أحمد الشلفي

أحمد الشلفي

كاتب وإعلامي يمني

كل الكتابات
صنعاء القاهرة مالطا طرابلس
الخميس, 09 أبريل, 2020 - 02:24 مساءً

إنها رحلة من الخيال بالنسبة لطالب بدأ المرحلة الثانوية كان ذلك في العام 95م ربما في السادسة عشرة من العمر عندما قادتني أقداري للتعرف على الصديق عادل الشجاع في تعز قبل أن نختلف اختلافا فكريا  وسياسيا جادا فيما بعد رغم أن عادل  وهو من نفس منطقتنا شخصية لطيفة على مستوى الواقع  ومازال كذلك رغم أننا لم نلتق بعدها كثيرا.
 
أخوض في تفاصيل العلاقة لأنها كانت من القضايا التي تغضب والدي إذ كان يعتقد أن لقائي برجل منتم للناصريين هو آفة الآفات بينما كنت أعتقد بأن من حقي أن أمد جذور الصداقة مع الجميع ناصريين وبعثيين واشتراكيين وكنت أهتم كثيرا للكتب التي أحصل عليها وأقوم بقراءتها ثم أناقشها معهم.
 
أتذكر مرة أنني تعرفت على شخص لا أتذكر اسمه الآن أثناء مروري على أصدقاء من قريتنا يعيشون في تعز وكنت ألحظ انهماكه على القراءة وخاصة في الكتب اليسارية والاشتراكية فقررت أن أطلب منه أن يعيرني بعض الكتب فأعطاني كتاب لينين ما العمل وشرعت في قراءة الكتاب وأعطاني كتابا لماركس لا اتذكر اسمه الآن وقرأته.
 
أكثر من ذلك أنني كنت من هواة استماع الإذاعات البي بي سي، مونت كارلو،  هولندا استراليا كندا صوت أمريكا وكل الإذاعات  الناطقة بالعربية التي تقع على يدي  ومرة كنت استمع إلى إذاعة كانت تبث من لبنان اسمها صوت الغفران متخصصة بنشر الدين المسيحي وتخصص لذلك لقاءات وتراتيل ثم تدعو المستمعين إذا أرادوا نسخة من الإنجيل  أن يراسلوها فقلت لنفسي بروح مكتشف صغير لم لا أحصل على نسخة من الإنجيل وأقرأها وفعلا حصلت على نسخة منها عندما راسلتهم عبر البريد وبسذاجة طفل وضعتها في المكتبة التي كانت تقع عليها عين والدي وقامت قيامتي في ذلك اليوم بزعم أنني أريد أن أبدل ديني وطبعا هي خطوة غريبة ولديه كل الحق.
 
عموما أنا لم أكن أسيرا لبيئتي ومحاضني الفكرية ففي نفس الوقت الذي كنت أقرأ فيه لسيد قطب والمودودي وفتحي يكن ومحمد أحمد الراشد وعمر عبيد حسنه  والغنوشي والقرضاوي والغزالي فتحت عيني آنذاك على الكتب النقدية للفكر العربي والإسلامي مثل محمد عابد الجابري، طه عبدالرحمن، طه جابر العلواني،  محمد شحرور ، جمال البنا ، علي الوردي وغيرهم الكثير أما في الأدب فقد قرأت كل ما كان يقع أمامي بلا استثناء نجيب محفوظ، نجيب الكيلاني، علي أحمد باكثير، بدر شاكر السياب ، محمود درويش ، سميح القاسم عباس العقاد إحسان عبدالقدوس. طه حسين المنفلوطي. الرافعي والكثير في الأدب العربي والأجنبي سأتحدث عن ذلك لاحقا.
 
المهم أنني في تلك المرحلة الواعدة بالأحلام والأماني وأنا لا أملك من حطام الدنيا شيئا جاءني عرض عادل الشجاع بالذهاب إلى ليبيا إذ كانت اللجان الثورية الليبية تقيم آنذاك مسابقة للطلاب العرب في جامعة ناصر الأممية وهي تقام كل عام في ذكرى ثورة الثالث والعشرين من يوليو ثورة مصر.
 
ولهذا الغرض استلفت مبلغا صغيرا من المال من رجل أعمال وافق أن يدينني رحمه الله وحملته معي كنثريات وتوجهت إلى صنعاء وهناك ذهبت إلى السفارة الليبية وحصلنا على التذكرة وخط الرحلة نفسها مشوق اذ أن ليبيا في ذلك الوقت كان مفروض عليها الحصار الجوي بسبب حادثة لوكربي وبالتالي فحتى تصل إلى طرابلس عاصمة (الجماهيرية الليبية الشعبية العربية الاشتراكية العظمى) تحتاج أن تركب طائرة من صنعاء إلى القاهرة ثم طائرة إلى مالطا ثم سفينة من مالطا إلى طرابلس.
 
هذا كله بالنسبة لطفل صغير في بواكير الحياة رحلة (السبع المدهش) والسبع المدهش مسلسل رسوم متحركة مقتبس عن رواية حول العالم في ثمانين يوما لكاتب أدب الخيال العلمي جول فيرن الأديب الفرنسي.
 
في صالة المطار أقصد مطار صنعاء التقيت وجوها لا أعرفها ولكنني تعرفت عليها لاحقا ولكن معظمهم يربطهم شيء واحد هو الانتماء للحزب الناصري، هناك تعرفت على الأستاذ محمد الصبري رحمه الله والدكتور عبد الغني وحمدي البكاري وحمدي دوبله ونايف حسان ووهيب النصارى وفكري قاسم وغيداء عبد الحميد وعشرات الأسماء ممن شاركوا في ذلك الملتقى بطرابلس ومن الأكاديميين عرفت الدكتور محمد عبدالجبار ومحمود جمال وغيرهم.
 
وسأمر بسرعة على مطار القاهرة وكان شعور ا لذيذا أن أجد نفسي في مطار القاهرة ولكن الشعور الغريب علي هو عندما وصلنا إلى مطار مالطا فذلك بالنسبة لي شيء مدهش فعلا فالدولة الصغيرة التي تقع على البحر المتوسط جميلة حد إدهاش مراهق ريفي قدم لتوه من تعز .
 
اللغة الإنجليزية هي الطريقة الوحيدة للتعامل هنا قضينا يومين عجيبين وجميلين في مالطا وتجولنا فيها وزرنا السواحل وذهبت للكنيسة وشاهدت الناس وهم يصلون فيها وسمعت الأجراس وهي تقرع وتهنا ليلا كاملا في تلك المدينة التي تغلق أبوابها قبل الغروب وتفتح المراقص والبارات للساهرين والساهرات.
 
صحونا في اليوم التالي نحو الميناء لتحملنا سفينة عملاقة جدا كأنها مدينة تحمل المسافرين والبضائع والسفن والسيارات وإذا لم تخني الذاكرة فاسمها طليطلة.
 
هنا أيضا عالم من الدهشة فالسفينة فيها من كل الجنسيات وفيها أيضا الوفود الطلابية المشاركة من الدول الأخرى وبداخلها الكافيهات وملاعب التنس والمطاعم والبارات وكل ما يخطر لك على بال وبالطبع غرف للنوم تقاسمها المشاركون واستغرقت رحلتنا في عرض البحر يوما ونصف حسبما أتذكر.
 
أروي القصة باعتبارها كانت جزءا من تكوين الشخصية فالسفر والرحلات حياة أخرى إضافية لحياة أي منا وعالم مثير.
 
وكانت هذه الرحلة إضافة استثنائية لمعارفي في الحياة والأشخاص والمدن ونقلة جغرافية كونت من خلالها انطباعي عن الحياة فعند وصولنا إلى طرابلس بدأنا نحضر الملتقيات وبدأت أشارك في المسابقات الشعرية بشغف ورغم أن مسافة فكرية كانت بيني وبين المشاركين ألا أن ما ساعدني على التعرف عليهم ومحاولة الاندماج بهم شغفي بالمعرفة والحوار وتقبل الآخر أيا كان.
 
 كانت إقامتنا في فندق المدينة بطرابلس ومن هناك تعرفت على سرت وبنغازي ومدن ليبية أخرى وأكلت الكسكسي ومن هناك أيضا واصلت هواياتي في المراسلة مع الشباب والشابات الذين تعرفت إليهم وظل الكثير من الزملاء والزميلات وخاصة أعضاء ما يسمى باللجان الثورية يرسلون الرسائل وتصلني عبر صندوق بريدي إلى تعز.
 
وهناك أيضا قرأت الكتاب الأخضر للقذافي الذي وزع علينا حينها ورأيت عباراته المثيرة واختصاراته مكتوبة على الجدران واللافتات إذ كان بعض الليبيين يعتبرونه الكتاب المخلص للأمة العربية والعالم مما هم فيه وهذا وغيره لا يقبل النقاش بالنسبة إليهم والشخصية الليبية جميلة لكنها قاسية قليلا والأفكار عندهم لا تقبل القسمة على اثنين.
 
طبعا أنا دعيت مرة أخرى إلى ليبيا بنفس خط الرحلة عام 99 م لكنها لم تكن بنفس الدهشة الأولى.
 
 

التعليقات