كانت مذبحة جمعة الكرامة في الثامن عشر من مارس هي محرك الثورة ودينامو الإنطلاقة ومن بعدها كشف النظام عن وجهه وعرف الشعب حقيقة ما يجري حيث تابع مجريات المجزرة من بدايتها عندما قام المسلحون بصب البترول وإحراق الجدار الذي يفصل ساحة التغيير بصنعاء عن الشارع وقنص المتظاهرين وإطلاق الرصاص على رؤوسهم مباشرة ونقل القتلى والجرحى للمستشفى الميداني .
كانت الجزيرة تنقل البث بشكل حي على الهواء مباشرة وكان المصورون يلتقطون الصور ثم يرسلونها للمكتب فورا لتبث على الهواء مباشرة.
لم أكن موجودا وقتها في الساحة ودخلتها فيما بعد لكن الزميل أحمد زيدان كان يغطي وفتحت القناة تغطية مباشرة موسعة للحدث الذي كان الأول من نوعه في تاريخ اليمن.
صارت اليمن القضية الأولى في الإعلام العالمي وأسفرت المجزرة عن قتل إكثر من خمسين متظاهرا وعشرات الجرحى لكن النظام لم يتمكن من فض الساحة بل إن الساحة بعد ذلك اليوم امتدت أكثر وأكثر وزاد المعتصمون والخيام وأصبح للساحة منافذ وأمن وحراسات من الرجال ونساء يفتشون القادمين إليها.
في مساء جمعة الكرامة قرر النظام ترحيل مراسلي الجزيرة أحمد زيدان وعبدالحق صداح من صنعاءوتم أخذهما من الفندق إلى المطار إلى القاهرة ثم الدوحة وبذلك أصبحت المراسل الوحيد الموجود في صنعاء لتحمل تغطية هذا الحدث.
تحول كبير أحدثته جمعة الكرامة في أوساط الشعب وفي أوساط النظام فقد استقال الكثيرون من مناصبهم ومن حزب المؤتمر الشعبي العام.
لكن ذلك تحول إلى إجماع حقيقي في الحادي والعشرين مارس عندما أعلن علي محسن الأحمر انضمامه للثورة الشعبية.
وقد كنت أول من استلم إعلان علي محسن وقيادات الجيش تأييدهم للثورة الشعبية الشبابية السلمية وانفردت به الجزيرة دون كل القنوات.
في الساعة السادسة فجر يوم الواحد والعشرين من مارس إلفين واحد عشر دق باب الشقة التي كنت أسكنها وطاقمنا في وسط ساحة التغيير بصنعاء بعد ان أصبحنا نعيش في الساحة.
ظهر أحد الأشخاص وسلم لي قرصا مدمجا قائلا إنه من اللواء علي محسن الأحمر" وبالمناسبة لم اكن اعرف اللواء علي محسن شخصيا في ذلك الوقت.
أخذت القرص المدمج وذهبت لأوقظ زميلي المصور والمونتير الذي كان معي في نفس الشقة الزميل سمير النمري وقمنا بفتح القرص فإذا باللواء علي محسن وهو يعلن تأييده ودعمه للثورة الشبابية السلمية وتأكدنا من الصورة والصوت وإلى جانب ذلك كان هناك قادة عسكريون من المنطقة الشمالية الغربية يعلنون تأييدهم للثوره وبينهم صالح الضنين.
اتصلت بالمركز الرئيسي للقناة بالدوحة الثامنة صباحا ووضحت لهم ما يحويه بيان اللواء علي محسن وأهميته .
وأرسلت لهم المادة وبثت في الساعة العاشرة صباحا من ذلك اليوم واتذكر أن مكتب علي محسن اتصل قلقا من تأخر بث البيان وكنت أول من علق عليه وبعدها انضم اللواء محمد علي محسن قائد المنطقة الشرقية ثم بدأت سلسلة استقالات في السلك العسكري والأمني والدبلوماسي والإداري وقيادات المؤتمر الشعبي وفي كل هيئات الدولة.
لا أستطيع ان أصف كيف كانت الاتصالات تنهال علينا من كل مكان ومن مئات الأشخاص وأتذكر أنني كنت والزميل سمير النمري نجلس على طاولة واحده نستقبل الإتصالات من اليمن والعالم من العاشرة صباحا حتى المساء وأصبحت الغرفة الرئيسية للأخبار في الدوحة والمراسلون في العالم يتابعون أصداء انشقاق جزء مهم من الجيش يتمثل في اربع مناطق عسكريه هي :
المنطقة الشمالية الغربية
المنقطة الشرقية
المنطقة المركزية
والمنطقة الوسطى
ولم يتبق سوى المنطقة الجنوبية فقط التي لم تعلن انضمامها للثورة " ( كان يقودها اللواء مهدي مقوله ).
لقد اهتزت الأرض من تحت أقدام النظام وكانت تلك ليلة إعلان وفاته لكنه استطاع أن يقف من جديد على قدميه ويناور .
من أغرب ما حدث في ذلك اليوم إتصال تلقيته من الراحل عبد القادر هلال حيث أرسل لي رسالة عبر التلفون في الثامنة مساء لكنه اتصل بعد ربع ساعة فقط وطلب مني ألا انشر ها دون أن يعطيني تبريرات لتراجعه عن ذلك.
وقد ظل هلال رحمه الله متواصلا معي طوال أيام الثورة وبعدها وكنت أستقي منه المعلومات والأخبار.