لغز عدن الذي عجز الجميع عن حله، المليء بالتناقضات، المُشبَّع بالتلاعبات الخفية، المدينة التي يريدها الجميع، ولا يعمل لأجلها أحد.
تابعوا معي الأسطر الآتية لنناقش بشفافية ما الذي يُراد من عدن، ومن يحكمها، ونحاول سوية استشراف المستقبل.
تتردد كثيراً في الآونة الأخيرة عبارات " نحن على الأرض"، و " قبل أن تحرروا عدن، اذهبوا إلى صنعاء وحرروها من الحوثي"، و " عدن محررة وبيد أهلها".
عبارات في ظاهرها جميلة، وتدعو فعلاً بأن يتم تجنيبها أي صراعات طالما وأنها في يد أبنائها الحريصين عليها والقادرين على تنميتها والنهوض بها.
ولكن..
بعد حدوث أي مشكلة، أو كارثة كالتي حصلت بالأمس من غرق المدينة في مياه أمطار موسمية، تسارع الذين كانوا ينادون بالأمس بترك عدن وشأنها، إلى صب كل الغضب على الشرعية، وعلى الحكومة الممنوعة من دخول عدن، " وين شرعية الفنادق"، " المسئولين نيام والشعب يغرق"، " ليش مافيش تحرك من حكومة الفنادق"، وغيرها من العبارات.
طيب يا بني آدم أنت وهو، كيف يمكن نجمع بين ضدين في وقت واحد؟!
فالذي منع الشرعية من العودة، والحكومة من مباشرة مسئوليتها هو نفس الشخص الذي تمجده وتقدسه، وتبرر له في كل مصيبة تصيب عدن.
ثم أنَّ شعار السيطرة على الأرض لا يعني فقط حمل بندقية و التعنتر على خلق الله في عدن، فلو فعلاً أردتم أن تكسبوا ولاء الشعب، وتثبتوا أنكم أكثر كفاءة من حكومة الفنادق، لماذا لا تواجهون حقيقة انهيار كل شيء في عدن وتبدؤون بالبناء والتنمية، بدلاً من الانتقاد.
أما أن يتم إخراج الشرعية ومنعها من القيام بأي أعمال داخل عدن، وبعد أن يتم الاتفاق على عودتها وتسلمها عدن تسمونهم احتلالاً، و إن حدثت مصائب في عدن تنادون بفسادهم وعدم كفاءتهم في الحكم، وتقفون أنتم موقف المتفرج، فلا أنتم تركتم الأمر لأهله، ولا أنتم قمتم به وأثبتم صدقكم.
الحقيقة التي يجب أن نستوعبها ونعلمها جيداً، أن الأمر ليس بيد هؤلاء، عدن محل أطماع دول، وقد بيعت منذ العام 2015م، حين انسحبت قوات صالح والحوثي، و حلت مكانها مباشرة المدرعات الإماراتية تحت قاعدة سلم واستلم، وحتى تنطلي اللعبة على الجميع، فقد أبقوا مجموعة مقاتلين على جبال التواهي وكريتر وفي بنايات المعلا وشوارع خور مكسر لتوهم الإمارات الجميع بأنها البطل المنتظر الذي حرر عدن وأعادها لحضن أهلها. والحقيقة أن القوات التابعة لصالح والحوثي مرت بكل عتادها على خط أبين وتوجهت إلى أعلى قمة ثرة أمام أعيننا، ولا تزال حتى يومنا هذا متمركزة هناك.
استطاعت الإمارات بدهاء أن تخدع الكل، وأن تحتل عدن والشعب كله يصفق لها، دخلت الإمارات باتفاق مبرم نزل على إثره ضباط المخابرات الإماراتية، ناصر المشبب، وأبو سيف، والطنيجي، وأبو عبدالله الإماراتي، وأبو راشد، وأبو ماجد البلوشي، وكذلك الضابط الإماراتي الأول المتحكم بكل المشهد العدني أبو خليفة سعيد محمد خميس النيادي، اتخذوا من مبنى بازرعة مقراً سموه مقر التحالف ينفذون منه مشاريعهم القذرة في عدن. أما الصادقون من أبناء عدن الذين ضحوا بالغالي والنفيس لاستعادة مدينتهم، فمجرد انتهاء المسرحية، تم الخلاص منهم، منهم من قُتِل، ومنهم من سُجِن، ومنهم من لا يزال مُحارب إلى اليوم وممنوع من دخول أرضه.
بعد حرب الحوثي، تم الاتفاق على إعادة هيكلة الجيش، و ضم المقاومة الجنوبية تحت ألوية الجيش والحرس الرئاسي، وكان مهندس تلك الفكرة الشيخ أحمد العيسي، ولكن هذه الفكرة تعارضت مع مشاريع الإمارات التي حرصت على تكوين قوات تتبعها مباشرة وأسمتها بقوات الحزام الأمني.
سرعان ما تعالت أصوات الإماراتيين والذين قالوها بصريح العبارة لا يمكن أن نسمح بوجود تلك القوات في عدن، وسنخرجها، فاندلعت بعد ذلك معركة المطار، التي كادت الألوية الرئاسية أن تحسمها وتنهي كل أحلامهم لولا تدخل الطيران الإماراتي، تلتها معركة يناير 2018م، وآخر تلك المعارك كانت في أغسطس 2019م، والتي ضرب فيها الطيران الحربي الإماراتي على مرأى ومسمع العالم أجمع القوات الحكومية الشرعية، لتُترك عدن تواجه مصيرها بيد الغريب، و المترزق.
الشيء الأكثر نكالاً بأنَّ تصريحات الإمارات جاءت لتؤكد استهدافها لقوات الشرعية بحجة احتوائها على تنظيمات إرهابية، بينما عيدروس الزبيدي – شفاه الله- زاد على روايتهم بأنَّهم اكتشفوا أفارقة تقاتل ضمن صفوف القوات الحكومية.
خرجت تلك القوات من عدن، وتوجهت إلى شقرة في أبين، واتخذت بعد ذلك الحكومة بعض الخطوات الجريئة مثل اتهام الإمارات في اجتماع الأمم المتحدة بضرب القوات الشرعية، وهو الأمر الذي بُني اتفاق الرياض كله عليه؛ من أجل أن تخرج الإمارات كحمامة سلام في اليمن.
بعد أن بدأت تضيق الأمور على هذه الدولة الكرتونية الناشئة صاحبة الأطماع الأكبر من حجمها، رتبت لاتفاق الرياض، وأهم ما كان فيه أن يُستبدل علم الإمارات بعلم السعودية في عدن، وأن تحل القوات السعودية مكان الإماراتية.
أرادت السعودية أن ترتب وحدات عسكرية من اليمنيين لحمايتها كما كان الحزام يحمي الإماراتيين ومصالحهم،، فبدؤوا بالمطار، وهنا رأت مليشيات الإمارات أن البساط يُسحب من تحتها، فأوعزت السعودية لقوات الشرعية بالتقدم نحو عدن و التأهب لدخولها، فحشدت الشرعية قواتها وتم الترتيب لدخول عدن بجاهزية مكتملة. وحقيقة الأمر لم يكن سوى ضغط سعودي على تلك الميليشيات لتكمل عملها في عدن.
الشرفاء في الجيش أخذوا الأمر بجديه وما أن تقدم الجيش قليلاً، وتحديد ساعة الصفر، حتى جاء اتصال خالد بن سلمان لناصر عبدربه أن أوقفوا الزحف، وكل من يتحرك نحو عدن سيكون هدفاً لطائراتنا.
أوقف قائد ألوية الرئاسة الزحف، وانصاع للتهديد السعودي، وكان الأولى والواجب الذي يُفترض أن يتخذه ناصر و أبوه هادي أن يستمر الزحف نحو عدن، ولو تعرض الجيش للقصف السعودي حينها، يخرج عبدربه معلناً انتهاء دور التحالف، وترك الأمر يمني يمني دون أي تدخل خارجي يأزم الوضع، ويقف عائقاً أمام عودة الدولة.
ولكني لا أظن أن هذا سيحدث أبداً، لأن من يحكمنا ليست إلا مجرد أيادي مرتعشة، لا تعلم ما الذي سيكتبه التاريخ.
فيا قوم، خلاصة القول.
لو كان هناك إرادة فعلية لعودة الدولة، وبناء عدن، لكان حدث منذ العام 2015م، ولكن هكذا يُراد أن تغرق عدن أولاً بوحل من القوى المتصارعة، وغياب الخدمات، والتنكيل بهذا الشعب. ولا يمكن أن تُستعاد كرامة الوطن إلا باصطفاف وطني موحد ننبذ فيه كل خلافاتنا السياسية والفكرية، ونجعل مصلحة الوطن فوق كل اعتبار. ونقول للأجنبي، ولبائع الوطن لا مقام لكم فيها.
أظنه حلم أن يتحقق هذا، ولكن صدقوني لا خلاص لنا إلا بهذا القرار.