لقد كانت الجزيرة في اليمن في تلك الفترة قناة عزلاء وكنا صحفيين عزل في مواجهة أدوات دولة كاملة وتحريض جعل قطاعا من الشعب ينظر إلينا كأعداء ومرتزقة وعملاء للخارج.
وسأسأل نفسي الآن هل كنت متحمسا للثورة ضد نظام علي عبدالله صالح الجواب :نعم مثلي مثل أي مواطن عربي عاش فترة الثورات واكتوى بنيران الاستبداد والفساد والبطالة والفقر .
إن ثورات الربيع العربي أوقدت في الضمائر حب الوطن والبطولة الشخصية فكان كل واحد مرآة بطولته وخروجه على مخاوفه وفي ذلك الوقت شاهدنا ألوانا وأنواعا من البطولة وإيثار الوطن ، لقد كانت لحظات صدق حقيقية لصناعة الأسطورة الشخصية للفرد العربي المتمرد الرافض المتماهي مع هدير الشعب وصوت الحرية.
هناك خيط رفيع دائما قد يفصل بين النظر إلى الأشياء ونقيضها لكن في الثورة والصحافة هناك خيط رفيع قديجمع بينهما فبينما تعد الثورة سلوكا سلميا أوعنيف الرفض الاستبداد والخروج على الحاكم فإن تعريف الصحافة الحرة هي إقلاق السلطات وإفزاع المستبدين والصحافة المتصالحة مع السلطات هي صحافة البلاط والقصور الحاكمة وهكذا كان تعريف الصحافة الحرة في كل زمان ومكان في الغرب أوفي الشرق .
أعود إلى سرديتي من جديد ففي هذه الفترة من فبراير 2011م انتقل الزميل حمدي البكاري إلى تعز لتغطية المظاهرات هناك وفي وقت آخر ربما من مارس انتقل الزميل سعيد ثابت مدير المكتب لعدن وبقيت في صنعاء أراقب ما يجري .
ملأ نظام صالح حارات ومناطق صنعاء بالمسلحين والبلاطجة وراح يعد عبر عقال الحارات الساكنين والمنازل وكان منزلي أحد هؤلاء إذ كنت في ذلك الوقت أسكن في عمارة مع عائلتي بجانب المر كز الليبي .
كان عاقل الحارة أو شيخ الحارة وهكذا يسمى في اليمن يرسل بشكل يومي للسؤال عني ومن ثم تطور الأمر لمراقبة حركتي قبل أن يصل مسلحون تابعون للسلطة لمحاصرة منزلي وبداخله أطفالي .
لم أكن موجودا حينها فقد كنت بدأت البحث عن أماكن تؤويني وكان بينها منزل الصديق أحمد الزرقة الذي ظللت فيه أياما، أما عائلتي فقد أخرجتها من المنزل نهائيا بعد محاصرته ثم بعد ذلك في مايو أرسلتهم للدوحة للبقاء هناك لأشهر وغرضي كان أن اعمل بدون أية مخاوف قد تمنعني من إعطاء الأحداث حقها وخوفا من أن أجني على أحد غيري أوأن تتسبب جرأتي في إيذاء أحد.
لن أنسى هنا أن عسكر زعيل اتصل بي يطمئنني ويقول إن علي محسن الأحمر وجه بإرسال حماية لمنزلي ولن أنسى اتصالا جميلا من الشيخ صادق الأحمر يعرض فيه حمايتي وأسرتي وكنت ممتنا لاتصاله كل الإمتنان.
أيا يكن الأمر فقد أصبحنا خصوم النظام ، وأصبحنا خصوم قطاع من الشعب وفي تلك الفترة بالذات كان هناك انقسام بين من يرى الثوار أعداء الشعب ومن يراهم أحباب الشعب وكنا بين هؤلاء وهؤلاء أصدقاء وأعداء.
هل اختلط الأمر علي في ذلك الوقت بسبب كل هذا فأصبحت لا أفرق بين كوني صحفيا أو ثائرا ،لا أعتقد ذلك فقد أعطيت الشاشة حقها وعملت على صون مهنيتي من الإنحراف لكني لم أجد مناصا من خوض تجربة الثورة بكل تفاصيلها صحفيا وكاتبا وشاعرا ومؤمنا بحق الناس في الثورة وحقهم في النضال ضد المستبدين للأبد.