الحب في زمن كورونا
السبت, 14 مارس, 2020 - 10:07 مساءً

سنموت غدًا أو بعد غدٍ يا رفيقة، سنموت نحن، وقبلنا سيموت أشرار القبيلة، تلك العيون اللئيمة التي تكدر صفو حياتنا لا بد أن تغادر أولًا. أما نحن سيغض الموت طرفه عنا قليلًا، لربما يمنحنا فارقًا زمنيا لنرتب رحيلًا مناسبًا؛ لنرتوي؛ لنغادر الحياة متعانقين ونحن نشعر بالرضي عن الوجود.
 
إنها لحظاتك الأخيرة للتخلص من طباعك اللئيمة يا غبية، افتحي مخازنك الثرية لعاشق بائس ووحيد، لشاب حزين وخائف، لمشرد يتسول الحب على عتباتك المغلقة. انفقن عواطفكن بسخاء أم تجيد التربيت على قلوب صغارها الخائفة.
 
نحن الرجال مهما بلغنا من القوة والصلابة، نظل أطفالا في حضرتكن، ومهما كابرنا لا بد أن نستسلم في لحظة ما ونعلن الهزيمة على نوافذكن.
 
بعد غدٍ ستمُتن، ستموتين، سنموت جميعا، سينتهي كل شيء وتصيرين طعامًا للعدم.
 
هذه الفسحة التي يمنحها القدر للكائن قبيل رحيله، علينا أن نستثمرها كما يجب.
 
تعالي إذًا، نستدرك الزمن ونفكر بطريقة مختلفة، نهددهم بالموت؛ ليستعيدوا إيمانهم بحقنا في الحياة. نتمرد على مخاوفنا، ونستغل لحظة ارتباك العالم، نستجمع أقصى ما نملك من شجاعة الإنسان الأول، ونبصق في وجوه الجميع ثم نهرب إلى حيث نشاء.
 
نتسكع برؤوس مزهوة، نخترق القانون، نلعن دروايش السلالة وحراس الأخلاق ونتجول مساء في شوارع المدينة بثياب خفيفة.
 
إنها لحظة مناسبة للهرب، لتحطيم الأغلال، للتوبة وارتكاب المحرمات، فرصة نغتذر فيها لأعمارنا الضائعة ونستثمر هذه اللحظات الأخيرة من عمر الكوكب.
 
تعالي نمنح وجودنا فصلًا أخيرًا مختلفًا عما سبق، فصلًا جديدًا نعيشه كما نرغب، كما يجب، كما ينبغي أن تُعاش الحياة لا كما هو مفروض علينا. كما يعيش العشاق الأبطال، ذوي الأرواح المجذوبة، أصحاب المغامرات الذين يعيدون تعريف الحياة بأنفسهم، ويصبغون على الوجود البارد معانيهم الخاصة.
 
مللنا من هذه الحياة الخائفة، الحياة الكسيحة، العيش الرتيب، ذلك النمط من الوجود الفارغ من المعنى، حياة باهتة، مكررة، مستنسخة، تتحرك بموازاة القوانين التافهة والأعراف التي رسخها أناس أصبحوا في عداد الموتى. لماذا ما يزالوا يملكون الحق في تحديد طريقة عيشنا وقد صاروا جثثًا. أنا مؤمن أنهم لا يفقهون شئيًا عن مزاجنا الجديد ونفسياتنا المصاغة بطريقة مختلفة عما كانوا عليه، لماذا لا نقلب الطاولة على الجميع وندشن فصلا جديدًا من التأريخ..؟
 
أظن الفرصة مناسبة، كورونا يجتاح العالم، والمصائب الكونية تفتح فجوات في جدار التأريخ، أظنها لحظات مواتية للإنقضاض على كل ما هو معيق لتدفق الحياة، لإعادة صياغة قواعد عيش مختلفة.
 
البداية من حياتنا نحن يا رفيقة، لتكن سهرة تأريخية على سطح منزلك الدافئ هذه الليلة، نتدارس فيها الوضع، نشّخص مشكلة العالم، ننطلق من الكليات إلى الجزئيات، نبدأ من الأفكار الكبرى، نصيغ تأثيثًا فلسفيًا للقضية، ثم نتدرج للأسفل، نتتبع سلسلة المشاكل وصولًا لمشكلتنا الخاصة.
 
ما المشكلة..؟
هناك عاشقين في أقاصي الكوكب، يعيشان حقوقهم الطبيعية والبسيطة كأحلام بعيدة، كخيالات معذبة وينتظران لحظة تموت فيها كل العيون الشريرة، لحظة يلتحمان على سرير واحد، يتبادلان الضحكات والعبارات البذيئة، وينعسان بأمان كامل وقد رفع البلاء عن الكوكب وعادت إليه روح السكينة.
 
هذا عالم ظالم يا سيدتي، مظالمه الصغيرة ، تلك التي لا ينتبه إليها أحد، هي أكثر قسوة من جرائمة الكبرى التي تطال الكثير ويرتفع ضجيجها ملء الكوكب. كورونا هي إحدى جرائم الإنسان المعاصر، لا علاقة للآلهة بها، فالإله لا يثأر من عباده، إنها حصاد ما فعلت يد الإنسان.
 
ومثلما سيموت فيها أبرياء، سيموت أشرار أيضًا، أما نحن فلا أبرياء ولا أشرار، إننا في المنتصف، ما بين بين، بشر بكامل طهرنا وخطاياتا الصغيرة، لهذا لن نموت، وسوف نجد فرصة لنعوض ما تسرب منّا من زمن بلا مسرات، إنها فرصة مناسبة لتخريب اللعبة، لتصحيح مسار العالم المختل، كوني متأهبة فحسب، من العبث أن نتركها تتسرب من أيدينا هذه المرة، من التعاسة أن نغادر الحياة ولم نأخذ قسطنا منها.
 

التعليقات