مع بدء حسين الحوثي إعلان حركته وتمرده من صعده عام2004 بدأت وسائل الإعلام وبينها الجزيرة بتغطية أحداث الحروب الستة وكنت حاضرا تلك الأحداث كصحفي منذ بدايتها حتى اليوم.
لم نكن نعلم لماذاتبدأ الحرب ولا كيف تنتهي إلا عندما نسمع بعد كل حرب أن هدنة بدأت اوقبلها أن الحرب اندلعت.
ولازلت اتذكر تلك الرحلة عام 2005 إلى صعده لتغطية الأحداث هناك حيث استأجرنا سيارة من صنعاء إلى عمران متجهين نحو صعدة ، والمفارقة أن تستقبلك المدينة بلافتة حديديةزرقاء قديمة مكتوب عليها صعدة مدينة السلام مع أن الأحداث التاريخية تقول عكس ذلك .
لازالت صورة الطرق الترابية في مداخل المدينة ماثلة أمامي والمسلحين التقليديين في نقاط عسكرية نصبت في كل مكان في أنحائها .
كان الذهاب مع مصور إلى مدينة تشهد حربا بين الحكومة والمواطنين مخاطرة لكن عدم الإلتزام بقواعد السلامة المهنية هي ميزة أي صحفي في بداياته فمن جهة هي محاولة للحضور عبر الأحداث الخطيرة ومن جهة أخرى جهل بقواعد السلامة المهنية وأهميتها ثم تعلمت بعد ذلك أنه لا خبر يعادل حياتك وحرصت أن أنقل تجربتي في كل محاضرة اولقاء مع صحفيين في بدايات مشوارهم المهني مذكرا إياهم بأن الصحفي المتمكن هو من يضع سلامته قبل كل شيء ومن يبتكر أساليب آمنة للفوز بقصص جديدةوسبق أخباري.
مع ذلك فلاأحد يلتزم بقواعد السلامة المهنية ولازالت غرف الأخبار في العالم ترسل المراسلين إلى مواقع الحروب ولازال المئات من الصحفيين المحترفين والهواة يقتلون بالرصاص والطيران ويتعرضون للإختطاف والتعذيب وغيره.
منذ تعلمت وعرفت تماما أن حياة الصحفي لايعادلها أي حدث وبعد تجارب مريرة صرت أتحدث إلى طواقمي عندما نتوجه إلى أي موقع تغطية أو عندما أرسل مصوراقائلا اذهب فقط للمشاهدة وعد بنفسك أولا.
تطورت فيما بعد أساليب التغطية فقد منحتنا صحافة المواطن والهواتف الذكية فرصا كثيرة للحصول على صور من مواقع الأحداث دون التورط في المخاطر لكن ذلك لم يحدث إلا بعد فترةطويلة من ممارسة العمل الميداني والوقوع في الخطر.
في تلك الفترة وحتى العام 2009م اعتقلت السلطات المئات أوالآلاف من الحوثيين وقتل عشرات الآلاف من الجنود الحكوميين ومسلحي الحوثي في الحروب الستة التي كانت تنتهي غالبا باغتنام الحوثيين أسلحة ومدرعات ودبابات .
اعتقل نظام صالح ايضاالصحفيين عبدالكريم الخيواني رحمه الله ومحمد المقالح وكنت الصحفي الوحيد الذي أنجز تقارير عن محاكمة الخيواني وتقريرا من منزل محمد المقالح أثناء اعتقاله في سجون الحكومة.
ولاحقا حصلت على صور خاصة تثبت قصف الطيران للمدنيين في صعده وقمت بإعداد تقارير حول ذلك .
وكم رن هاتف عبده بورجي سكرتير صالح محذرا من أن تلك التقارير عمل خاطئ ويجب التوقف عنه لكنني لم أتوقف مرة واحدة رغم أني كنت مناورا جيدا إلا أنني كنت أعتبر الخبر أو التقرير فرصة لا يجب ألا تضيع.
لقدبدأ الصداع باكرا فتغطية الحرب في صعدة اعتبرت عند الحكومة مناهضة للسلطات ودعما للحوثيين نستحق عليه الملاحقة والتعريض في الصحافة والترهيب.
خلال كل ذلك بدأت التعرف على محيط علي عبدالله صالح وعليه شخصيا إذكان الهاتف لايتوقف عن الترغيب والترهيب من عبده بورجي إلى علي الشاطر إلى فارس السنباني إلى اتصالات سلطان البركاني تتوسط بالتهدئة قليلالأن الرئيس غاضب لكن كل ذلك بما فيه العنف اللفظي الذي كنا نتلقاه في الشارع بسبب تحريض وسائل الإعلام التابعة للحزب الحاكم ولاحقا وسائل الإعلام الرسمية لم يوقفنا.
أتذكر تلك الزواية الصغيرة في صحيفة الميثاق الناطقة باسم حزب المؤتمر الشعبي الحاكم في اليمن التي وصفتني بجوبلز الصحافة إذقالت إنني أدير معارك نازية ضد الوطن وضد الشعب من على منبر الجزيرة، ووصفتني بوزير الدعاية الألماني "جوبلز", وبأنني "بوق كاذب" و"غير صادق" و"غير أمين" و"غير محايد" و"لا أحترم أخلاقيات المهنة ولا الحقيقة ولا الموضوعية".
وطلبت من إدارة قناة الجزيرة,إعفائي من مراسلتها قائلة إنه لا يعقل أن قناة بهذه السمعة والمكانة تقبل مراسلاً لها بتلك الأوصاف التي أطلقتها علي رددت على هذا التصريح قائلا إنه من المخجل الرد على بذاءات وسفاهات صحيفة يكلفها حزبها بالتطاول على الناس وعلى الإعلاميين على وجه الخصوص".
وقلت في تصريح لموقع"مأرب برس" أن هذه الاتهامات لن تعفيني من الاستمرار في استقامتي المهنية وأنني لست متفرغا للرد على هكذا تناولات طابعها الخِسَّة, وإرهاب الناس.
وسط كل ذلك منحت فرصة أخرى للتعرف على صالح وطاقمه ومحيطه أكثر عندما غطيت الانتخابات الرئاسية عام 2006م وهي انتخابات حقيقية كادت المعارضة أن تنجح فيها بمرشحها فيصل بن شملان رحمه الله وكاد صالح أن يسقط فيها ولاحقاقال علي محسن الأحمر أن بن شملان كان هو الأحق بالفوز لكن صالح هدد بإشعال حرب في البلاد لوحدث ذلك.
كنت إشارك بتغطيات المرشحين للإنتخابات الرئاسية صالح وبن شملان وكان الواقع يقتضي أن نرافق حملة صالح أيضا كما كنا نفعل مع منافسه .
كنا عشرات من الصحفيين المحليين او العاملين مع شبكات دولية وعربية نتوجه فجرا إلى دار الرئاسة حيث نجد هناك الطاقم الأمني والخاص والاعلامي والسياسي واحيانا صالح نفسه أمامنا نتناول طعام الفطور ونغادر.
في تلك الفترة شاركت في تغطية مهرجان صالح الإنتخابي الذي قال فيه إنه سيولد الكهرباء بالطاقة النووية و صار بعدهاالأمر مثالا للتندر والسخرية من تصريحاته.
ولازلت أذكر تلك المسرحية الهزلية قبل انتخابات 2006م عندما أعلن صالح انه لن يترشح للإنتخابات الرئاسية ثم عدل عن ذلك بعد اجتماعات حزبه لثنيه عن ذلك.
انتهت الانتخابات الرئاسية بأقل الخسائر وصرح محمد قحطان القيادي في حزب الإصلاح والمتحدث باسم المشترك اول تصريحاته حول نتيجة الإنتخابات قائلا إنهم سيفترشون الشوارع لرفض النتيجة سلميا لكن كان على المعارضة أن تبلع النتيجة تجنبا لأي صراع عسكري في ذلك الوقت كما قيل.
زادت متاعب صالح بعدها من حرب صعده إلى علاقته السيئة بالمعارضة قبل أن تبدأ مظاهرات الحراك الجنوبي عام2007م وزادت متاعب العمل الصحفي وللحراك الجنوبي وتغطياته حلقة أخرى.