات المتحدة الأمريكية الدولة الاستعمارية للكرة الأرضية، والذي لا يختلف عليه إثنان. فهي الدولة الوحيدة شئنا أو أبينا تفرض عسكرتها وتشرطها على دول العالم، كما لها الحق في إلغاء أو إيقاف قرارات الأمم المتحدة ولو اجتمع العالم قاطبة في قراره. وقد فشلت جميع محاولات التخلص من سطوة هذه الحكومات العميقة في كثير من البلدان الإسلامية وغيرها عندما ارتقى رؤساء حاولوا أن يتملصوا من هذه الحكومات التي تعمل في الظل، مثل الرئيس التركي عدنان مندريس والرئيس نجم الدين اربغان اللذان حاولا أن يعيدا وجه تركيا الإسلامي على نمط أردوغانٍ، فتم خلع الأول وإعدامه وأما الثاني اكتفوا بانقلابٍ عسكريٍ ضده، وكاد أن يلحق بهم أردوغان لولا حماية الله له ووقوف الشعب التركي ضد الإنقلاب الذي تذوق تحت ظل حكمه نعيم الديمقراطية والرفاهية الاقتصادية. فأردوغان استفاد كثيرًا مما حدث للرؤساء السابقين وارتقى إلى سلم الحكم مستخدمًا أعداء الأمة جسرًا للعبور إلى بر الأمان، وهذا مالم يدركه قاصري البصيرة الذين لم يفهموا أن الدنيا كرٌ وفرٌ حتى في السياسة. ولا يخفى عليكم أن أردوغان في بداياته السياسية اُضطهد واُعتقل بسبب توجهاته الإسلامية والذي اعتبروه خطرًا على النظام العلماني، مما حاد به أن يداري العدو لحين التمكن، وقد أُخذ عليه ذلك عندما زار اسرائيل، وابقى العلاقات معها، مدركًا تماما أن للعدو خطّافات داخل تركيا على هيئة حكومة عميقة متجذرة، لا طاقة له لمواجهتها حتى يتمكن.
 
السياسة هي فن ودهاء ومن يتقنه يمتلك زمام أمره، وهذا ما جعل أمريكا أحد أقوى الدول عالميا قاطبة دون منازع، بسبب اعتمادها على الحكومات العميقة التي استطاع النظام الصهيوني زرعها في معظم الدول، إبتداءً بتركيا قبل قرنٍ من الزمن في عهد السلطان عبدالحميد الثاني عندما استوطن يهود الدونمة في غرب تركيا بعد أن سمح لهم السلطان عبدالحميد بدلا عن فلسطين الذي قام بسببها مؤسس الصهيونية تيودور هرتزل مقابلة السلطان عبدالحميد طالبًا منه القدس وطنا قوميا لليهود. فكانوا هؤلاء اليهود يشكلون الحكومة العميقة بالنسبة لبريطانيا حتى أسقطوا السلطان عبدالحميد عام 1909م ومن ثم زرعوا بذرة الفتنة بين الدولة العثمانية والعرب. فأمريكا تعتمد اعتماداً كبيرًا على الحكومات العميقة لزعزعت الأمن كأحد الأسلحة الفاعلة التي تجعل خصومها في حالة أضعف. ولا ننسى أن تيدور هرتزل قال :" سنولي على الشعوب العربية سفهاءهم ليستقبلوا الجيش الإسرائيلي بالورد والريحان"، وما نراه اليوم من الهرولة نحو التطبيع هو نتيجة لفاعلية الحكومات العميقة التي تخدم للأسف الشديد أعداء الأمة بدلًا عن أوطانها. فالحكومات العميقة هي قطعا فئة خائنة، وهذا واضحا جليًا في التحركات الآخيرة في السودان عندما قابل عبدالفتاح برهان نتنياهو سرا بالتنسيق مع محمد دحلان الذي استوطن السودان بُعيد الثورة ليكمل مؤامراته كمندوب عن دولة الإمارات خادمة الصهيونية العالمية. أساسًا اتفاق السودان بين الثوار والعسكر كان غاية في نفس الحكومة العميقة لارجاع السودان إلى حاضنة المؤامرات والدسائس.
 
فتقاسم الحكم بين المدنيين والعسكر ما هو إلا ضحك على الذقون ودجل على الشعوب، فالعسكر مكانهم الطبيعي في ثكناتهم للذود عن الوطن فقط.
 
والله غالبٌ على أمره ولكن أكثر الناس لا يعلمون.
 

التعليقات