أدين للعداوات والصعوبات التي واجهتها بالكثير من الامتنان لأن البعض منها رغم قسوته منحني القوة والتجربة والبعض منها علمني فضيلة النسيان.
لقد كان بعضها يحفر داخلي كجرح عميق يأخذ وقتا لكي يبرأ لكنني أحمله كدرس حيثما ذهبت.
جئت من تعز محملا بهذه التجربة تجربة التحدي والصراع مع السلطة ،سلطة الأب ،وسلطة المجتمع ،وسلطة التنظيم، وسلطة الفشل .
مع ذلك فأنني لم أكن أراني في عيون الآخرين كنت أراني في عيون أحلامي وكنت إتذكرعبارة جان بول سارتر (الآخرون هم الجحيم) فهل الآخرون هم الجحيم حقا؟
كنت أدرك فعلا أن الآخرين هم العذاب أو الجنة بقدر ما منحتهم أنت فرصة لتشكيل حياتك والتدخل فيها وصناعتها ولم أكن أهتم كثيرا.
في مرحلة القراءة الأولى في الإعدادية وقع بيدي كتاب ديل كارنيجي ( دع القلق وابدأ الحياة) خرجت منه بعبارتين هامتين ظلتا محفورتان في ذاكرتي حتى اليوم وانتفعت بهما في البدايات.
إصنع من الليمون شرابا حلوا
لا تبك على اللبن المراق
هناك في تعز نسيت حقا كل شعور سيء واحتفظت بالذكريات الجميلة وأزعم أن الحياة كانت عادلة معي لحد كبير فهي بقدر ما سلبتني شيئا من كل شيء من الطفولة، والاستقرار، والعائلة فإنها منحتني أشياء أشكر الله عليها حتى اليوم إذ وجدت نفسي في سن صغيرة في قلب المجتمع وفي قلب الحياة العامة فقد التحقت بوظيفة مرموقة في سن التاسعة عشرة في أكبر مجموعة تجارية وصناعية في البلاد .
ثم عملت في منبرين إعلاميين هامين في اليمن هما صحيفة الثورة بصنعاء والفضائية اليمنية رغم شح دخلهما قبل أن التحق في الخامسة والعشرين من العمر بقناة الجزيرة وهي أشهر القنوات العربية في ذلك الوقت معتمدا على قدراتي الشخصية في وقت لم أكن بالتأهيل العالي ولا بالإسم المعروف في عالم الصحافة الإخبارية مجتازا امتحانها الصعب.
كان من الصعب الالتحاق بقناة فضائية عربية في ذلك الوقت بسهولة فالحكومة كانت تقبض بيديها على كل وسائل الإعلام العربية والدولية.
أذكر مرة أن الصديق العزيز حميد شحرة رحمه الله دعاني إلى مكتبه بصحيفة الناس لمقابلة محمد الهاشمي الحامدي وكان رئيس تحرير صحيفة المستقلة التي اشتهرت في تلك الفترات وحدثني الرجل أنه يريد مراسلا تلفزيونيا لقناته الجديدة وتحدثنا حول الأمر ثم جاءني بعد يوم قائلا إن وزارة الإعلام لم تكن موافقة على اسمي وأعطته اسما بعينه للتعامل معه.
في تلك الفترة كانت أبواب الصحافة العربية والدولية مغلقة على الجميع إلا من رضيت عنه السلطات أو احتفظ بعلاقة جيدة معها وأذكر قصة الزميل حافظ البكاري مدير مكتب صحيفة عكاظ الذي فقد وظيفته بسبب تدخل الرئاسة وعبده بورجي وعلي الشاطر وعلي عبدالله صالح شخصيا للإطاحة به من موقعه وحدث ذلك فعلا.
كانت صنعاء كبيرة لأنها المركز فعلا ولأن تعز في ذلك الوقت فقدت كل بريقها بفعل تغول المركز على حساب المدن الصغيرة والأطراف والتهمت صنعاء كل المدن. تعز ،عدن، حضرموت وغيرها واستحوذت على كل شيء وغدا الساكنون الأوائل فيها يسيطرون على كل شيء.
بين الحكايات التي أحملها معي دائما حكاية ظريفة وهي حكاية الأرنب والسلحفاة اذ يحكى أن أرنباً مغروراً كان يفتخر بأنّه أسرع الحيوانات، ولا يتغلّب عليه أحد شاهد سلحفاةً مسكينةً تمشي ببطءٍ شديد، وراح يسخر من بطئها فقالت له تعال نتسابق وخلال السباق كانت السلحفاة تتابع المشي بجد ولا تتوقف، كان الأرنب مغرورا بسرعته ويتوقف وينام سبقته السلحفاة وأخذ يبكي على خسارته المرة.
كانت تلح هذه الحكاية علي وأنا أرى أرانب الصحافة مسرعين وكل واحد يمسك بعشر وسائل إعلامية دفعة واحدة ويصرخ مفتخرا قال لي الرئيس وأنا قلت للرئيس.
والحقيقة أنها كانت مشكلة فهناك جيش من الصحفيين اليمنيين بدون أعمال وهناك إقطاعية إعلامية تتحكم بالإعلام الأجنبي والمحلي والرسمي ومكتوب عليك أن تظل تحت رحمة هؤلاء بلا تطوير ولا تأهيل أو ما يجودون عليك به من فتات.
هنا في 2004جائتني فرصة الجزيرة الذهبية التي تعتمد فقط على مفاضلة قائمة على اختبار مواهبك وليس على علاقاتك بالسلطة وأجهزة الأمن وهذه هي حكايتي القادمة.