كان عام 2010 عاماً رهيباً فمن جهة زادت المخاوف وأطلق صالح كلابه في كل مكان يلاحقون الناشطين والصحفيين والسياسيين، فهناك من يحاكم وهناك من يعتقل وهناك من يترصد البيوت وهناك من يهدد برسائل التلفون.
وكانت الساحة السياسية تشهد أسخن فتراتها بين حزب المؤتمر الشعبي العام حزب صالح وك أحزاب اللقاء المشترك المعارضة التي لم تجد طريقا غير المعارضة بسبب تعنت علي عبدالله صالح وإقدامه على كثير من الأعمال التي تسد باب الحوار فهو من جهة وقع اتفاقا معها ثم ذهب ليتحدث عن تعديلات دستورية وقرر فجأة إجراء الانتخابات منفردا.
كان صالح متأثرا بالإنتخابات المصرية التي أجراها حسني مبارك رئيس مصر منفردا وكان يتبع ما يحدث في مصر خطوة بخطوة فهناك أصبح جمال مبارك جاهزا للتوريث وفي اليمن كان صالح يجهز ابنه احمد للرئاسة .
كان ابنه أحمد يرأس قوات الحرس الجمهوري التي يبلغ تعدادها في ذلك الوقت مئة الف جندي وضابط على حساب قوات الجيش والفرقة الأولى مدرع التي كان يقودها علي محسن الذي تراجع دوره في تلك الفترة لصالح أحمد علي عبدالله صالح.
ومالم يكن يعرفه إلا القليل من الناس أن أحمد كان يدير حكومة ظل مكونة من مجموعة أشخاص وكان مقيله ومكتبه يعج بالمراجعين والطامحين للحكومة والسلطة وبدأت صوره بالظهور في الإعلام عكس شخصيته التي كانت بعيدا عن الأضواء.
وكانت الوزارات والوزراء في كثير من الأحيان يتلقون التعليمات منه وهناك مساحة نفوذ لأبناء أخيه فعمار وكيل جهاز الأمن القومي وحولت إليه قضايا الإرهاب ويحي رئيس الأمن المركزي وطارق يدير الحرس الخاص وأبناء آخرون في الجيش
من بين الأشياء الطريفة بين 2008م و2009م التي أذكرها اتصال هاتفي من عضو برلمان ورجل أعمال عن ريف تعز وكنت تعرفت عليه في تلك الفترة سلم وسأل عن حالي وقال لي: بجانبي العقيد عمار يريد أن يكلمك وبعد السلام والسؤال عن الحال وكان هناك قضية ساخنة تثير جدلا وطلب مني استضافة البرلماني في برنامج كان مخصصا لتلك القضية التي كان لها علاقة بالإشكاليات بين السلطة والمعارضة كما أتذكر، أغلقت سماعة الهاتف ونسيت الموضوع من الأساس .
في تلك المرحلة ذاتها بين 2009 و2010 بدأ طارق محمد عبدالله صالح طموحه ونفوذه فأسس قناة العقيق الفضائية وبدأ التواصل مع الصحفيين ويوما اتصل بي فارس السنباني سكرتير صالح ودعاني لمقيل في منزله ومرة في دار الرئاسة فوجدت هناك طارق ومجموعة من الصحفيين وبينهم نبيل الصوفي ومحمد الخامري رئيس تحرير صحيفة إيلاف وآخرين لا أتذكر اسمائهم حاليا وكان نبيل الصوفي قد انخرط بشكل ملحوظ في قائمة الإعلاميين المرتبطين بطارق وعلي عبدالله صالح نفسه بدءا من انتخابات الرئاسة 2006م وعقب خروجه من رئاسة تحرير صحيفة الصحوة التابعة لحزب الإصلاح بسنوات.
كنت أحاول قدر ما استطعت ألا أكون فظا كشخص وليس كصحفي وأن أبدو مسالما في التعامل الشخصي في ظل فورة غضبهم وشعورهم بالضعف وكان سقف الإعلام المعارض والأهلي قد ارتفع لدرجة مس صالح وابنائه بشكل مباشر وكان الفن الساخر ينال منهم بين فترة وأخرى بدون حدود .
ارتفع منسوب مخاوفي في تلك الفترة لحد كبير فلم يبق سوى إعداد المشانق للصحفيين والمعارضين والذين يقولون أن عهد صالح كان حريريا ومخمليا يخطئون ففي السنوات الأخيرة لحكمه جن جنونه قمع الحراك الجنوبي وقاد حربا ضروسا في صعده وضرب بكل حواراته مع المعارضة عرض الحائط ودخل في خلافات عميقة مع شريكيه علي محسن وعبدالله الأحمر وذهب يقيل المسؤولين في حكومته من الناصحين له وهمش قيادات مهمه مثل عبد الكريم الإرياني الذي كان يعد بوصلة سياسية له ولحزبه وذهب يتربص بكل قلم وصحيفة وفوق ذلك راح يهيأ ابنه وآل للرئاسة ويغير في القوانين والتشريعات التي تمنحه فرصا جديدة للبقاء في الحكم.
لاحد لمخاوفي على نفسي وعلى عائلتي والفرق بين مخاوفي ومخاوف الصحفيين الآخرين أن الوسيلة التي أعمل فيها قوية وتاريخها في حماية منتسبيها مشرف وإلى جانب ذلك إيمان عميق بحفظ الله مع الأخذ بالأسباب والحقيقة أنه لم يكن هناك أسباب كثيرة لنأخذ بها فالحارس هو الله وحده.
كنت مستعدا لما قد يحدث منتظرا ما تقدره الأقدار قبل أن تأتي الرياح بما لا تشتهي سفني، ففي تلك الفترة أواخر عام2010م قررت أخذ استراحة من عملي في صنعاء وطلبت من رؤسائي بالقناة في الدوحة نقل عملي وبعد نقاش طويل وأخذ ورد قررت القناة منحي تفرغا كمراسل متجول لمدة عامين ومنحتني الحق في العودة إلى اليمن في أي وقت أشاء وهذه المعلومة لا يعرفها سوى قليل من الأصدقاء .
كان ذلك في ديسمبر من العام 2010 حيث هبت نسائم ثورة تونس ومعها هبت رياح الثورات في دول المنطقة .
كنت أتابع على التلفاز وفي المواقع والفيس بوك صدى ثورة تونس في صنعاء بمظاهرات صغيرة العدد كبيرة المطالب وبينها إسقاط النظام ورحيل صالح.
عدت لصنعاء بداية يناير2011م وفي قلبي وهج من ثورات تونس وشرارة ثورة مصر وراودت نفسي على البقاء هناك وإكمال المشوار والغوص في أهم حدث تاريخي سيكون مفصليا في حياتي وحياة كل اليمنيين.